18 ديسمبر، 2024 9:16 م

النبي محمد والتهيئة الذهنية لخروج المهدي

النبي محمد والتهيئة الذهنية لخروج المهدي

الإعداد والتهيئة الذهنية برنامج روحي، يستخدم فيه عدة صور من التشويق والإثارة، قبل الدخول بالتغذية الفكرية، التي عادة ما تكون ذات ابعاد مبتكرة وغير مقبولة في الواقع الجديد.
يمكن توضيح ذلك بمثالين حول التهيئة الذهنية، مثال المعلم مع طلابه، قبل دخوله المادة المطلوب إيصالها للتلاميذ، يشاركهم بالكلمات اللطيفة، ويستحضر معهم مشاهد من هنا وهناك كمقدمات، تهيئ الذهن لدخول جو الفكرة, غير متفاجئين او خائفين من الحديث الذي سيجبرون على اخذه، وفي مثال آخر مشابه لما تقدم، عند الاستغراق في قراءة قصة او متابعة فلم، ترى أن المعد لذلك السيناريو يركب أحداثاً, ويربط أخرى ويقدم ويؤخر عدة لقطات مختلفة، قبل أن يقحمك في حصاده الثقافي، والهدف اجبارك قبول نتائج الواقعة مهما كانت مخالفة لأفكارك وتوجهاتك.
جدير بالذكر أن أول من استخدم فكرة “التهيئة الذهنية” هو الرسول القائد, سيد البشرية والسباق لإنقاذها من وهم الافكار، النبي محمد صلى الله عليه واله، , كيف لا؟ وهو الذي بعثه الله في الأميين رسولا, وكان ذلك عبر مجموعة مراحل وسلسلة دورات من الإعدادات التربية والتهيئة الفكرية والروحية والنفسية للمجتمع الرسالي، مستخدماً عدة عوامل فيها, مع شبكات طرق متنوعة للنهوض بالتجمعات الإسلامية، وصولاً للهدف من الرسالة الإسلامية والغاية من مبعثها، وهي المخطط الرباني لقيام دولة العدل الالهي التي تملأ الارض قسطا وعدلا.
إذ أن النبي محمد صلى الله عليه واله، كان يسعى جاهداً لإدخال الأمة في جو الإسلام من خلال وليه علي عليه السلام، ويٌعدهم لقبوله من بعده، والتسليم لخلافته وإمرته، فتجده صلوات الله وسلامه عليه، قد تعامل معهم وروضهم رويداً رويدا, يعطيهم جرعاً تصاعدية بسيطة في فهم علي وموقعه وقربه بالنسبة له، وكان هذه الدورة من الجمهور المتقدم والطليعة الأولى من المسلمين، نستطيع تسميتها “المرحلة الابتدائية” في الإسلام، وكان صلى الله عليه واله فيهم معلماً قد بدأ تدريسه لتلاميذه فكرياً وعملياً ونفسياً، وذلك بإعطائهم الأمثلة الحياتية فيهم, كأنه يخلف عليا بعده في مكة لهجرته الى المدينة، وأخرى يخبرهم إنه منه بمنزلة هارون من موسى، وفي الختام يبلغهم إنه من كان مولاه فعلي مولاه.
إلا أن ذلك الإعداد الذهني الذي مارسه النبي، في مكة والمدينة لأكثر من 11 عاماً فشل، بسبب انقلاب الأمة وعودتها لمرحلة الجاهلية وما قبل الابتدائية الإسلامية، قال تعالى (أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكماً) الآية 50 من سورة المائدة، حيث كانوا يبغون حكم الطاغوت، قال تعالى (يريدون ان يتحاكموا إلى الطاغوت وقد امروا ان يكفروا به) الآية 60 من سورة النساء.
إن النبي صلى الله عليه واله، كان يعلم أن الأمة لم تكن منساقة إليه بصورة كاملة، وأن الغالبية العظمى من شعبه هم من الأعراب الذين دخلوا في دين الله افواجاً جهلاً بالدين الحق، وما زال الإسلام لعق على السنتهم، ولم يبلغ الإيمان محله، حيث خرجوا افواجاً ايضاً ضد وصية النبي صلى الله عليه واله, ولكنه كان يجاري الجميع ويسايرهم لاحتواء بعضهم وتحييد اخرين, وللحفاظ على الوجود العام للأمة الإسلامية، وصولا ليوم الغدير ليسلم راية الدعوة الإسلامية لعليٍ, حتى يكمل به الدين وتتم النعمة بعده، وينقل الاسلام للعالم, لكن الاخفاق وعدم نجاح المهمة، تسبب تأجيل الهدف إلى مرحلة الائمة من اولاد الحسين عليهم السلام، ويمكن تسميتها بالمرحلة المتوسطة.
المرحلة المتوسطة من التهيئة الذهنية هي مرحلة الائمة عليهم السلام, انتهاءً بالغيبة الصغرى, حيث كان عصر المعصومين هذا, هو ادخال المجتمعات في الدورات القيادية للإعداد السياسي والثقافي والفكري, بعيداً عن العسكرة التي خلت في تلك الازمنة من العقيدة, وبنهايتها بدأ دور المرجعية الدينية في الغيبة الكبرى, ويمكن تصنيف هذه المدة الزمانية المتقدمة من الوعي الذهني كالأدوار في الدراسات الاكاديمية “بالمرحلة الجامعية” حيث يكون التطور الفكري في اوج عظمته, وتكون قابلية البشر في اعلى مستويات القبول والتهيئة الذهنية للفكر, وهي مرحلة الظهور الشريف, حيث تمارس المرجعية الدينية مع المجتمعات بكل ما قام به النبي الاكرم والائمة المعصومين مع رعاياهم.
ختاماً نقول ان المخطط التهيئة الذهنية للامة قد رسمه رسول الله صلى الله عليه واله, لينقل البشرية بخطوات متتالية للإمام القائم عليه السلام, وكان بمرحلته الابتدائية “النبوة” ثم المتوسطة “الامامة الظاهرة” ثم الامامة الغائبة “المرجعية الدينية” وهي اخر مراحل الاعداد الذهني.