خاص: قراءة- سماح عادل
رواية “حياة نينا هيل المولعة بالكتب” للكاتب الأمريكي “آبي واكسمان” هي رواية رومانسية تعتمد علي قدر كبير من الخيال، والشغف بالكتب والقراءة، تحكي حكاية فتاة انطوائية لكنها تستطيع العيش بطريقتها الخاصة.
الشخصيات..
“نينا هيل”: البطلة، تعاني من نسبة توتر عالية، ومن الخوف من الناس، ومن شخصية انطوائية، كما تعاني من فقدان لحنان الأم والأب، حيث والدتها مصورة تجوب بلدان العالم، بينما هي لم تخرج من ولاية لوس انجلوس، تركتها منذ أن كانت طفلة صغيرة، ووالدها تعرفه بعد أن تجاوزت منتصف العشرينات، وعرفته بعد أن رحل، لكن مع ذلك تتحسن حياتها.
“توم”: رفيق “نينا”، الذي يحاول التعرف عليها لكن الرواية لا تقدم عنه الكثير.
“ليزا”: صاحبة المكتبة التي تعمل فيها “نينا”، تبدو أنها سيدة هادئة ومتميزة، تتحمل مسؤولية مكتبة بمفردها وترهن منزلها لأجل دفع إيجار المكتبة حين تتعثر حركة الشراء بسبب التطور التكنولوجي الهائل.
والد “نينا”: تكتشف “نينا” بعد موته أنه والدها، حيث أصرت أمها علي إخفاء اسم أبيها عنها ولم تقل لها أبدا من هو أبيها، لكن حين تكتشف “نينا” يكون والدها قد مات. لكنها تعرف أن كل الأمور التي كانت تزعجها وتدهشها في شخصيتها ما هي إلا أمور وراثية ورثتها عن أبيها وتشاركت فيها مع إخوان وأبناء إخوان.
وهناك شخصيات أخرى داخل الرواية.
الراوي..
راو عليم، يحكي عن “نينا” بشكل أساسي، فهي بطلة الرواية الوحيدة، ويحكي كل شيء بخصوصها، ما تفكر فيه وما تفعله وعلاقتها بالشخصيات الأخرى، وهناك جمل كثيرة تصور أفكار “نينا” الخيالية حين تتعامل مع من حولها وتصوراتها الخيالة في كل المواقف.
السرد..
الرواية تقع في حوالي 370 صفحة من القطع المتوسط، تعتمد علي نسبة كبيرة من الفكاهة والمرح في تصوير شخصية “نينا”، وكيف أنها غريبة بمقاييس المجتمع الذي تعيش فيه، وكيف تتحايل علي غرابتها تلك لتعيش حياة هادئة دون أي إزعاج.
الوحدة مع التوتر..
عانت “نينا” منذ أن كانت طفلة من الوحدة، لأنها تربت في أسرة ليست بها أب أو أم، فقط مربية عجوز تعاملت معها بحنو وكانت بمثابة أم بديلة لها، وحين تخرجت “نينا” من الجامعة تركتها تلك المربية لكي ترعي أحفادها وتعيش وسط أولادها.
لذا فهي فعليا قد تربت وحيدة، علاوة علي ذلك فهي تعاني من التوتر الشديد ومن الخوف من التعامل مع الناس، تميل إلى الهروب من معاملة الناس، فتحب الوحدة وقراءة الكثير من الكتب، وتنظيم أيامها وفق خطة محكمة تحاول ألا تتخلى عنها أو تعدل فيها أو تتجاوزها.
واستطاعت “نينا” أن تتجاوز مرحلة الطفولة والمراهقة وعاشت إلى أن وصلت إلى ما بعد منتصف العشرينات، تعيش وحيدة في شقتها، تهاتف والدتها الحقيقية بين وقت وآخر لتتابع أسفارها الكثيرة، وتبتعد عن فكرة وجود علاقة غرامية في حياتها.
تقضي “نينا” معظم أوقاتها في عملها في المكتبة التي تمتلكها “ليزا”، وتقوم بعمل نشاطات داخل المكتبة، نوادي كتب للأطفال وللكبار ومسابقات للمعلومات الهامشية، ولها مجموعة من الأصدقاء يشبهونها.
عائلة من العدم..
وسط إحساس “نينا” بالأمان في ظل حياة هادئة خططتها بنفسها تظهر لها عائلة، وتكتشف أن لها والد وهو محامي ثري تزوج عدة زيجات وله عدد من الأبناء والأحفاد، ترتعب “نينا” من ظهور عائلة بهذا الحجم. ثم تكتشف أنها عائلة صاخبة ولها تعقيدات كثيرة. يزيد ذلك من نسبة توترها وتظل محتارة كيف ستتعامل معهم.
لكن لحسن الحظ يتقرب منها ابن أخت لها ويكون لطيفا، ثم يتقرب منها أخيها الذي يكبرها، وتكتشف وجود تشابهات كثيرة بينها وبين أخيها وبين أفراد آخرين في العائلة، مما يشعرها بالألفة والأمان بالتدريج، حتى ابنه أختها التي كانت تصر علي التعامل معها بفجاجة استطاعت أن تتقرب إليها وأن تقبلها في النهاية عند ملاحظة تشابهات كثيرة بينهما.
الخوف من الحب..
كانت “نينا” تخاف من الاقتراب من الجنس الآخر، ورغم دخولها في علاقات قليلة إلا أنها لم تكن علاقات عميقة، وكانت دوما ما تشعر بالملل من الجنس الآخر وترغب في مغادرته لمنزلها أو أن تغادر هي، وحين ظهر “توم” كانت تتردد كثيرا، تشعر أنه جذاب ووسيم لكنها مع ذلك لا تحاول الاقتراب، وقد تعرفت عليه في إحدى المسابقات في المعلومات الهامشية، وقد حدثت أكثر من مصادفة كان “توم” موجود فيها إلا أن “نينا” تصرفت علي نحو أخرق ولم تعط فرصة لحدوث اقتراب بينهما.
حتى أنه هو قد ذهب إليها أكثر من مرة لكنها كانت تتعامل دوما بتوتر وخوف، ثم حدث الاقتراب بالفعل نتيجة رغبة “توم” في أن يقترب منها وإعجابه بها، ونتيجة إفراطها في الشراب وبالتالي تخلصها من توترها. وحينما حدث بينهما اللقاء كادت أن تفقده مرة أخرى حين أبعدته عن حياتها وقت أن حدثت لها أزمة في العمل، لكنها فيما بعد ذهبت واعتذرت له وعبرت له عن رغبتها في استئناف العلاقة بينهما، لأنها تشعر معه بالراحة والأمان.
إغلاق مكتبة..
ومن ضمن الأحداث التي مرت بها “نينا” تهديد المكتبة التي تعمل بها، والتي استمرت مفتوحة عقود من السنوات، بأن تغلق. وسبب هذا توترا شديدا ل”نينا” لأنها كانت تحب مكان عملها وتشعر أنه جزء من حياتها.
ورصدت الرواية رد فعل بعض الناس الذين كانوا يدافعون عن تلك المكتبة ويحاولون المحافظة علي بقاءها، رغم التطور التكنولوجي الذي سبب الكساد في سوق الكتب الورقية وكساد حركة البيع والشراء في المكتبة. وانتهي الآمر علي خير حين ورثت “نينا” مبلغا من المال استطاعت من خلاله أن تنقذ المكتبة وتكون شريكة فيها تدير عملا تحبه.
الوالد الميت..
كانت هناك لفتة طيبة حين ترك والد “نينا” لها سيارته التي يحبها كثيرا، في حين ترك الأموال لباقي إخوانها وأولادهم، لكنها حين ذهبت لاستلام سيارتها من أحد أصدقاء والدها اكتشفت وجود مظروفات بأسماء الأبناء والأحفاد، يقدم فيها الوالد اعتذاراته عن إهماله للأبناء وللأحفاد.
وكان خطاب “نينا” عاطفيا ومؤثرا عبر لها فيه عن حبه وعن اهتمامه بها رغم أنها لم تراه طوال حياتها، ولم تعرف ملامحه أو تسمع نبرات صوته، لكنه أخبرها في الخطاب أنه كان يتتبعها منذ أن كانت طفلة وحتى كبرت، إما بالذهاب إلى مدرستها أو بتتبعها علي الانترنت، وأنه كان يعرف أنها تشبهه.
وحكي لها أنه كان شخصا انطوائيا ووحيدا وكان يعاني من التوتر في وجود البشر، وأنه تحايل على ذلك بشرب الخمر حتى أصبح سكيرا، وأثر توتره وانطوائيته علي علاقته بأبناءه وأحفاده لكنه لم يكن يستطيع فعل أي شيء غير تقديم الاعتذار لهم.
تصالحت “نينا” مع ما فعله والدها أولا لأن أمها هي من أبعدته منذ البداية وأصرت علي ألا تكون هناك علاقة بينه وبين ابنتها، وثانيا لأنها اكتشفت أن كل ذلك التوتر والرعب والخوف من الناس كان يسري في دماءها مع جيناتها الوارثية التي أخذتها عن أبيها، وأن غرابتها التي كانت تشعر بها يشاركها فيها آخرون، وهم بعض من إفراد عائلتها ووالدها نفسه، وهذا أشعرها بأنها ليست وحدها من عانت وتعاني. كما أنها استطاعت أخيرا أن تجد عائلة وحبيب وتتحسن حياتها ومكان عمل تحبه وتبدع فيه.
الرواية تميل إلى الفكاهة بشكل كبير وتعتمد علي خفة دم الكاتب الذي كان يكتب بطريقة جديدة، حيث يصور ما تفكر فيه “نينا” ودوما ما تكون أفكار غريبة وغير مألوفة، كما كان الكاتب يعلق تعليقات كثيرة أثناء سرده للأحداث مما يشعر القارئ بالحيوية وبالممتعة.