المستشرقون هم الكتاب والباحثين الغربيين الذين يكتبون عن الفكر الإسلامي وعن الحضارة الإسلامية ويحاولون دراسة الشرق وثقافته بشتى تفرعاتها الدينية والإجتماعية والسياسية ونحوها فكان هناك مستشرقون تناولوا التاريخ السياسي الإسلامي ومنهم من تناول القضايا الإجتماعية بصورة خاصة وهناك من تناول التاريخ الإسلامي بصورة عامة أي هناك مستشرقين تناولوا الشرق وبالخصوص الإسلامي بكتاباتهم وبحوثهم بشكل عام ومنهم من تناول أمور جزئية وخاصة غير عامة.
والميزة والصفة التي يمتاز بها المستشرقون هي عدم الإنحياز لجهة أو لطائفة أو لدين أو قومية وإنما يكتبون ما يشاهدونه ويعيشونه ويلاحظونه وهذا بصورة عامة إلا في بعض الحالات الشاذة, فأصبحت كتابات وبحوث ومؤلفات المستشرقين مصدراً مهما في التاريخ الإسلامي خصوصاً بعدما كثرت الأطراف الإسلامي بحسب تعدد وكثرة المذاهب والطوائف الإسلامية فكان الكتاب الإسلاميون وبصورة غالبة ما يميلون لطائفتهم ومذهبهم وقوميتهم ويخضعون لسطوة وسلطة الحاكم والسلطان فيكتبون ما يملى عليهم أما بالإكراه أو بالإغراء المادي أو لتحييز, هذا من جهة ومن جهة أخرى إذا كان الكاتب الإسلامي وعلى سبيل المثال على مذهب التشيع فإن عامة الناس من غير مذهب لا يأخذون بما يكتبه لأنه على غير مذهبهم والعكس صحيح, وهذا ما نلاحظه في مؤلفات إبن تيمية حيث إذا ذكر رواية أو حديث مروي عن راوي أو محدث شيعي فإن إبن تيمية يقول بعدم الأخذ بما يقوله هذا الشيعي لتشيعه !!.
فكانت تلك الأسباب هي من أهم وأبرز العوامل التي جعلت من الباحثين المعاصرين أن يلجأوا إلى كتابات وبحوث المستشرقين لعدم تحيزهم الطائفي والمذهبي وعدم رضوخهم لسلطة الحاكم والسلطان وكما قلنا في أغلب الأحيان وليس بصورة عامة, فكانت كتابات المستشرقين تتمتع بنوع من الحيادية ونقل الحقيقة كما هي, فكتبوا بعيداً عن الطائفية والتمذهب, ومن يريد أن يتناول التاريخ الإسلامي والعربي والشرقي فعليه أن يبتعد عن تلك الأمور الطائفية من باب الإنصاف والوسطية والإعتدال كما نوه على ذلك المرجع الديني السيد الصرخي الحسني في المحاضرة الثانية والعشرون من بحث ( وقفات مع توحيد التيمية الجسمي الأسطوري) حيث قال:
{{… في نبذة موجزة عن أسد الدين شيركوه، وكان الكلام في موردين، وقلنا: هذا أسد الدين هو عم صلاح الدين الأيوبي، وهو الذي صار وزيرًا في المملكة والخلافة والسلطنة والسلطان الفاطمي، وأيضًا لا ننسى الشيء بالشيء يذكر، بالرغم من سلبيات وظلم وقبائح وفساد ما كان يحصل في الحكومة أو السلطة أو الدولة الفاطمية خاصة في النصف الثاني من قبل الوزراء؛ لأن السلطة كانت تدار من قبل الوزراء والوزارات والوزير، لكن مع هذا فإنّ الخليفة الفاطمي بالرغم من كل سلبياته فإنّه لم يرضَ أن تحتل البلاد الإسلامية من قبل الفرنج، فقبل أن يكون الحكم والسلطة والأمر والنهي بيد الزنكيين، وهذه نقطة تسجل لصالح الخليفة الفاطمي، ليس لأنّه شيعي، فلا علاقة لنا بهذا، وقلت لكم سابقًا: الكلام فيه نوع من الواقعية، وإن شاء الله نكون بواقعية تامّة لا علاقة لنا بالتمذهب والطائفة ولا حتّى بالدين، ما حصل في الواقع نتعامل معه ونوصل هذا الواقع إلى الآخرين وإن كان لنا رأي في قضيّة ما نطرح الرأي خلال البحث والكلام، وبدون تدليس، فكما يحصل في الجهة المقابلة وعندما تريد أن تقرأ عن الدولة الفاطمية والخلافة الفاطمية والحكومة الفاطمية وعن الفاطميين وعن ما يقارب الثلاثمائة سنة من التاريخ الإسلامي، أو التاريخ العربي لا تجد شيئًا أو إنصافًا في ما ذكره جلّ الكتاب أو كل الكتاب المسلمين, فتضطر الرجوع إلى ما كتبه المستشرقون، إذن البلاد الإسلامية في فترة من فترات الدولة الفاطمية من باب السياق العامّ والنهج العامّ والصفة العامّة، لكن توجد خروقات والكثير من الحكام الفاطميين كانوا أفسد من الفساد، وكانوا ألعن من الطائفية والمذهبية بما فعلوه من طائفية ومذهبية، لكن يوجد سلوك عامّ وصفة عامّة وقلنا: كلّ شيء ممكن وله شواذ ومخصصات ومقيدات، إذن ممّا يسجّل للدولة الفاطمية أنّها استطاعت أن تسيطر على بلاد المغرب وبلاد مصر وبلاد الشام وتسيطر على الساحل والبحر المتوسط ولم يتواجد فيه من الصليبيين والفرنج في زمن الدولة الفاطمية، وكانوا قد حققوا انتصارات كبيرة وتسجل لهم بما امتلكوه من أساطيل بحرية استطاعوا أن يهزموا الفرنج …}}.
فلعدم الإنصاف أو قلته وللتعنصر للطائفية والمذهبية والخضوع لسطوة الحاكم والسلطان ولكثرة وعاظ السلاطين وأصحاب الأقلام المأجورة وجدت الضرورة للإعتماد على كتابات وبحوث المستشرقين لإبتعادهم في الأعم الأغلب عن كل الأمور التي ذكرناها.
المحاضرة الثانية والعشرون “وَقَفات مع…. تَوْحيد التَيْمِيّة الجِسْمي الأسطوري”