اشربي نخب انتصارك.. ها أنا اليوم أجتر مرارة اختياري لك.. أقسمت بالله.. والله على الكل فضلني.. أقسمت بالوطن.. والوطن جزء لا يتجزأ مني.. أقسمت بالملك.. والملوك جميعها وجدت لتخدمني.. أقسمت أن تسهري الليالي.. عن سيادة البلاد لن تتنازلي.. وعدت بأن توفي.. والوعد دين على صاحبه.. وعدت بأن تسعدي قلبا خدعت.. فلم تسعدي.. أقسمت أن تسكبي دموعي.. وتحرقي قلبي.. بدون خجل فعلت.. أقسمت أن تطفئي شموعي.. وأن تبيعي آخر ركن في قصري.. بدون تردد فعلت.. وعدت بأن تحفظي العهد وتحمي.. لخيرات البلاد، بكل وقاحة نهبت.. بكل براعة للحقوق صادرت.. لذاكرة التاريخ.. يا أسفاه تنكرت.. في أعماق النذالة غطست.. خارج أدراج السعادة.. بي ألقيت.. ليس يؤلمني من وجع أصابني.. بل قلة حيلتي وكثرة دهائك سبب سقمي.. في الليلة الظلماء توسلت قدومي.. لبيت، ليتني للنداء لم ألب.. ما أشقاني باختياري.. ما أشقاك من بعدي.. في قاعة الانتظار فقدت أملي.. فقد اللقاء رونقه بعد طول انتظار.. اشربي كأس انهياري.. سأشرب مرارة اختياري.. لن أعيد الكرة ولن أبالي.. للفاتورة لن أدفع الثمن مرتين.. اشربي نخب انتصارك.. تعسفك وفسقك.. غلك وغدرك.. كفرك بوعدك.. بربك.. بشعارك.. وشعبك.. اشربي نخب انتصارك.. ها أنا اليوم فريسة بين يديك.. تلذذي بغضك وحقدك.. اخرجي آخر ورقة من جيبك.. القي بي كما تلقين بالنرد.. ما أنا سوى رقم خارج حساباتك.. اخرجي سيفك.. أطعني مواطنا مخلصا.. ابتلاه الله بك.. سألته ماذا جنيت يا ربي حتى؟.. قاطعني فجأة ثم قال.. “لا تشك حاكما بالأمس كنت ناصره.. كيفما يكون المحكوم يولي عليه الحاكم.. العبرة لمن اعتبر.. لكل شعب ما نوى واحتسب”..
اشربي نخب انتصارك.. اقطفي آخر وردة في حديقتك.. آخر بطل طعن في بيتك.. علميني كيف أتخلى عن إنسانيتي.. وأغوص في بحر تفاهتك.. اخبريني كيف يباع الشرف مقابل الرغيف.. كيف يموت المواطن على الرصيف.. كيف تباع الذمم بلا حسيب.. بلا رقيب.. أخبريني كيف نظر الرب إلى هابيل.. كيف أصبح قابيل قاتلا لأخيه.. مزقي أشلائي.. حتى ألفظ أنفاسي.. ما دام وجودي أصبح يزعجك.. احرميني من الهواء إن شئت.. ما دام كلامي لا يعجبك.. ما دام الجبن يسكنني.. والخوف يتملكني.. اخنقيني بيديك حد الموت.. واعتصريني.. حتى ينفصل الجسد عن الروح.. لأحزاني لا تبالي ولا تخجلي.. عن العودة لا تسألي.. احتقريني مادام اختياري وقع عليك.. استرسلي ما دامت الأرض لغيرك لم تلد..
اشربي نخب انتصارك.. فقد أهوى القناع عن وجهك.. جعلت المناصب عليكم تقتصر.. نحن قوم لحزبكم لا ننتسب.. أركنت المطالب على الرف.. كما تركنين الملايين في البنك.. اشربي النخب على جثتي.. بالغي في الشرب حد التخمة.. بالغي في النهب والنهم.. فالأيام بيننا يا حكومة الذل.. أخبريني كيف زرعت الأرض أحقادا.. وكيف أصبح الأنذال علينا أسيادا.. أخبريني كيف تغيب الشمس.. ويصبح الحق زهوقا.. حين يصبح ثمن الخبز غاليا.. والشعب رخيصا.. حين تصاب الحناجر بالخرس.. والخناجر بالصدأ.. وتصاب العقول بالخرف.. والمنطق بالذهول.. اعلمي أن الحكم في عهدك بات فاسدا.. والخراب أصبح وشيكا.. حين تولى الأمور لغير أهلها.. “لا تلمني يا عبدي ولا تلم الحكام على ذلك”.. خدعت بجمالك كل المرايا.. حتى وقف الشيطان أمامك منبهرا.. ما جدوى الشعر والنثر.. والهجاء في حقك لم يعد يشفي الغليل؟.. ما الجدوى أن تكون الرئيس أو الوزير.. وتكلف الدولة الشيء الكثير؟.. ما الجدوى أن تكون قائدا عظيما.. والحصيلة ضعيفة؟.. السلطة مستبدة.. والنخب عليلة؟.. الأفواه مكممة.. والكلفة ثقيلة؟.. يرفع الله من يشاء قدرا.. ويجعل من يشاء ذليلا.. اعبثي وارقصي.. تحت نغمات الدف.. اشربي وانهبي.. حد التخمة.. فالأيام بيننا يا حكومة الذل..