المجتمع المتحضر لا يبنى على العنصرية والمزاجية كما يحدث في العالم العربي بصورة عامة وفي العراق بصورة خاصة فأحداث الربيع العربي أو ما يسمى بالديمقراطية المصطنعة ابرزت مفاتنها بسرعة البرق بحيث يصعب على العقل استيعابها ، السؤال الذي يطرح نفسه هنا : هل أن الديمقراطية التي نعيشها في العراق تشبه الديمقراطية التي أوجدها الراحل نيلسون مانديلا رئيس جنوب أفريقيا واحلاله للسلام والوئام والمحبة بين مكونات شعبه بعد عقود من الاقتتال الطائفي والتمييز العنصري ؟ ان تغريسه لمبادئ الديمقراطية ظهر جلياً بعد وفاته من خلال الحضور الهائل لتشيعه من قبل زعماء ورؤساء وملوك وممثلين من جميع أرجاء المعمورة ووفاء الشعب الجنوب الافريقي له في عدم تصديقه للرواية الاسرائيلية بأن نيلسون مانديلا كان عميلاً اسرائيلياً ..
المتمعن في قضية قتل الاعلامي والاستاذ الجامعي الدكتور محمد بديوي الشمري يضع نفسه في دوامة ! ويطرح العديد من التساؤلات هل للموضوع عوامل خارجية أو جهة معينة لأجل غرض ما ؟ أو ان هذا القتل كان مخططاً له مسبقاً ؟ اذا كان الجواب نعم فتلك مصيبة ولكن ما هو الدافع لقتله بوضح النهار وعلى مرأى من الناس وبأسلوب وضيع ؟ وأما أذا كان القتل عشوائياً لمجرد مشادة كلامية حدثت بين الطرفين فالمصيبة أعظم ؟ ولكن ما هو تفسير الكدمات الموجودة على جسم الشهيد ( الدكتور) هل هي بسبب الضرب والشتم من قبل جنود هذا الضابط الذي يمثل فوج النظام الرئاسي ؟ أليس من المفروض ان يتمتع منتسبوه بالحكمة والاخلاق الحميدة وحسن التعامل مع الناس على اعتبار انهم يمثلون النظام الحاكم وهم القدوة الحسنة ام العكس هو الصحيح ؟..
مهما كانت الدوافع لهذا الموضوع الذي يندى له الجبين فأنها تعطي دليلاً على ترسخ وتعشش اساليب النظام المقبور في روح هذا الضابط (القاتل) واستهتاره بكل القيم والاعراف وعدم احترامه لعلم ومكانه الشهيد (الدكتور) وهذا ما يذكرني بحادثة مشابهة لها وقعت في زمن النظام السابق في جامعة الموصل لأحد أستاذة كبار العلم فيها( الدكتور حسين امين – رئيس قسم الترجمة في كلية الآداب والحاصل على ماجستير من أحدى الجامعات الامريكية وشهادة دكتوراه من احد الجامعات البريطانية ومن العشرة الأوائل على دفعته ) عندما فرض نظام صدام المقبور تدريب جيش القدس على طلاب الجامعات آنذاك فقد طلب احد نواب العرفاء من هذا الدكتور الجليل إفراغ الطلاب للتدريب العسكري فرد عليه قائلاً – بعد إكمال المحاضرة أن شاء الله –ولكن رد نائب العريف كان بازدراء وبعبارات نابية لا تمت للأخلاق بصلة لا من قريب ولا من بعيد ” محاضرتك اهم لو التدريب العسكري ومن هوجنابك الكريم حتى تمنع الطلاب من التدريب ” إضافة الى أسلوبهم التقليدي في ارعاب الشخص واتهامه بأنه لا يحب وطنه ولا يمتثل لأوامر القيادة العليا.
لم ينطق الدكتور الجليل بأية كلمة بل بقي صامتاً لأن مستواه العلمي والاخلاقي لا يسمح لهبالرد على هذا الجاهل الذي لا يعرف الاحترام والتقدير لأي شخص بل تنفيذ الأوامر العسكرية فقط على العميان ولكن الطامة الكبرى كانت بفقدان هذا الصرح العلمي بعد أصابته بجلطة دماغية ورقوده في المستشفى لثلاثة أيام نتيجة للمعاناة التي لاقاها من هذا العريف الجاهل .
نتمنى من رئيس الوزراء بأشرافه المباشر على الموضوع ورفعه لجثة الدكتور تنفيذ حكم الاعدام بالقاتل لكي يكون عبرة لمن اعتبر وعدم تكرار مثل هذه الحالات في المستقبل كما ونتمنى من احزاب وكيانات الدولة العراقية الجديدة – الكف عن التناحراتوالمهاترات السياسية التي عكست نتائجها على الشارع العراقي – والعلماء الاجلاء ومنظمات المجتمع المدني والناشطون في مجال حقوق الانسان وكل من يملك الغيرة العراقية الاصيلة العمل على تعميق وترسيخ روح الاخوة والمحبة بين الأطيافوالشرائح العراقية المختلفة.