سؤال أميركي .. كيف يجب على “الولايات المتحدة” أن تتكيف مع النفوذ الصيني في الشرق الأوسط ؟ (1)

سؤال أميركي .. كيف يجب على “الولايات المتحدة” أن تتكيف مع النفوذ الصيني في الشرق الأوسط ؟ (1)

خاص : ترجمة – د. محمد بناية :

رأى الكثيرون في خبر اتفاق “السعودية” و”إيران”؛ بوسّاطة صينية، مؤشر على اقتحام “بكين” ساحة السلطة في الشرق الأوسط، ورُغم اعتراف إدارة “جو بايدن”؛ بأن هذه الاتفاقية مؤشر على انحسّار النفوذ الأميركي، لكن إجراءات “واشنطن” آنذاك أوحت بصورة مختلفة؛ بحسّب التقرير التحليلي الذي أعده: “جنیفر کافانا” و”فردریک فري”، المنشور على موقع “مؤسسة الدراسات المستقبلية في العالم الإسلامي”؛ نقلًا عن مؤسسة (بروكينغز) الأميركية.

وخلال الأشهر الأخيرة؛ وطنت “الولايات المتحدة” مصادر عسكرية كثيرة في هذه المنطقة، وكثفت من المناورات المشتركة في محيط “مضيق هرمز”، وأعلنت عزمها المُضي قدمًا في اتفاقيات التسّليح مع الشركاء الإقليميين مثل: “السعودية والإمارات”، وفي الوقت نفسه كثفت من برامجها التدريبية مع “مصر”، و”الكويت” وغيرها، والهدف الرئيس هو طمأنة شركاء “واشنطن” من العرب؛ بخصوص التزام “الولايات المتحدة” بأمن الشرق الأوسط.

إمكانية استعادة أميركا لنفوذها بالمنطقة..

مع هذا؛ من غير المسّتبعد أن تدعم مثل هذه الإجراءات النفوذ الأميركي في الشرق الأوسط. فلم يكن تحول القوة العربية باتجاه “بكين” سببه انحسار الوجود العسكري الأميركي؛ فالحكومات في هذه المنطقة تعلم جيدًا حجم الاستثمارات العسكرية الأميركية في الشرق الأوسط، وإن اعتراهم الشك بشكلٍ كبير حيال رغبة “واشنطن” بالاستفادة من هذه الإمكانيات.

في المقابل؛ بدأت هذه الدول في التعاون مع “الصين” في بعض المجالات كالبُنية التحتية والتكنولوجيا بعد اكتشافهم عجز “الولايات المتحدة” أو عدم رغبتها في تقديم المساعدة بتلك المجالات. كذلك سّعت هذه الدول بإقامة علاقات مع “الصين” للحصول على منظومات عسكرية خاصة كالمُسيّرات المتطورة بعد أن حرمتهم “الولايات المتحدة” من الحصول عليها.

كذلك تُجدر الإشارة إلى تعامل “بكين” بشكلٍ أكثر صداقة تجاه الأنظمة الشمولية المشابهة لـ”الصين”، التي نجحت في المحافظة على مسافة واحدة من الدول المنافسة بالمنطقة، وهو ما ساعدها على تقديم نفسها كطرف محايد.

يجب على واشنطن تقبل الوجود الصيني بالشرق الأوسط..

وبالنظر إلى ما سبق؛ تحتاج “الولايات المتحدة” إلى رؤية جديدة في الشرق الأوسط. يجب على “واشنطن” تقبل الوجود الصيني المتنامي في الشرق الأوسط بشكلٍ إيجابي، والتحفيز على مشاركة “بكين” في تطوير هذه المنطقة.

يتعين على “واشنطن” اتخاذ موقف منظم وهادف إزاء بعض الإجراءات الصينية الخاصة التي تُهدد مصالح “الولايات المتحدة”.

في الوقت نفسه؛ لا يجب على “واشنطن” تدعيم استراتيجيتها المسّتهلكة والأمنية، التي تضرب بجذورها في بناء تكتلات موالية لـ”الولايات المتحدة” كحائط صد أمام التجاوزات الصينية. ويجب على “الولايات المتحدة” تطوير أدواتها واستثماراتها في المنطقة لتشمل مجالات أخرى تحظى بامتياز نسّبي مثل تطوير الاستثمار البشري، والتعليم، والتكنولوجيا الخضراء، والمنصات الرقمية وخلافه.

كذلك يتعين على “الولايات المتحدة” تدعيم الاتفاقيات مع شركاءها العرب والقوى المتوسطة والنامية مثل: “البرازيل والهند واليابان” وتنويع المسّاهمين، وجلب استثمارات جديدة، وتقوية التعاون مع المنطقة في مجالات التجارة، والتغيّيرات المائية والجوية، والأمن الغذائي وغيرها.

التزامات متعددة لكن أحادية قطبية..

في العقود السابقة؛ اتجهت سياسات الكثير من دول الشرق الأوسط إلى التعددية، ولم يُعد يقبل شركاء “الولايات المتحدة” التقليديين مثل: “مصر والسعودية والإمارات”، بجهود “واشنطن” لبناء كتل تحت قيادة “واشنطن” بشكلٍ حصري.

ولنأخذ “الإمارات” على سبيل المثال، فعلى الرُغم من أنها شريك أمني واقتصادي مقرب من “الولايات المتحدة”، لكن علاقاتها مع “الصين” ازدادت عمقًا عن طريق التجارة، وتبادل التكنولوجيا وصفقات السلاح. ورغم هجوم “موسكو” على “أوكرانيا”؛ عام 2022م، حافظت “الإمارات” على علاقاتها الدبلوماسية والاقتصادية مع “روسيا”، فضلًا عن الاستثمار في مبادرات تجارية وتكنولوجية ثنائية مع “الهند”، وفي العام 2022م؛ انضمت إلى مبادرة اقتصادية شاملة جديدة مع “الهند”.

وبالنظر إلى انخراط جميع دول الشرق الأوسط في مشاركات مشابهة، فإن هذا المسّار يقود إلى تعددية سوف تقود ربما إلى شكل جديد من النفوذ الأميركي في هذه المنطقة. ورُغم التزامات الشرق الأوسط متعددة الأطراف، لكن لا تعتبر تعددية قطبية؛ لأن “الولايات المتحدة” هي حامي الأمن في الشرق الأوسط إلى حدٍ كبير، ومن المسّتبعد إمكانية تهديد هذه المكانة مستقبلًا.

وقد تراجعت أعداد جميع القوات الأميركية مقارنة بالفترات السابقة، لكن ما يزال يتواجد أكثر من: 30 ألف مجند أميركي بالمنطقة، وهذا يُعادل تقريبًا ضعف عدد القوات قبل الحرب الأميركية على “العراق” عام 2003م.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة