22 سبتمبر، 2024 12:25 م
Search
Close this search box.

فيلم “مليون جنيه”.. الفقر راحة بال والمال يصيب بالكوارث

فيلم “مليون جنيه”.. الفقر راحة بال والمال يصيب بالكوارث

خاص: كتبت- سماح عادل

فيلم “مليون جنيه”فيلم مصري بالأبيض والأسود، صدر في عام 1953، يحكي عن أن الأموال هي مصدر الشرور، وأنها تجعل الناس ينقلبون ويتغيرون، وأنها تودي بهم إلى مصائر كارثية.

الحكاية..

يبدأ الفيلم بالفكهاني الذي ينادي علي بضاعته، وينتظر من زوجته أن تحضر له الطعام الشهي وهو يشعر بسعادة وهناء، ونرى الفتاة الفقيرة التي ترتدي ملابس ممزقة مليئة بالرقع وبحذاء بال وهي تحاول جلب لقمة العيش لنفسها، فتحاول مساعدة الفكهاني في ترتيب بضاعته طالبة منه قطعتين من الموز، لكن زوجته توبخها وترفض إعطائها شيئا، ويطردها الفكهاني. ثم تتعرض من التوبيخ من صاحبة المنزل السيدة “عائشة أبو الخير” التي تطالبها بإيجار المنزل المتأخر عليها، وتعطيها جواب طرد من المنزل وتطردها أيضا بعد أن تعنفها. ثم تحاول الفتاة الفقيرة المشردة مساعدة أحد الأغنياء وزوجته وتطلب منهما نقود لتأكل، لكن زوجة الغني تنهرها وتتهمها أنها تحاول سرقة أسورتها.

حيلة..

تذهب الفتاة “فلافل” وترمي بقشرة “الموز” في الشارع لكي يتعثر فيها احدهم وتهم بمساعدته ليعطيها قروش قليلة لتأكل، لكن يتعارك معها “الفونس”، رجل متشرد آخر يحمل قفصا صغيرا فيه فأر وينادي علي الناس أن يلعبوا معه لعبة البخت، ويقول لها “الفونس” أنه هو من رمي بقشرة الموز وأن هذه هي حيلته للحصول علي المال، ويضربهما الرجل المتعثر دون إعطائهما أي نقود. فيتفق “الفونسو” و”فلافل” أن يعملا سويا، وبالفعل يقوما بحيلتهما ويتعثر بعض الأفراد ويعطونهما بعض النقود.

وفي أحد المرات يتعثر شاب وسيم يدعي “حسن”، تنجذب إليه “فلافل” من أول نظرة، وتعامله بلطف شديد وتحاول مساعدته، ولا تقبل منه أية نقود أمام دهشة “الفونس”. بل تطلب له عربية كارو وتطلب من “الفونس” إحضار قطن وشاش له، وتذهب معه إلي المنزل وتحاول معالجة قدمه بالماء الدافئ، وهي تسأله إذا كان متزوجا، فيقول لها أن لديه خطيبة يحبها.

ورث..

في نفس الوقت يستدعي أحد المحامين الأشخاص “عائشة أم الخير” والفكهاني والرجل الغني ليقول لهم أنهم ورثوا مليون جنيه بعد أن عثر عمال بناء في بيت قديم على كنز تركه المملوك زمرد آغا جدهم، وأن هناك وصي عليهم هو الذي من حقه قبول الوصية بمجملها أو رفضها.

ثم وأثناء تجول “الفونس وفلافل” المعتاد في الشارع لجلب أية نقود ليأكلا بها، يتعثران في لص فيعطيهما اللص جنيها ويجري، وتفرح “فلافل” بالمبلغ الكبير الذي حصلت عليه، وتذهب مع “الفونسو” إلى مطعم وتطلب كفتة، وتأكل وتغني، وعند دفع الحساب يكتشف صاحب المطعم أنه جنيه مزور ويطلب لهما الشرطة، وتذهب “فلافل” إلي الشرطة مع “الفونس”.

وحين تظهر الأوراق التي معها يكتشف البوليس أن اسمها الحقيقي “بلابل أبو الفضل” وأنها الفتاة التي يبحث عنها المحامي، والتي ورثت مليون جنيه، وتندهش “بلابل” وتفاجئ بما حدث لها، ثم يأتي أقربائها الثلاث ليتعرفوا عليها وينافقونها بكل الكلمات الجميلة، بعد أن عنفوها في السابق بسبب فقرها وتشردها، ويعرض كل واحد منهم أن يستضيفها عنده في منزله لكنها ترفض.

مصلحة اجتماعية..

وتدور بعد ذلك “فلافل”علي أقربائها في أماكنهم لتعرف منهم ماذا سيفعلون بالنقود، لأنها هي التي من حقها القبول أو الرفض. يخبرها الفكهاني أنه سيغلق مكان عمله وسيطلق زوجته البلدي، وأنه سيشتري قصرا وسيتزوج العديد من النساء، وسيعيش حياة الرفاهية محققا أحلامه التي كان يتمناها.

والسيدة “عائشة” تخبرها أنها ستتجه إلي سباق الخيل لكي تزيد من المبلغ الذي سترثه أضعاف، وتحذرها “فلاف” من أنها خسرت في السابق بيتين لها بسبب هوسها الشديد بسباق الخيل، لكنها تؤكد لها أنها ستربح وستنشئ إسطبل خيل.

بينما الرجل الغني تذهب “فلافل” إلي قصره ويتصادف أنه يقيم حفلة لأصدقائه، تنتظر “فلافل” في الخارج قليلا فتسمع عبارات السب التي يكيلها أصدقاء الغني وأصدقاء زوجته، ثم تدخل بعد أن تسمع سخرية الغني وزوجته منها ومن ملابسها المهترئة. وتكشف للغني وزوجته نفاق أصدقاءه، ويطرد الغني الأصدقاء الذين أشبعوها سخرية، ثم تسأل الغني عن إنفاق النقود التي سيرثها، فيخبرها أنه سيضارب في البورصة وسيحاول أن يحتكرها ويفقر الكثيرين.

رفض الميراث..

فتقرر “فلافل” ألا تقبل الوصية لأن أقاربها سينفقون الأموال في أغراض سيئة، ويهددها الغني بأنه سيقتلها لو فعلت ذلك. لكنها تصر علي قرارها. وتذهب إلي “حسن” لتطمئن علي قدمه المصابة فتجد خطيبته عنده، وتكتشف أنها من أحد أقاربها الذين سيرثون أيضا، وهي تعمل مضيفة وتعد خطيبها “حسن” بأنها ستمول مشاريعه الهندسية العظيمة، وأنها ستستغل أموالها لصالح عمله ليعشيا في سعادة. فتشعر “فلافل” بالتراجع لأن “وفاء” خطيبة “حسن” ستنفق النقود لصالح الخير وأنها ستقبل الوصية.

رؤية النقود..

ويذهب الجميع إلي المحامي وتوافق “فلافل”علي الوصية، ويقبض كل فرد من أقاربها الأربعة 200 ألف جنيه، ويذهب كل إلى هدفه الذي حدده، و”وفاء” حين تمسك بالشيك عقلها يطير وتترك “حسن” وتجري لجمع الجواهر والفساتين. وتغير “فلافل” الفستان المهتريء وتتغير هيئتها لهيئة فتاة غنية، لكنها تصر علي الاحتفاظ بالفستان القديم الذي يذكرها بأيام الفقر الجميلة.

وبالفعل يطلق الفكهاني زوجته ويتزوج بأربعة من النساء، ويحضر الكثير من الخدم في قصر اشتراه، وتذهب “فلافل” لحضور حفل زفافه لتجد زوجته وقد أكلها الغضب حيث يمنعها الحارث من الدخول، فتساعد “فلافل” الزوجة علي الدخول للحفل، وتقوم الزوجة بضرب زوجها الفكهاني الذي يضربها بزجاجة، ويقبض عليه بتهمة الشروع في قتل زوجته وينتهي مصيره إلي السجن.

و”عائشة” تقوم بالاشتراك في سباقات الخيل، لكنها تخسر أموالا كثيرة، لكن عندما تكسب، ولأول مرة في حياتها، يحدث لها خلل عقلي وتودع في مستشفي الأمراض العقلية، لتنتهي بمصير مأساوي هي الأخرى.

و”وفاء” تنبهر بالنقود وتجلب خياطة ومدرب رقص وكوافيرة، لكي تتدرب علي أن تصبح من الفتيات في الطبقة الراقية، وتنسى تماما أمر “حسن” الذي يحاول مقابلتها، وفي النهاية تتركه يرحل غير مهتمة، لتنخرط في حفلات اللهو والشراب.

والرجل الغني يظل يأمر معاونيه بالشراء، وحين تطلب منه زوجته أن يشتري لها مجوهرات وملابس فاخرة كما وعدها، يصرخ فيها بأنه لن يشتر شيئا، ويسمعه معاونوه علي الهاتف فيلغون الأمر بالشراء، ويخسر نقوده في البورصة ويصبح مفلسا ومهددا بالسجن، تشاهد “فلافل” كل تلك المصائر البائسة التي انتهت إليها حياة أقرباءها.

حب..

وتذهب “فلافل” ل”حسن” الذي تعرض عليه حبها لكنه يرفض لأنها أغني منه، وتحزن ثم تفكر في أن تتبرع بأموالها جميعا إلي جمعية خيرية تدير بعض المصانع والمؤسسات التي تخدم الناس، وتشترط أن يتم تشغيل “حسن” كمهندس. ثم تعود لترتدي ملابسها الممزقة والمهترئة وهي سعيدة، ليأتي لها “حسن” ويعلن لها توظيفه في أحد المؤسسات ويطلب منها الزواج. وينته الفيلم علي ذلك.

الأموال شر..

الإخراج جيد، اعتمد علي كل تلك العوامل التي تجذب المشاهدين، الغناء والرقص الذين أجادتهما الفنانة “نعيمة عاكف” و”شكوكو”، وأيضا علي الأماكن الفاخرة من قصور وفلل وباقي الأماكن كانت ديكور، كما اعتمد علي قدر كبير من الكوميديا بممثلين الكوميديا الذي حواهم الفيلم، وأيضا علي قصة حب وهي قصة حب “فلافل” ل”حسن”.

أما علي مستوى أفكار الفيلم فكان مباشرا ورمزيا، مباشرا في رفض الأموال واعتبارها مصدر الشرور، وهذه الفكرة تحاول السينما المصرية ترسيخها دوما في وعي الجماهير منذ بدايتها، وهي أن الأموال مصدر الشر وأن الأغنياء ليسوا سعداء كما يعتقد الناس، أو أنهم فاسدين يسعون إلي الملذات والأمور غير الأخلاقية.

لكن هذه المرة فكرة أن المال شر والفقر خير لم تأت من قبل الطبقة الرأسمالية التي تمول الأفلام، وتحاول نشر تلك الفكرة لكي تخدر وعي الجماهير الفقراء، وتصرف نظرهم عن الأغنياء وأموالهم في محاولة لتهدئة الفقراء وجعلهم يرضون بأحوالهم المعيشية البائسة ويعتبرونها مصدر فخر لهم.

المبادئ الجديدة..

الفيلم صدر في 1953 أي بعد إحداث يوليو 1952 بعام واحد، حيث أن المجتمع معبأ بكل تلك الأفكار التي نشرتها ثورة يوليو “الاتحاد والنظام والعمل”، حتى أن المهندس “حسن” كان يدندن بتلك الشعارات في أثناء عمله، فلذا يمكن القول أن الأفكار في الفيلم موجهة لمساندة الحركة الوليدة التي تسعي لتغيير المجتمع، وتنشر مبادئ وأفكار جديدة تقوم علي اتحاد الشعب ومراعاة النظام والاهتمام بالعمل كقيمة، لذا فان رفض الأموال التي تأتي من مصادر أخرى، وأيضا الإعلاء من شأن العمل الذي يتعب فيه الإنسان ويشقى والإعلاء من قيمة الصناعة والبناء كل هذا أمر حسن.

لكن أيضا هناك أفكار مبالغ فيها داخل الفيلم، مثل أن الأموال تغير النفوس وتحول الناس إلي أشرار، وتجعلهم يبحثون فقط عن الملذات وتحقيق أحلامهم ورغباتهم الفردية والشخصية فقط، وأن الأموال إذا جرت في أيدي الناس فإنهم سيفسدون وستصيبهم الكوارث، وستتحول أهدافهم وأحلامهم النبيلة إلي رغبات شخصية أنانية.

لذا كان الحل في وجهة نظر الفيلم وضع الأموال لدي مؤسسة تقوم هي بعمل المشروعات للناس الفقراء ومساعدتهم، وربما كان هذا رمزا عن الدولة الكبيرة الناشئة الجديدة التي لا بد وأن تمتلك هي الأموال للقيام بمشاريع تفيد الجميع وتخدمهم، بدل من أن يكون هناك أغنياء فاحشي الثراء وفقراء يرتدون ملابس بالية.

فتاة فقيرة واعية..

كما أن شخصية “فلافل”، تلك الفتاة التي تربت في الشارع بعد موت أمها وعاشت طوال حياتها تقوم بالحيل أو تحاول مساعدة الناس فقط لتحصل علي طعام، ليس من المنطقي أن تكون عاقلة وواعية كل هذا الوعي، وداخلها الخير والحكمة لتقرر أين الخير وأين الشر، بل وتكون هي التي تحكم علي باقي الناس الذين أفسدتهم الأموال.

يمكن القول أن الفيلم كان موجها للتأثير في أفكار وتوجهات الجماهير، ولترسيخ الأفكار والمبادئ الجديدة، ولنشر فكرة أن الملكية الخاصة ليست خيرا وإنما ملكية الدولة هي الأفضل والأفيد للجميع، وأن الفقر ليس عيبا بل راحة بال وأمان ومنقذ من كوارث ومصائب الأموال.

الفيلم..

فيلم مصري أُنتج 7 ديسمبر عام 1953، القصة والسيناريو “حسين فوزي”، والحوار “أبو السعود الإبياري”، التمثيل “نعيمة عاكف، شكري سرحان، محمود المليجي، سميرة أحمد، محمود شكوكو، زينات صدقي، زوزو شكيب، عبد الفتاح القصري، وداد حمدي، عزيزة حلمي، حسن البارودي، منير الفنجري، لطفي الحكيم، سعاد أحمد”.

أغاني الفيلم تأليف “صالح جودت، وعبد العزيز سلام، وعبد الفتاح مصطفى”، ومن تلحين “أحمد صدقي، وأحمد صبرة، وعزت الجاهلي، وفيلمون وهبي”.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة