24 نوفمبر، 2024 9:52 م
Search
Close this search box.

أشد أنواع الإرهاب

أشد أنواع الإرهاب

بدأ الارهاب هنا في وادي الرافدين ، من خلال إرهاب الدولة لسائر الأنظمة الحديثة التي حكمتنا ، لكن الإرهاب الذي مارسه علينا “المجتمع الدولي” من خلال جريمة الحصار ، والذي دام إثنا عشر عاما ، لا يُضاهى ، لأنه إنتزع من أيدينا رغيف الخبز والدواء ، الحصار الذي أظهر أن “الإكتفاء الذاتي” خرافة رغم تَغنّي أنظمتنا به ، ويبدو أنه كان تمهيدا لمخطط طويل الأمد ، لغرض “تهيئة” الوعي الجمعي لإشاعة ثقافة اللامبالاة والعبثية لإضعافنا وتشتيتنا وبالتالي ترويضنا ، بل لإشاعة روح الإنتقام اللاواعي من كل مؤسسات الدولة بإعتبارها الراعي الرسمي لكل مآسي الناس ، فتغيرت أخلاق الناس بسبب الفقر المدقع والفاقة والأزمات الصحية وغياب الدواء والغذاء ، وفقد أكثر من مليون طفل حياتهم ، وتفشّت الجريمة وسائر الأمراض الإجتماعية ، إنها جريمة أبشع من جريمة هيروشيما ، بل أبشع أنواع الإرهاب ، لكن بطلته هذه المرة ، أمريكا ، راعية المجتمع الدولي ، مثلما هي راعية كافة أشكال الأرهاب ، ومنه الإرهاب الإسلاموي ! ، أما مسوّغ الحصار ، فهو عذر أقبح من ذنب ، هو للضغط الشعبي لإزالة صدام حسين ، وهم يعرفون جيدا ، أن لا شيء بيد الشعب المغلوب لتغيير هذه الطغمة ، بل أن الحصار تحوّل بيد صدام إلى سلاح للأستقواء على الشعب .   

ولا يزال الإرهاب متوطنا ، ولكن ثمة إرهاب من نوع ثانٍ ، هو أشد من القتل ، إنه إرهاب الجفاف وتغيّر المناخ والتلوّث ، إرهاب يسبب إنقراض بلد بأكمله في فترة قياسية ! ، والمفارقة أن لدينا وزارات مستحدثة بعد “التحرير” ، مثل وزارة الموارد المائية ووزارة البيئة ، وزارات ذات صوت خافت أو خرساء تماما ، أزاء ما يتعرض له البلد من دمار تام ! .

كان ينبغي للسيد رئيس الوزراء ، أن يغتنم الفرصة التاريخية ، بوقوفه أمام ميكروفون “الأمم المتحدة” ، وأن كنت لا أثق بهذا “الإتحاد” المنهمك أصلا بشرعنة (الحصارات والمثلية) ، هذا الإتحاد الذي لا يستطيع إخفاء عنصريته ومعاييره المزدوجة ، كان عليه أن يملأ المكان صخبا وبلهجة شديدة أمام باقي الدول ، بإلقاء اللوم على تركيا وإيران ، وأن يحرجهما على الأقل ، (وإن كانتا لا تعرفان الحرج) ، من أن العراق بلد مهدد بالزوال بسبب الجفاف ، وإنتقاد سياسة العجرفة والتعالي والإبتزاز التي تمارسها تلكما الدولتين ، فهذه تبني السدود الفائضة عن الحاجة ، وتلك تغيّر مسار الأنهار التي خلقها الله عليها ، فأي خطر أكبر من أن يعتري الزوال  بلد بأكمله ؟! ، بدلا من الإسفاف بكلام بروتوكولي لا ينفع ، على عكس سياسة مصر الفعالة تجاه مخاطر سد النهضة ، إنها حرب المياه التي تهدد دولا بأكملها بالزوال ، والقاسم المشترك بين النيل ودجلة والفرات معروف ، هو الكيان الصهيوني الذي طالما إدّعى بأحقيته في مياه هذه الأنهار ! ، ويشجع على بناء السدود ، ويوفّر كافة أشكال الدعم للدول التي تقيم السدود ، من توفير الإستثمار وخبراء مياه وتكنولوجيا ، متبعين سياسة (إما أغرقك ، أو أميتك عطشا) ! ، تلك الدول التي ترفع شعار ، النفط مقابل الماء ! .

في رأيي ، ان حتى البروتوكولات الدبلوماسية لها حدود معينة علينا ان نقف عندها بل علينا نزع الإعتراف بها ، خصوصا إن كانت بعيدة عن التعامل الإنساني خصوصا عندما تستخدم تلك البروتوكولات لشرعنة جرائم الإبادة الجماعية ، كجريمة الحصار ، وغزو العراق وتكبيله بقرارات أممية كنتيجة لرعونة الحقبة الدكتاتورية ، قرارات ما أنزل الله بها من سلطان ، من ترسيم للحدود ، والتعويضات الفلكية التي دمرت الإقتصاد ، ودعم الإنفصال الذي بات نواة سرطانية لنسف وحدة البلد !، وعلى المستوى الدولي ، فأسوأ مثال ، علاقة اليابان بأمريكا كتابع ذليل في كل شيء ، آخرها ما يخص الحرب الروسية –الأوكرانية ،وكلمة رئيس الوزراء الياباني العجيبة بذكرى جريمة الإبادة التي مارستها أمريكا بإلقاءها قنبلتين نوويتين على هيروشيما وناغازاكي اليابانيتين ، فقد حض روسيا على الحد من ترسانتها النووية ، ولم يلقِ باللوم على أمريكا راعية الجريمة الكبرى ! ، لقد إرتكبت أمريكا هذه الجريمة في نهاية الحرب العالمية الثانية تحت مسوّغ كريه ، هو لغرض إستسلام اليابان ، رغم أن اليابان كانت مستعدة أصلا للإستسلام ، وهذا ثابت تاريخيا ، لكن الغرض الحقيقي ، هو لإخافة الروس كقوة صاعدة ! .

إن كان ثمة دولة تستحق التعويضات فهو العراق ، تعويضات لن تكون كافية حتى لو إستنزفت كل خزائن أمريكا وخزائن الدول التي تدور في فلكها ، بسبب الحصار المجرم ، بسبب أكاذيبها لتسوغ غزو وتدمير البلد ، والأكثر من هذا ، أنها سلّطت علينا من لا يرحمنا ، وإلى الله المشتكى .

أحدث المقالات

أحدث المقالات