22 نوفمبر، 2024 4:05 م
Search
Close this search box.

وتلك الأيام نداولها بين الناس

وتلك الأيام نداولها بين الناس

في تسعينات القرن الماضي وبالتحديد في بدايتها فترة الحصار المفروض والجائر على الشعب العراقي ..أصبح هم المواطن الاول والاخير تأمين لقمة العيش له ولعائلته ..كان الزمن صعب جداً وأصبحت ظروف العيش قاسية وأصبح الراتب لا يكفي لسد حاجات البيوت والعوائل وخاصة أن العراقيين شعب ضيافة وشعب كريم يستحي ماذا يقدم للضيف من طعام وواجبات ضيافة أخرى..
اضطرت اغلب العوائل في حينها لبيع حاجياتهم المنزلية وما يملكون من اثاث في البيوت حتى وصل الأمر لبيع الصوف الموجود داخل الفراش لدى أغلبهم .
لقد بيعت ثلاجة البيوت والتلفزيون وقسم من العوائل العراقية باعوا سقوف بيوتهم وأبوابها والشبابيك ..
لقد كان ظرف صعب جدا دفع ثمنه هذا الشعب الكريم الشجاع ومازال يدفع اغلى الأثمان نتيجة سياسات الدولة الخاطئة …
كان الحصار قاسي فاضطرت الدولة في حينها لمنع استيراد وبيع اغلب المواد الكمالية الغذائية من الأسواق للحفاظ على ما تبقى من العملة الصعبة فمنعت المشروبات الغازية والحلويات واصبح المتداول في الأسواق الحلويات التي تصنع من التمور فقط واما المشروبات الغازية فتصنع لدى الباعة المتجولين فقط بطريقة محلية بسيطة .
عادت ملابس البالات من جديد واصبح أسواقها رائجة وأصبح قابوط البالة يضرب به المثل ..
أما اللحوم الحمراء والدواجن المستوردة فقد اختفت نهائيا وأصبح فخذ الدجاج الأمريكي مجرد صورة في الأذهان …
وعدنا الى سابقة عهدنا وعهد اجدادنا ننتظر موسم الأمطار ليأتي ربيع دسم فيه الكمأ والكعوب والخباز (( السلاگ)) إضافة إلى موسم الحصاد من الحنطة والشعير وأصبحت مادة الحنطة مادة ممنوعة من الظهور فأكلنا ما بقي في مخازن وزارة التجارة من حبوب ممزوجة بالأتربة وفضلات حب الشمس وغيرها والتي تعتبر غير صالحه للاستهلاك البشري ..
وفي موسم الحصاد أصبح اغلب ابناء العوائل المتعففة تذهب خلف الحاصدات الزراعية وهي تحمل اكياس تجمع بها ما يجود به الفلاحين من حبوب الحنطة …
كنت في تلك الفترة اعمل في القطاع الخاص وبالتحديد في تجارة المواد الغذائية وعشت الحالة تفصيليا. ورأيت الفقر والعوز في عيون اغلب أبناء الشعب…
في تلك الفترة قررت الدولة افتتاح ساحة فلفيل للتبادل التجاري على طريق دهوك ..نينوى. وفي بداية افتتاحها كنت انا وأحد الأصدقاء نجلس عند مدير المجمع الحكومي المذكور واثناء تبادل الحديث سألني الاستاذ المدير وهو موظف بدرجة مدير عام وتم تعيينه من قبل الحكومة المركزية في العاصمة بغداد. ماذا نكتب شعار لساحة التبادل فاقترحت أن يكتب الآية الكريمة

(( وتلك الأيام نداولها بين الناس))

وبالفعل تم أخذ الاقتراح وكنت كلما اذهب لغرفة اي موظف في هذا المجمع اقرأ هذه الآية الكريمة…
لقد تداولنا تلك الأيام الخوالي في الحصار المفروض على العراق ..وتداولنا بعدها ايام الاحتلال الأمريكي للعراق وكل ما حدث من قتل بين صفوف الشعب العراقي. ومازالت تلك الأيام نداولها بين الناس ..ومازال الناس تكتب عن ايام الماضي ومازال الماضي اطيب من الحاضر عند اغلب الناس رغم مرارته…
فمتى يكتب لهذا الشعب الراحة ونتداول ايام الخير والأمان أيام الرفاهية للمواطن الذي أنهكه الحصار والحروب ..أيام أن نسافر بحرية ونأكل ما نريد ونشتهي من خيرات الله التي وهبها لهذا الشعب وننام بدون قلق على مستقبل أبناءنا وبناتنا …
وكلنا يعرف ان الله خالق لنا اجمل ما نريد ..وعسى أن نتداول الايام التي نريدها قريبا .أن شاء الله..

أحدث المقالات