20 سبتمبر، 2024 9:34 م
Search
Close this search box.

رواية “الغابة النرويجية”.. حب الحياة ينتصر على كآبة تحمل مسؤولياتها

رواية “الغابة النرويجية”.. حب الحياة ينتصر على كآبة تحمل مسؤولياتها

خاص: قراءة- سماح عادل

رواية “الغابة النرويجية” للكاتب الياباني “هاروكي موراكامي” رواية رقيقة، تحكي عن مشاعر إنسانية راقية، وعن تجارب حياتية حزينة لكنها عميقة.

الشخصيات..

“تورو واتانابي”: البطل، والراوي، هو رجل في الثلاثينات من عمره، يبدأ الرواية بتذكر فترة حياته وقت أن كان مراهقا في عمر السابعة عشر، وتمتد الرواية في تلك الفترة إلى نهايتها، حيث أن الوقت الحاضر اقتصر فقط علي بداية الرواية، ربما ليخبرنا الراوي أنه قد حدثت النجاة له من محنة الشخصيات الأخرى الذي لم يستطيعوا الفكاك منها.

كيزوكي: الصديق المقرب من البطل، وهو في عمر السابعة عشر، والذي يتفاجيء بانتحاره وموته، دون أن يبدي “كيزوكي” سببا منطقيا لذلك أو يترك خطاب ما ليفسر فيه ما فعل. موت “كيزوكي” يمثل ندبة في روح البطل الذي يشعر بالدوار، وبأنه غير متوازن، لكن اقترابه من صديقة “كيزوكي” الحميمة يخفف الأمر عنه قليلا.

كوناو: صديقه “كيزوكي” وفيما بعد ستصبح حبيبه البطل ومكمن عذابه، حيث سيقترب منها ببطء وهي أيضا إلى أن تتم عمر العشرين يعني حوالي عامين أو نحو ذلك، فهي أكبر من “واتانابي” بعام، وحين تتم العشرين من عمرها يقترب منها “واتانابي” في عيد مولدها ويحدث بينهما اتصال جنسي، لكن “كوناو” تنهار وتختفي دون أن يفهم “واتانابي” السبب لتبدأ معاناة “واتانابي” في قصته مع “كوناو”.

ميدوري: صديقه أخرى ل”واتانابي”، ورغم حياتها البائسة المليئة بالمعاناة والشقاء إلا أنها تمتلك شخصية جذابة وتمتلك صفات كثيرة مميزة وإرادة قوية على الاستمرار والاستمتاع بالحياة، مما جعلها قريبة من قلب “واتانابي”وسيحبها فيما بعد.

رايكو: سيده تعاني اضطرابات نفسية وهي صديقه ل “كوناو”، ولكنها في النهاية تتحرر من عزلتها وتقرر المضي في حياتها متعايشة مع مرضها النفسي والعقلي.

وهناك شخصيات أخرى قليلة.

الراوي..

الراوي هو”واتانابي” الذي يبدأ الحكي من النهاية، حيث وصل إلى سن السابعة والثلاثين وأصبح ناجحا في حياته حتى أنه ذهب إلى ألمانيا كما وعد صديق له في الجامعة. لكن مجمل الرواية تدور في فترة المراهقة الخاصة ب”واتانابي”، وتحكي عن الشخصيات الذين تفاعل معهم “واتانابي” وعاش معهم تلك الفترة الحرجة من حياته، يحكي عن نفسه بضمير المتكلم، وعن الشخصيات بضمير الغائب، يحكي فقط ما عاشه من أحداث مع الشخصيات ويترك لهم مساحة من الحرية في التعبير عن أنفسهم، من خلال جمل حوارية، كما سمح ل”كوناو” بأن تظهر أكثر من خلال رسائلها له، وكذلك “رايكو” وأيضا ترك الحرية ل”رايكو” في أن تحكي قصتها.

السرد..

الرواية طويلة، محكمة البناء تدور فقط في فترة المراهقة الخاصة ب “واتانابي” منذ أن كان عمره 17 عاما وحتى وصل إلى سن العشرين، وعلاقته بشخصيات قليلة في دائرته القريبة.

خطورة فترة المراهقة في اليابان..

لا نعلم كقراء هل تعبر الرواية بوضوح عن خطورة فترة المراهقة في حياة الإنسان، وكيف أنها فترة حرجة جدا لأنها فاصل بين مرحلتين مختلفتين تمام الاختلاف. الطفولة بما تحويه من براءة ومن اعتمادية أو علي الأدق لا مسؤولية تجاه الحياة، فترة هادئة يعيش فيها الإنسان اللعب والاكتشاف وتذوق الحياة، وبين فترة الشباب وبداية التخطيط لباقي الحياة، حيث يحدد الشخص ما ستكون عليه حياته فيما بعد، تخصصه العلمي ومهنته المتوقعة والملامح الأساسية لشكل حياته الذي سيظل باقي تلك الحياة. وتأتي مرحلة المراهقة لتمثل محنة وخطورة كبيرة لأنها تهيئ ذلك الطفل الذي لا يعرف شيئا عن أعباء الحياة ومسؤولياتها وعذاباتها وقسوتها، ليتنقل إلى بالغ راشد يتحمل المسؤوليات ويضع الخطط ويطور المهارات والإمكانيات وفق وضعه المادي والاجتماعي في المجتمع.

لكن كقارئة أشعر أن المجتمع الياباني مجتمع صارم يفرض شروطا أكثر قسوة وصرامة علي هؤلاء المراهقين لكي ينضجوا سريعا ويتحملوا مسؤولياتهم الكثيرة، فنجد ضغطا مضاعفا من مرحلة سنية انتقالية حرجة ومن مجتمع قاسي لا يرحم ويضع شروطا صارمة، ليس فقط على الفقراء ومن ينتمون للطبقات المتوسطة وإنما حتى على الأغنياء.

فيجد الطفل نفسه وقد دخل في دائرة تحمل المسؤوليات وربما بعيدا عن أهله، مثلما حدث مع “واتانابي” الذي أودعه أهله مجمعا طلابيا يعيش فيه في غرفة مزدوجة مع طالب آخر لكي ينهي فترة دراسته الجامعية، بعيدا عن أهله الذين يعيشون في مكان بعيد لكي يكون قريبا من جامعته.

وكذلك “كوناو” التي سمح لها أن تستأجر شقة بمفردها، ربما لأن أسرتها ميسورة الحالي أكثر من أسرة “واتانابي” ولأن الأهل يحددون قرارات أطفالهم بناء علي أفكارهم الخاصة.

لذا نجد أن أكثر من مراهق داخل الرواية قد اختار إنهاء حياته حين شعر بثقل الأعباء علي كاهله، فقد انتحر “كيزوكي” دون أن يعطي سببا أو يقدم اعتذارا لأحد، وانتحرت أخت “كوناو” رغم تفوقها الدراسي وأدائها المتميز والمنتظم دون أيضا أن توضح أسبابها وبشكل مفاجئ.

و”كوناو”، لكن انتحار “كوناو” لم يكن بسبب شعورها بأن الحياة القادمة صعبة عليها ولا تستطيع تحملها أو الاستمرار فيها، ولكن لأنها حزنت بسبب فقدانها لأختها الحبيبة والمقربة، وأيضا بسبب خسارتها لصديقها الحميم الذي تربت معه طفلة وعاش معها كل لحظات حياتها. ورغم انجذابها ل”واتانابي” واهتمامه بها ورغبته في أن يدخل معها في علاقة غرامية، إلا أنها فضلت الذهاب لأحبائها الأموات لأن نفسيتها أصبحت مضطربة ولم تعد تستطيع العيش في الحياة.

حب عذب..

تحكي القصة بعذوبة ورقة قصة حب”واتانابي” ل”كوناو” والتي كانت مجرد صديقة حميمة لصديقه المقرب، لكن بموته اقترب منها وأصبح بينهما طقوس خاصة في المشي طويلا والتجول في أماكن عدة. لكن “كوناو” لم تنس “كيزوكي” وظلت تعيش وهي تشعر بالذنب بسبب فقدانها لأحبائها، ورغم حدوث انجذاب نحو “واتانابي” إلا أنها قاومته بشدة، حيث اختارت حبها ل”كيزوكي” وقررت أن تنهي حياتها حتى أنها كانت قوية وقت ذهابها إلى الانتحار وتعرف ماذا تريد.

ويصور البطل الراوي كيف كان يشعر ب”كوناو” وكيف كانت تمثل له وكيف تعذب باختفائها وبعدها واضطرابها النفسي، واضطرارها إلى العلاج ثم العيش في مصحة نفسية لفترة طويلة، وتحمل كل ذلك علي أمل أن تكون في النهاية حبيبته. وزارها مرتين في تلك المصحة النفسية وداوم علي كتابة الرسائل لها، ورغم انجرافه في بعض الأوقات لنزوات صديقه الغني، وذهابه لممارسة الجنس مع فتيات لا يعرفهم لمرة واحدة، إلا انه تراجع عن ذلك ولم يحب أية فتاة أخرى فترة طويلة، حتى شعر بابتعاد “كوناو” الشديد وباقتراب “ميدوري”، ولكنه مع ذلك لم يحسم أمره تماما إلا بعد موت “كوناو” الذي أحزنه وهزه من الداخل.

المجمعات الطلابية..

حكي “واتانابي” تفاصيل عن المجمع الطلابي الذي كان يعيش فيه، وكيف كان صارما في قواعده وحكي عن أنماط من الطلاب، مثل الطالب الصارم في التزامه الذي كان يسكن معه في غرفته وهوسه بالنظافة وبالنظام واهتمامه الشديد بالتحصيل الدراسي، كما قم نماذج لطلاب ذكور آخرين حيث المجمع الطلابي مجمع للذكور، وكيف أن سمة غالبة على هؤلاء الذكور المراهقين الانشغال بالجنس الآخر وبممارسة العادة السرية بشكل مبالغ فيه.

كما أشار إلى وجود فئة من الطلاب الذين يعتبرون أنفسهم ثوريين، والذين ينتمون إلى تيارات سياسية ورصد “واتانابي”، من خلال احاديثه مع “ميدوري”، مشكلات هذه الفئة من الطلاب حيث يعانون من الذكورية الطافحة، ويعاملون الإناث بسلطوية عالية ويطلبون منهم أداء مهام يعتقدون أنها خلقت فقط للإناث، كما يبدون ضيقوا الأفق يلتزمون بالنصوص الثورية التزاما مقدسا، رغم صعوبة فهمها واستيعابها، ومن يشتكي من ذلك يعاملونه كأحمق رغم أن معظمهم لا يعترف بأنه لا يستوعب تلك النصوص الصعبة والتي تنتمي لمجتمعات أخرى.

تجاوز محنة المراهقة..

قدم “واتانابي” نموذج أخر لشخصية مضطربة نفسيا وعقليا لكنها ليست في مرحلة المراهقة وهي “رايكو”، امرأة في أواخر الثلاثينات، أصابها مرض عقلي أو اضطراب نفسي، لم يحدد الكاتب، وهي زميلة “كوناو” في المصحة النفسية، يهتم الكاتب بسرد قصتها وحكايتها، ونجد أنها قد تعايشت مع مرضها بل وتركت المصحة في النهاية لتعمل مع صديقة لها لكي تنتصر رغبة الحياة لديها علي الموت.

ومن جانبه قدم الكاتب نموذجا إيجابيا عكس شخصية “كوناو”، وهي شخصية “ميدوري” فهي فتاة عانت من محن كثيرة، مرض جدها وجدتها ثم مرض أمها ومرض أبيها، وكلها أمراض كثيرة تحتاج جهدا كبيرا للرعاية وتنتهي بالفقد والموت. لكنها رغم ذلك استطاعت أن تنجو بنفسها من الحزن واليأس والإحباط، وأكملت دراستها ووصلت إلى مرحلة الدراسة الجامعية إلى جانب أعباءها الكثيرة ورعايتها للمرضي ولمكتبة والدها برفقة أختها.

وهي تحافظ علي حيوية وحب للحياة وشغف واستمتاع لم نجده لدى “كوناو”، وقد انجذب “واتانابي” في النهاية إلى “ميدوري” وكأنه انجذب إلى حب الحياة والاستمتاع بها، وتحاوز محنة موت المقربين له، واستطاع أن ينجو من مرحلة المراهقة الخطيرة ووصل إلى تحقيق أحلامه.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة