22 أكتوبر، 2024 10:31 م
Search
Close this search box.

البحث في عباب ذاكرة حبلى – قراءة في مخابيء ” النهايات ” للقاص اياد خضير

البحث في عباب ذاكرة حبلى – قراءة في مخابيء ” النهايات ” للقاص اياد خضير

فن القصة القصيرة من احدث الفنون الادبية الابداعية حيث لايتجاوز ميلادها قرنا ونصف من الزمان ، وقد كان للنقد موقف خاص من القصة القصيرة ربما كان وراء تاخر انتشارها وشيوعها في الحياة الادبية . وتكمن اهمية القصة القصيرة في انها شكل ادبي فني قادر على طرح اعقد الرؤى واخصب القضايا والقراءات الذاتية والنفسية والاجتماعية وبصورة دقيقة واعية من خلال علاقة الحدث بالواقع ، وما ينجم عنه من صراع ، وما تمتاز به من تركيز وتكثيف في استخدام الدلالات اللغوية المناسبة لطبيعة الحدث واحوال الشخصية وخصائص القص وحركية الحوار والسرد ومظاهر الخيال والحقيقة .

  ان مخاضا عسيرا لسنين عجاف ويباس وظمأ وحواجز يتحسسها الكاتب يحاول اجتيازها بلقاء قريب ، الى حزن يهزه هزا عنيفا ، يبدا بعدها ببكاء وصراخ يتحول عند لحظة الى عواء ذئب جريح ، هذيانات مستمرة ، وجدران تضيق عليه موحشة كقبو مظلم ، وهكذا يتعاظم حزنه ليتحول الى حبل يلتف حول عنقه ، وخفافيش تمخر عباب ذاكرته وحب ضائع ” اخرس ” وعيون متعبة كلها ترمق السماء بانتظار مطر يرطب جفاف نفسه ، انها ارهاصات زمن قاس ، وكلها بانتظار سقوط اسباب اهاته ، انها لحظة الفرج ، لحظة الخلاص ، لحظة سقوط صنمه ، بل تهاوي اسباب ظلمه ، ليبوح عن كل ذلك بوحا صامتا، ونسيانا يلوذ به كنعمة من عذاباته ، كل ذلك تمخض عن ودلاة عسيرة لبداية ” النهايات ” للكاتب  اياد خضير / الصادرة عن ” دار رند ” لبنان / بحجم متوسط / والبالغة ” احدى وعشرون قصة قصيرة ط1/ 2010 / والتي استهلها بقصته “الحاجز” الذي يحول دون طموحاته ، هي رحلة بحث عن مفقود ( قسماته الدالة ، التي كانت تعبيرها المضطرب تبحث عن شيء فقده / ص5 / ويختمها بقصته ” في النسيان نعمة” / ص 89 / وكانه يضعنا على خط بياني لاهاته ، ليخوض في عذاباته ، لكنه يؤطرها بمتنفسات ترويحية  اذ ينشر نسائم حبه بين مفخخات حياته ليخفف عن متلقيه ، ويتصاعد معه رويدا رويدا بعذاباته حيث محاولته الجريئة في نسف فخاخ حياته وتجاوزه ” تجربة موت بتجربة تحدي ” لكن دون جدوى ليصرخ ” وماذنبي اذا شعرت لاحقا بانني لست من الحياة الا هامشها المرفوض … ص89 

  تعد تجربة الكاتب السيد المبدع / اياد خضير القصصية ،  خوض لواقع مرير عاشه الكاتب بين ليل يعسعس ينخر بقايا العمر، وخفافيش تمخر عباب الذاكرة ، وروح كثيرة المخابيء ، وصور تترى للوحشة والكابة ، الى رياح ساخنة تلهب النفوس المثقلة بالحيف والحزن، تليها حسرات تفتح جراح مدفونة بالصدور كلمات تنبض بالخفقان ، خفقان الحزن والياس والقنوط والمرارة . هو مخاض عسير يخوض فيه الكاتب من خلال ” نهاياته ” السوداوية التي سطرها بسنين عمره ، في محاولة لوضع نهايات لمرثيات نفسه وان كانت بصوت خفي حد التلاشي ، هو كالقشة لحظتها يرتفع باجنحة بيضاء وسط سماء زرقاء صافية ليصرخ ، ان النهايات بدات وان الاصنام سقطت ، هي رحلة  البحث عن الذات ، المترنحة بين احلام دفينة سحقتها مرارات ايامه وواقع يقض مضجعه ليصيره ،  شخوصا تجسدت ب (  احمد وتارة بخالد او حميد احيانا اخرى ) وتبدا اولى خطوط نهاياته من اغترابه عن ذويه باضفاء نشوى  الحب الذي يطرق بابه / في قصته ( اللقاء الاخير / ص11 ) وايضا يعادوه الحب في ( الهاتف / ص 15 ) ويتجلى حبه في ( فتاة الحافلة / ص18 ) فيبوح  بوحا واضحا للحب ” اه لقد دمرت دواخلي …” هل هو الشعور بالحب ؟ ” ويعود ليعترف في ( ص23 /هذا قدري) الحلم عند صعوبة الواقع ” الان اتكلم بمنطق الاطفال او العصافير ..” وفي ص23 / ” انني احبك .. واني بانتظار المطر ، ففي ص 11 / ” عمر ضائع ..” و يأبن الكاتب نفسه في ص12 / ” فقد بلغت خريف …”  وفي كل صرخات الكاتب لنداءات الحب” الهاتف / ص15 ” الا انها باءت بالخذلان بعد ان ظهر حبه حبا اخرسا ” في هذا قدري / ص 24 ” .

  وبرغم  جهود الكاتب الواضحة بمجوعته الى انني وبحكم مهنيتي بودي ان اشير الى بعض الكبوات التي وقعت بين ثنايا قصصه ــ عفو الخاطر ـــ  والتي اشير اليها كونها تغير انماط ومجريات احداثه ، متغافلا عن ـ اللمم ـ منها وهي اخطاء لم تسعفه به دار ” رند”  نفسها ، كما ورد في القصة ( الحاضر / ص 9 ) كانت تعبيرها … الاصح تعبيره ، وفي القصىة / يوم مشرق / ص11 ) عشبه .. والاصح عشبة 0 وللاسف تشيع كثيرا ظاهرة عدم التمييز بين الهاء الضمير والتاء المربوطة ) ، وفي ص12 اليس ذكرى الامس،  والاصوب اليست للتانيث  وايضا يتكرر نفس الخطا على ص13 / بورود نسمه والاصوب نسمة ، وفي ص31 / كهديل الماء .. والاصوب هدير الماء / لان الهديل صوت البلبل/ والهدير صوت الماء ، وفي ص66 / او ربما حالته النفسية المدمات … والاصوب المدماة ، وايضا لايزال يطفوا والاصوب يطفو ( لان الف التفريق واضحة الاستخدام )، وفي ص67 / ومرارتها اللذعة .. والاصوب / اللاذعة ….

   ان ” النهايات ” تعد بدايات تصحيحية لمسارات الاعياء التي مر بها المؤلف ، بعد ان توشحت  بالحب والرومانسية وهي ايماءة وتاثر بالادبيات الفرنسية اذبان الثلاثينات ، حيث تلمست صدق في علاقته مع تصوير شخوصه وهو امر يحسب للكاتب في توظيفه الفكرة والمغزى ، حيث يتضح ويتجلى مراد الكاتب في اظهار شخوصه وطبقاتهم الاجتماعية ، فيما لم نتلمس ” حبكة ” الكاتب في اظهار العمق والنسق النفسي والتاريخي لشخوصه الذي اجاد اختيارهم بحرفية عالية وانتماءاتهم وهو امر يحسب له ، ومما يحسب له ايضا توظيفه لمفردات تشويقية اكثر غير مستهلكة لتضفي عنصر الجمالية والحبكة ، ومتجاوزا انماط الالفاظ العامية المستهلكة ، لان تسويق القاص ـــ للالفاظ العامية ـــ المبتذلة التي لاترقى الى معان ذات ايحاءات متعددة مؤثرة كما هو حال اللغة العربية،  الامر الذي يفقد عنصر الاثارة واللهفة اللتان بمثابة النسغ الصاعد لرجاحة فنية القصة . وتكاد تشترك قصصه بثيمة ” الرواسب الاجتماعية والحيف القاسي من الايام ، من خلال زج شخوصه بزوايا حياتية متنوعة ، واضفاء نسغ الحياة فيها وكلها كانت تصب الى حد بعيد بجمالية ممزوجة بحبكة وان خلت في بعض الاحايين من عنصر التشويق واثارة متلقيه من عنصر المفاجاة .

وتبقى ” النهايات ” للسيد اياد خضير اضافة جديدة لادبياتنا لما لها من رؤية رائعة لتداعيات اجتماعية عاشها الكاتب ، ووثيقة لفترة عاشها وشهد احداثها ، اذ حفرت عميقا في ذاكرته جروحا ربما لاتندمل بعد ،  يلوذ منها بالنسيان كنعمة ( … وحرقت كل ماحرقت معها كل الاحداث .. كل الذي جرى لي ، ان انسى لان في النسيان نعمة ) .

[email protected] 

أحدث المقالات