كان الدرس بليغاً للعراقيين وموجعاً لقّن فيها رجل الكابوي مجتمعنا دروساً لا يمحوها التاريخ عندما جلب لنا كلمات كان باطنها العذاب وظاهرها الرحمة، الخلاص، الديمقراطية، الحرية، الرخاء مع تعزيز هذه الكلمات بلعبة التوازنات والمكونات والقوميات تحت خطاب طائفي مقرف، كل ذلك التغيير كان تحت عباءة إملاءات الإحتلال.
كلمات أطلقها الرئيس الأمريكي السابق جورج دبليو بوش من على حاملة طائرات كانت البداية في تغيير وجه العراق.
ماذا سوف يكتب التاريخ عن تلك الحقبة التي تحوّل بها العراق إلى أشلاء ممزقة..ولا زال؟ يكفي أن نقول إن أمواله التي سُرقت تكفي لبناء دول الجوار مجتمعة، وفساد أصبح يُزكم الإنوف، وشعب مقسم إلى شعوب تعيش في بلد واحد.
نتحدث عن الحرية التي جلبتها دبابات الإحتلال حين أصبح القتل الطائفي شهية مفتوحة تُمارس في شوارع بغداد.
ماذا يمكن أن نقوله عن خلاص العراقيين عندما شاهدوا بلدهم يحكمه حيتان الفساد واللصوصية ليستولوا على مقدراته وثرواته ويحولوه إلى جحيم لا يُطاق جعل من العراق بيئة غير صالحة للعيش.
هل كانت الديمقراطية واقع حال يتم تداوله في أدبيات سلطة الإسلام السياسي التي تحكم اليوم؟ بالتأكيد سيكون الجواب بالنفي القاطع.
لقد كان الثمن الذي دفعه العراقيين باهضاً كلفهم أرواحاً بريئة وسنوات كئيبة.
ونعترف أن الأمريكان نجحوا في قذف العراق في متاهات المجهول، حرب الثمان سنوات التي أكلت الأخضر واليابس وبعدها حصار دام (١٢ عاماً) حطم شخصية المواطن من خلال نشر الفقر والجوع وبيع ممتلكات منزله من أجل أن تستمر ديمومة حياته، وأطفال خُدّج كانوا يموتون يومياً ويُشيعون في شوارع بغداد بسبب إنقطاع الكهرباء عن حواضنهم، ليأتي بعد ذلك إحتلال مؤلم يهدم ما تبقى من شيء إسمه العراق.
سؤال ربما ضاع في متاهات الفوضى وتقادم الزمن كان الجميع يُردده لكنه غائب الآن عن الذاكرة وهو هل تحققت نبوءة جيمس بيكر حين قال “سنُعيد العراق إلى عصور ما قبل الثورة الصناعية”؟.
تمعّنوا جيداً في واقع العراق وسيكفيكم منه النظر إلى شوارعه ومصانعه وشعبه.
إحتفالية كبيرة كان الشعب شاهداً على فقراتها بدأت بمن تم تنصيبهم حكاماً إفترسوا الأخضر مع اليابس وجعلوا العراق بيئة خصبة للفساد والنهب.
بعد أكثر من عشرين عاماً هل ما زال أي عراقي يتذكر كلمات بيكر، ينكر حجم الخراب والدمار الذي أحدثه بوش وفريقه للعراق؟ هل يستطيع أي متفيقه أن يثبت نظرية أن من جاء بهم البرغماتي الأمريكي إلى السلطة هم من بُناة الدولة والمؤسسات؟.
أي إعتراف يمكن أن يسجله التاريخ لبوش وفريقه في أفعالهم للعراق، وهل كان إعتراف توني بلير رئيس وزراء بريطانيا الأسبق بالخطأ في إحتلال العراق يكفي لتبرير الأفعال والجرائم؟.
لقد أعادوا العراق إلى ما قبل الثورة الصناعية بل وحتى إلى عصور الكهوف، لا أدري لماذا تذكرت مقولة بيكر وأنا أرى العراق يسير إلى الهاوية وإلى قعور الضياع…فهل صدقت نبوءة بيكر؟.