23 ديسمبر، 2024 9:00 م

وقائع معركة أم الطنافس ……..!

وقائع معركة أم الطنافس ……..!

أمس استولت المعارضة السورية ( الجيش الحر ) على قرية السمرا الواقعة في ريف اللاذقية في منطقة الكسب الجبلية على جهة البحر بامتداد 3 كيلو متر ، وذلك من أجل تأمين خط إمداد بحري عبر تركيا .

قرية سمرا هو المكان الذي تم فيه تصوير المسلسل السوري الشهير ( ضيعة ضائعة ) وكان اسمها في المسلسل قرية ( أم الطنافس ) وبشخصيتين تمثيليتين أجادا تماما دورهما هما جودة خميس والذي مثله بإتقان الممثل السوري ( باسم ياخور ) والشخصية الثانية هو أسعد خرشوف وقد مثله الفنان المرحوم (  نضال سيجري ) وهناك شخصيات أخرى اشتهرت في المسلسل مثل رئيس المخفر أبو نادر الممثل ( جرجيس جبارة ) والمختار الممثل ( زهير رمضان ) وغيرهم. والمسلسل عرض لأول مرة عام 2008 من قناة أبو ظبي .

المسلسل كوميديا إنسانية مسيسة لأغراض تخدم هاجس النقد الديمقراطي في نيته الحسنة أو المقصودة في إظهار مجتمعه أم الطنافس كمجتمع الدولة الطاهرة الفطرية والخصبة والبكر والفنتازية . لهذا نال هذا العمل مشاهدة عالية وشهرة ربما تجاوزت في حميمية الناس إليها تلك المشاهدة التي نالها مسلسل سوري وشهير اسمه باب الحارة .فواحدة من حلقات هذا المسلسل تنبأت بما ستتعرض له هذه القرية من وقائع لحرب تأتيها من البحر عبر دولة مجاورة عندما يتهيأ جودة واسعد والمختار والخفراء وسائر أبناء أم الطنافس للدفاع عنها ويذهبون الى البحر ليكونوا يقظين ويتمترسون في زوارقهم في انتظار العدو المفترض فيما النساء انشغلن بتهيئة المتاع لأزواجهن في جبهة القتال.وما يحدث اليوم في ام الطنافس ( قرية سمرا ) يعيد الأحداث بشكل النبؤة الذي تحدثت عنه تلك الحلقة من ضيعة ضايعة ، ولكن هذه المرة في سجال اقتتال داخلي مميت بين أهل الأرض نفسها وأن كان احد الطرفين آت من دولة الجوار التي افترض اسعد وجودة أن العدوان يأتي منها وليس من مالطا البعيدة.

هذه الكوميديا المتشكلة من درامية وتراجيديا القدر السوري ترينا شكلا من الحزن المدمر لضياع وطن وحضارة وأحلام شامية وسواحيلية وجزراوية وحلبية وحمصية رسمت لذاكرة المكان خصوصية الجمال التي انشد له نزار قباني أروع مواويل الغرام وكتب عنه حنا مينا دهشة الرواية ، وتمسرح على خشبته غوار الطوشه بأداء المواطن البسيط الذي يبحث عن ذاكرته وأخبار بلده في البي بي سي ولا يبحثها في المحطات الإذاعية لوطنه.

أم الطنافس تعني معركة الوجود للنظام ، وتعني كسر حاجز الانكسار والخيبة بالنسبة للمعارضة بسبب خسارتها لجبهة القصير والقلمون ، ومن ضمن نشوة وضع القدم على الساحل السوري إن اغلب سكان مدن الساحل اللاذقية وطرطوس وبانياس هم من الطائفة العلوية أو أن اغلبهم يتمركزون هناك ومن ضمن السيناريوهات المفترضة في حال هزيمة الدولة والنظام أن يتم الانسحاب الى منطقة الساحل وتأسيس الدولة العلوية التي حتما ستنفصل عن سوريا لنضيف الى تجزئتنا قطرا جديدا أولدته العولمة والربيع العربي بعدما أولد الانتداب والمستعمر الانكليزي والفرنسي كل هذه الأقطار المتحدة في الجلوس على كراسي القمم العربية ولكن بقلوب مختلفة.فأتذكر أم الطنافس ، وأتخيل كيف تضيع ضياعنا في هوس تلك الإشكالية المزعجة ، إشكالية الحاكم والثائر ، ولكن برؤى تختلف تماما عن أحلام الثورات التي ألفناها في كتب اليسار وسيكار جيفارا ولحية هوشي منه ، الآن بعض الثورات ترتدي فلسفة التكفير وفتوى الذبح والتفخيخ والقتل على الهوية ، فيكون الحاكم القاسي أهون لأنه يوفر الأمان لأطفالك كي يذهبوا بسلام الى المدرسة وأن لا يهجر هذا العدد الهائل عندما تقول الأمم المتحدة إن نازحي سوريا بين الداخل والخارج وصلوا الى 9 ملايين وهو ربما أعلى عدد للنزوح والهجرة في التاريخ عربي الحديث.وتلك الإشكالية حتى تحل ونوقف نزيف الدم في ضيعتنا الضائعة والتي كنا بسببها نتسمر أمام شاشات التلفاز ينبغي أن نأخذها الى حل سياسي يضمن لكل الأطراف ما يحلمون أن حققوه شرط أن تتوفر للشعب السوري الحياة التي يحلم أن يعيش فيها من دون رعب المخابرات والأمن السياسي والتكفيري الأفغاني والمعارض الذي يلتجأ الى الغريب ضد أخيه.وأتمنى أن يجعلوا من أم الطنافس مكان لقاء وليس مكان ضياع ، فأنا أدرك تماما إن المعركة الحالية في الساحل هي معركة مؤقتة لان المعارضة لا يمكن أن تصمد في مكان تعتبره الدولة وجودها ومن بعض مسببات بقاءها ودعمها . وهكذا ستدفع المعارضة الثمن الكبير لان الشريط الساحلي الذي حصلت عليه ليس به موانئ يوصل لها التعزيزات الثقيلة وستكون مكشوفة للمزيد من غارات السوخوي والميك والبراميل المتفجرة.

ضيعة ضايعة …متى تجد نفسها ، لتعود نهارات أم الطنافس تضحكنا في جزءها الثالث ..!