23 ديسمبر، 2024 9:57 م

المسرح العراقي والعودة الى التألق

المسرح العراقي والعودة الى التألق

ارتبط الدين بالمسرح منذ القدم ارتباطاً وثيقاً، فلا نجد معبداً إلا وقد خصص جزءاً منه لممارسة الطقوس والعبادات، فضلا عن وجود مهرجانات سنوية تمارس فيها فعاليات مسرحية غايتها التقرب من الآلهة وحلول البركة على الارض، كما يظن شعوب تلك المرحلة الزمنية. إذاً، العلاقة بين المسرح والدين كانت قدسية فيها يختلط الخوف والاحترام وطلب الشفاء والنماء الى من هو قادرعلى تحقيق مثل هذه الامنيات.
بعد المرحلة الوثنية عند الحضارات القديمة جاء  الاسلام الذي حاول تهيذب بعض العادات والتقاليد التي تتعارض مع مبادئه مع بقاء بعض الرواسب القديمة التي تمارس بشكل عفوي عند بعض الشعوب. ربما تكون الفترة الاسلامية شهدت ضعفا للمسرح الديني مع وجود بعض الحالات التي يمكن ان نصنفها على الاعمال المسرحية كخيال الظل. قد يكون العرب اكثر من غيرهم ابتعادا عن المسرح في  العصر الاسلامي ذلك لان الشعر والخطابة كانا هما المعين الاول لامة تحتاج الى الى من يشحن هممها ويمجد بطولاتها بشكل مباشر، فضلا على ان المسرح عمل مشترك والعربي – الاسلامي سواء شاعرا او خطيبا لايريد ان يشاركه الاخرون في الحظوة والجائزة. وتعد ملحمة الطف سنة 61 هجرية هي من الهبت المسرح الديني من جديد وجعلته يتحول الى مسرح جماهيري يحاكي نبضات الشعب. ولعل مراسم العزاء العاشورائية الاولى هي بواكير المتقدمة في عودة المسرح الديني الى الساحة وكلما تقدم الزمن اضيفت الى هذا المسرح (سنكغرافيا) اصبح جزءا من الموروث العاشورائي. يعد المسرح الحسيني هو البداية الحقيقية في عودة المسرح العربي وان سبقته محاولات عند الحضارات العراقية والفرعونية القديمة، ولكن بعد انتشار الاسلام  يمكن ان نقول ان المسرح الحسيني (التشابيه) هو الذي حاول احياء هذا الموروث القديم بطريقة دينية  مختلفة عن ذي قبل. حيث تدور العلاقة  القديمة على اساس الاخذ والعطاء والرب والمربوب. اما المسرح الحسيني فانه نقطة تحول في مشاركة الجماهير في عملية صنع الاحداث مع المحافظة على قدسية النص الروائي الذي تسوده حالة من القدسية في رسم صور الشخصيات الحسينية مع معاكسة هذا الاتجاه عند الطرف المضاد. هذه الصورة تشابه الى حد ما موضوعات المأساة عند اليونانيين القدماء.
مع مرور الوقت عاش النص حالة القداسة الذي لايستطيع الكاتب الخروج عنه، ما جعل كل المحاولات متشابهة من حيث المضمون، حتى ولدت نوعا من التكرار الحكائي. ربما معرفة المتلقي باحداث مسبقة جعلت بعض الكتاب على عدم خوض غمار هذا الموضوع. في حين حاول البعض الخروج عن النص بطريقة ما، ولكن هذا الخروج كان بسيطا متواضعا كما عند عبدالرحمن الشرقاوي في (الحسين ثائرا وشهيدا)، وعبد الرزاق عبد الواحد في (الحر الرياحي). قد تكون هاتان المسرحيتان من اكثر المسرحيات الدينية التي حاولت الخروج عن النص ولكنهما غرقا فيه من جديد.
الخروج عن النص التاريخي ذو مسحة دينية يحتاج نوعا من جرأة الطرح وعدم الدخول في الجزئيات. المسرح  الديني رغم عمره الطويل ولكنه ما زال يكرر نفس في كل عام  (التشابيه) ربما يكون وراء هذا التكرار الرغبة العاطفية عند المتلقي الذي هو الاخر قد ألف هذا النوع بمرور الزمن. هذا النوع من المسرح يحاكي طائفة معينة او شريحة من الناس ولكنه في نفس الوقت قد يكون قاصرا  على اعطاء الصورة الواضحة التي يفهمها الجميع دون في الدخول التفاصيل الجزئية عندها يتحول المسرح الديني الى مسرح يملك القدرة على النمو ومحاكاة الاخرين بلا فواصل ومقدمات قد تكون عصية على فهم البعض. الغاية التي تبرر الخروج عن النص هو ايصال رسالة ذات سمة عالمية  يستطيع  المتلقي التعامل معها في انحاء المعمورة.