أجمعت جميع التحاليل الاستراتيجية العالمية ، الى ان رياح نتائج قمة العشرين التي عقدت في الهند مؤخرا لم تأتي بما لا تشتهي المخططات الامريكية والغربية ، خصوصا وان روسيا وشركاؤها نجحت بحسب وزارة الخارجية الروسية من “منع محاولات الغرب من أوكرنة القمة ” ، وانه تم التأكيد على كثرة النزاعات المسلحة في الكوكب والدعوة لتسويتها عن طريق الحوار والجهود الدبلوماسية على أساس أهداف ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة ، وأن روسيا التي ترأس وفدها رجل السياسة ” المحنك ” وزير الخارجية سيرغي لافروف ، أكدت خلال القمة نيتها أن تواصل ضمان توريدات الأغذية والأسمدة وموارد الطاقة، وزيادة التعاون الاقتصادي مع الشركاء من دول الأغلبية في العالم، وخصوصا من المجموعة الاقتصادية الأوراسية و”بريكس” ومنظمة شنغهاي للتعاون و”آسيان“.
وبالطبع مثل هذه التطورات أخرجت أوكرانيا عن طورها ، وبدأت بكيل سيلا من الإهانات لبعض الدول الكبرى والعديد من المنظمات الدولية الرئيسية ، فقد اعتبر ميخائيل بودولياك مستشار رئيس مكتب الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي، الأمم المتحدة ، بأن الأمم المتحدة في الواقع منظمة غائبة تماما، وهي عبارة عن مكتب لجماعات الضغط (لوبي) لكسب المال من أجل شيخوخة جيدة للأشخاص الذين يشغلون مناصب إدارية هناك ، وان الأمم المتحدة والوكالة الدولية للطاقة الذرية والصليب الأحمر ومنظمة العفو الدولية ، كلها “منظمات وهمية تلوث وعينا بتقييمات تافهة كالقمامة“.
وفي حديث مع مجلة “الطبعة الجديدة” الأوكرانية، أشار بودولياك إلى أن الهند والصين تتمتعان بإمكانات ذهنية ضعيفة، لأن هاتين الدولتين، على حد تعبيره، “لا تقومان بتحليل عواقب خطواتها” ، وقال: “ما هي مشكلة الهند والصين؟ مشكلة مثل هذه الدول هي أنها لا تحلل العواقب المترتبة على خطواتها ، وللأسف إمكانياتها الفكرية متدنية جدا ، فهذه الدول اليوم تجني الأموال من هذه الحرب، وتجني الأموال بشكل فعال ، تماما مثل الجمهورية التركية، وهذا من حيث المبدأ -مصالح وطنية ، ولهذه العبارة وقع جميل – وقال “ونحن نلتزم باحتياجات مصالحنا الوطنية” ، مع الإشارة إلى أن هذه الدول تستثمر بشكل فعال في العلوم ، فالهند، على سبيل المثال، “تمشي بالفعل على سطح القمر، ولكن هذا لا يعني أن هذا البلد يفهم بالضبط ما هو العالم الحديث” .
وهذه ليست المرة الأولى التي يدلي فيها مسؤولون أوكرانيون بتصريحات فاضحة ووقحة ، ففي أكتوبر 2022، أقال فلاديمير زيلينسكي سفير أوكرانيا لدى كازاخستان بيوتر فروبلفسكي، الذي أدلى ببيان حول ضرورة قتل الروس ، وتمت إقالة أندريه ميلنيك من منصب سفير أوكرانيا في برلين ، بسبب تصريحاته اللاذعة غير المحتشمة، ففي الربيع الماضي قام بتشبيه المستشار الألماني أولاف شولتس بـ”المرتديلا السيئة”، وفي أكتوبر، شتم إيلون ماسك ردا على خطته المقترحة للسلام بين روسيا وأوكرانيا.
كما اتهم زيلينسكي، الأمم المتحدة بعدم الرغبة في الضغط على روسيا ، والاشارة لى أن الدول الأعضاء في المنظمة تهتم بالعلاقات الاقتصادية أكثر من اهتمامها بـ”القيم” ، وقال “العالم متحد في الأمم المتحدة، لكنه غير متحد في بعض القرارات المتعلقة بممارسة المزيد من الضغوط القوية على روسيا” ، وانتقد أيضا دول الاتحاد الأوروبي التي يُزعم أنها تساعد روسيا على التحايل على العقوبات من أجل “حل قضاياها الاقتصادية” أو الطاقة الرخيصة ، ودعا الرئيس الاوكراني ، الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، إلى عدم جعل المنظمة العالمية كبش فداء للوضع في أوكرانيا.
تصريحات المسئولين الأوكران وزيلينسكي بعد انتهاء قمة مجموعة العشرين، بحسب تعبير صحيفة “ريبيليون” بأن الرئيس الأوكراني ، يدرك أنه سيفقد جميع حلفائه قريبا ، وان أوكرانيا بدأت تعترف بالعزلة المتزايدة ، على خلفية الدعوات لبدء المفاوضات ووقف العمليات العسكرية التي ليس للقوات الأوكرانية أي فرصة للنجاح فيها ، ومن هنا جاءت هستيريا زيلينسكي، الذي في غضون أيام قليلة سجل على حائط الأعداء البابا والصين والآن جميع دول مجموعة العشرين وبولندا وهنغاريا والتشيك وبلغاريا ، كما لم يذكر البيان الختامي لقمة مجموعة العشرين دعم أوكرانيا، كما كانت الحال في وثيقة العام الماضي ، وأن هذا تسبب في رد فعل غاضب من نظام كييف. ، بالإضافة الى ان “الناتو” ، ولم يعد قادرا على الاستمرار في مساعدة الجيش الأوكراني الضعيف بالمال والمستشارين والمرتزقة والأسلحة ، واعتبر رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأمريكي، مايكل ماكول، أن البيان الختامي لقمة مجموعة العشرين كان بمثابة صفعة على وجه الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي.
وقد يكون الهجوم المضاد قد بدأ من ألمانيا ، التي صرحت وزيرة خارجيتها أنالينا بيربوك، في تعليقها حول احتمال انضمام كييف للاتحاد الأوروبي ، بأن الاتحاد لا يستطيع تخفيف معايير قبول المرشحين ولن تكون هناك تسهيلات بشأن ذلك ، وكذلك تعليقها حول احتمالات انضمام أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي بالقول ، انه مع التوسع، وبغض النظر عن مدى أهميته من وجهة نظر جيوسياسية، يجب ألا تكون هناك تسهيلات عندما يتعلق الأمر بسيادة القانون والديمقراطية وحقوق الإنسان ، وأعلان وزير الدفاع الألماني بوريس بيستوريوس أن بلاده لن تزود أوكرانيا بصواريخ “تاوروس” المجنحة البعيدة المدى “تلقائيا” ، و أفادت صحيفة “دي تسايت” بسبب ما وصفته بسلوك وزير الخارجية الأوكراني، دميتري كوليبا ” الوقح ” ، مع نظيرته الألمانية، أنالينا بيربوك، التي أعلنت رفض برلين إرسال صواريخTaurus بعيدة المدى إلى أوكرانيا ، وقال كوليبا: “ستفعلون ذلك على كل حال.. لا أفهم لماذا نضيع الوقت“.
وبالنسبة لبولندا ، فقد وصل الهجوم البولندي المضاد الى مرحلة تصريح رئيس الوزراء البولندي ، بان بلاده لن تقوم بعد بتزويد أوكرانيا بالسلاح ، في حين أكد الرئيس البولندي، أندجيه دودا، أنه لا يمكن أن يكون هناك أي حديث حول انضمام أوكرانيا إلى حلف “الناتو” في الوقت الحالي ، ولم يختلف الحال بما صرح به الرئيس الليتواني غيتاناس ناوسيدا، بأن رؤية ناخبي الدول المانحة فضائح فساد خطيرة بأوكرانيا تمثل “ضربة قاصمة” لسمعتها ، مؤكدا في الوقت نفسه أن مظاهر الفساد بين ممثلي السلطات الأوكرانية “لها تأثير سلبي على توريد الأسلحة، وتقديم المساعدات الأخرى إلى كييف“.
وفي الوقت الذي تحاول المفوضية الاوربية التستر على الخلاف الكبير بين عدد من دول الاتحاد ( بولندا وهنغاريا وسلوفاكيا وبلغاريا ورومانيا ) وغير من الدول على خلفية الحبوب الأوكرانية التي باتت تغزو اسواقهم ، واضرت بشكل كبير في الأوضاع الاجتماعية لشعوبهم ، ورغم الإعلان عن حظر استيراد القمح والشعير وبذور اللفت وعباد الشمس والذرة من أوكرانيا إلى هذه البلدان في الفترة من 15 مارس إلى 15 سبتمبر 2023، لم تلتزم السلطات الأوروبية والأوكرانية والوطنية بذلك، كما يتضح من الإحصائيات المرفقة بهذه الرسالة المفتوح، واقر وزير الزراعة البولندي روبرت تيلوش، إن سلطات بلاده أقرت قرارا يحظر دخول الحبوب من أوكرانيا إلى بولندا بعد 15 سبتمبر، ، ومن جانبه أعلن وزير الزراعة الهنغاري إستيفان ناجي بعد مفاوضات في بوخارست مع نظيره الروماني فلورين باربو، أن الدولتين ستمددان حتى نهاية العام الحظر المفروض على واردات الحبوب من أوكرانيا، وذلك بغض النظر عن القرار الذي اتخذته المفوضية الأوروبية بشأن هذه القضية.
وفي المقابل هدد الرئيس الاوكراني فلاديمير زيلينسكي هذه الدول ، بالعقوبات ” الحضارية ” دون ان يكشف عن فحوى هذه العقوبات ، وأنه سيلجأ للتحكيم وللمؤسسات والمنظمات الدولية، إذا تطلب ذلك “النضال من أجل أوكرانيا ومن أجل أوروبا المشتركة”، رغم عدم وجود الرغبة في ذلك لديه ، وخاطب زيلينسكي “بشكل منفصل” المفوضية الأوروبية، قائلا إن “أساس أوروبا” هو المنافسة الحرة و”الوفاء بالوعود” ، ووفقا له، لا يعيق نظام كييف المنافسة، لكنه لن “يتقبل بهدوء انتهاك هذه الوعود”، بما في ذلك اتفاقية الشراكة بين أوكرانيا والاتحاد الأوروبي ، الامر الذي اعتبرته بعض الدول الاوربية ، بانه تصرف ” سخيف ” من الرئيس الاوكراني ، بالإضافة الى اعلان كوريا الجنوبية انها لم تسلم أوكرانيا أي أسلحة عسكرية .
وفي الداخل الاوكراني، أظهر استطلاع أجرته مؤسسة المبادرات الديمقراطية الأوكرانية “إيلك كوتشيريف” ، أن ما يقرب من 80% من الأوكرانيين يعتبرون رئيس أوكرانيا فلاديمير زيلينسكي، مسؤولا عن الفساد في البلاد ، وقالت المؤسسة، “في أوائل يوليو 2023، يعتبر 78% من المشاركين أن رئيس أوكرانيا مسؤول بشكل مباشر عن الفساد في الحكومة والإدارات العسكرية ، ورفض ذلك 18% فقط من المشاركين على هذا البيان“.
الرحلة الأخيرة للرئيس ” المهرج ” زيلينسكي ، الى الولايات المتحدة الامريكية ، للقاء الرئيس الأمريكي جو بايدن ، وحضور اجتماعات الأمم المتحدة ، كانت خير دليل عن الاستياء العالمي من أوكرانيا ورئيسها ، فعند كلمته في الأمم المتحدة خرج الكثير من الرؤساء وممثلين الدول ، في إشارة واضحة عن تغيير مواقفها تجاه الازمة الأوكرانية ، ما دفع الرئيس الأوكراني الى اتهام الدول الأوروبية التي لم ترفع الحظر عن استيراد المنتجات الزراعية الأوكرانية بأنها “تساعد روسيا” ، وقال “من المقلق أن نرى في الوقت ذاته أن بعض أصدقائنا في أوروبا يقوضون التضامن وينظمون مسرحية سياسية، ويجعلون من موضوع توريدات الحبوب فيلماً من أفلام الرعب” ، وقالت وكالة بلومبيرغ، إن رئيس نظام كييف فلاديمير زيلينسكي ، أصيب بنوبة غضب وهيستيريا خلال وجوده في فعاليات الجمعية العامة للأمم المتحدة.
ويرى المستشار الأمريكي الدولي إيرل راسموسن، إن زيارة فلاديمير زيلينسكي الأخيرة للولايات المتحدة ، كانت مخيبة للآمال بالنسبة له، وبدت خطاباته وكأنها ترتكز على واقع بديل ، وكذلك رفض رئيس مجلس النواب الأمريكي، كيفن مكارثي ، إعطاء رئيس أوكرانيا، فلاديمير زيلينسكي، فرصة إلقاء خطاب في جلسة مشتركة بالكونغرس بسبب انشغال المشرعين الأمريكيين ، وكانت بمثابة ” القشة التي قصمت ظهر زيلينسكي ” ، فقد كانت رحلة زيلينسكي هذه تفتقر إلى الأبهة وحسن الضيافة كما كان متوقعا ، ولم يتم تحقيق العديد من الأهداف خلال هذه الزيارة ، ومحاولة عزل روسيا في مجلس الأمن الدولي، والحصول على دعم دولي أكبر، وإلقاء كلمة أمام الكونغرس والحصول على منظومات صاروخية بعيدة المدى.
اليوم بدأ زيلينسكي شعور الخسارة يسري في بدنه ، وأن الوقت ليس في صفه ، وتبين أن الأسلحة الغربية الموعودة ، هي ليست تل الأسلحة المعجزة بأي حال من الأحوال ، تماماً كما لم تتحقق آمال الألمان في أن تتمكن صواريخ V-2 مثلا من قلب مجرى الحرب العالمية الثانية ، أو الباتريوت الامريكية ، والقيصر الفرنسي ، ولم تحدث معجزة – لا في ذلك الوقت ولا الآن ، وبالتالي يحتاج زيلينسكي على الأقل إلى طلب الأموال من الغرب ، ومن هنا الابتزاز.