صدر كتاب وزارة التعليم العالي والبحث العلمي الذي يحمل العددج ع/م ه/2910 في 31/8/2023 والذي يحمل عنوان “انخفاض نسبة النجاح والانحراف في التصحيح”، وقد سبب هذا الكتاب ردود فعل وانتقادات في الاوساط الاكاديمية العراقية وبين التدريسيين في الجامعات العراقية، كون الكتاب الذي صدر عن دائرة البحث والتطوير/جهاز الإشراف والتقويم العلمي حمل بين طياته لجان تحقيقية قد تشكل ضد التدريسي وقد تصل إلى إحالة التدريسي إلى أعمال إدارية ومنعه من التدريس، ومما زاد في ردود الفعل هذه أن النقاط الثمانية المدرجة في الكتاب انها حاءت بناء على قرارات هيئة الرأي وموافقة معالي الوزير، وكما هو معروف أن هيئة الرأي تشمل رؤساء الجامعات العراقية وهم على دراية تامة بالموضوع ، ولا يحتاجون لمن ينظر عليهم وهو جالس بعيدا ومستعد لنقد أي خطوة أو قرار يتخذ من قبل هيئة الرأي في الوزارة، دون أن يقدم البدائل العملية للوصول إلى حل جذري للمشكلة التي تحولت إلى ظاهرة في التعليم العالي وهي ظاهرة رسوب الطلبة.
كما قلنا اصبحت مشكلة نسبة الرسوب العالية في الجامعات العراقية ظاهرة يفترض أن نبحث عن حلول واقعية لها ولا نكتفي بتحميل الطالب هذه المسؤولية ويبقى التدريسي محصن لا يمكن المس أو المساس به…إن هذه الظاهرة تسبب هدرا كبيرا في المال العام بالإضافة إلى أنها تعرقل أي عمليات تخطيط مستقبلية لعدم توفر البيانات التقريبية وكذلك تربك خطط القبول في الجامعات العراقية…وكتاب الوزارة هذا جاء في محاولة لمعالجة هذه الظاهرة ولكن بدلا من معالجتها والتخلص منها القى بالوم على جهة معينة وحملها المسؤولية دون أن يضع أصبعه على الجرح…
ولغرض معالجة هذه الظاهرة من جذورها يجب أن نعرف أن الوزارة اسمها وزارة التعليم العالي اولا ثم البحث العلمي ثانيا، لكن الملاحظ أن الكثير من التدريسيين قد اهملو مسؤوليتهم عن التعليم وركزوا على البحث العلمي كون أن البحث العلمي ينتج عنه القاب علمية للتدريسي وتعكس فائدة له مادية ومعنوية وهنا يكون أحد أسباب ارتفاع نسبة الرسوب هو تقصير التدريسي في التعليم ولكي نكون أكثر علمية في تشخيص الظاهرة ومعالجتها علينا العودة إلى الأركان الأساسية في عملية التعلم ونحدد نسبة تحمل كل ركن من اركانها…
المعروف أن مثلث التعلم يستند على ثلاثة أركان الطالب والمنهج والتدريسي، عليه فأن الطالب يتحمل نسبة 33% من النجاح أو الإخفاق في عملية التعلم والطالب أضعف حلقة في هذا المثلث.
أما المنهج فيتحمل نسبة 33% من النجاح أو الإخفاق
والتدريسي يتحمل نسبة 33% من النجاح أو الإخفاق.
ولما كان المنهج من مسؤولية التدريسي في كيفية تكييف المنهج بطريقة يفهمها الطالب على ذلك فان مسؤولية التدريسي في عملية التعلم من نجاح أو فشل هي 66%
لذلك فان ظاهرة ارتفاع نسبة الرسوب في التعليم العالي يتحمل الطالب 33% منها، ويتحمل التدريسي نسبة 66% منها. فإذا كانت نسبة النجاح في أي امتحان 66% أو أكثر…نقول أن التدريسي نجح في إيصال المنهج للطالب ونجح في وضع الأسئلة وإدارة العملية التعليمية…وإن نسبة الرسوب 33% أو أقل لأن هذه النسبة من الطلبة مستوياتهم ضعيفة أو أنهم لم يكونوا متابعين للتدريسي أو لأسباب أخرى..
أما إذا كانت نسبة النجاح 33% أو أقل عند ذلك نقول أن التدريسي أما لم يكن موفقا في إيصال مادة المنهج لذهن الطالب أو أنه لن يوفق في وضع الأسئلة وعليه لايكفي الاكتفاء بلوم التدريسي أو توجيه استفسار له لتحمله المسؤولية إنما يجب معالجة هذه الحالة والتي كان ضحيتها عدد من الطلبة رسبوا ليس بسببهم ولكن بسبب تقصير التدريسي….
السؤال الآن كيف يمكن معالجة هذه الظاهرة بحيث لا يقع الطالب ضحية تقصير التدريسي!!
تبدأ المعالجة اولا من قبل التدريسي نفسه ومن أول امتحان أو اختبار يجري للطالب في بداية السنة الدراسية فإذا لم تصل نسبة النجاح عنده إلى 66% عليه مراجعة طريقته في التدريس، وكذلك طبيعة الاسئلة، لان هذا مؤشر على خلل عند التدريسي وليس عند الطالب.
بعدها يأتي دور القسم يفترض أن لا يقبل القسم استلام درجات السعي السنوي مالم تكون نسبة النجاح على الأقل 66% وتعاد الدرجات للتدريسي لمعالجة الخلل الناجم عنه وليس عن الطالب…لأن نسبة إخفاق الطالب 33% قد تحملها كاملة وعلى التدريسي أن يتحمل نسبة إخفاقه ومعالجتها قبل تسليم درجات السعي السنوي…فلا يمكن أن يُرحل التدريسي إخفاقة إلى القسم أو الكلية أو الجامعة أو الوزارة بكل بساطة.. ويجلس يلوم الطالب….. هذا إخفاق واضح من التدريسي أما انه لم ينجح في إيصال المعلومة للطالب أو انه لم ينجح في وضع الاسئلة الامتحانية وكان تدريسه في وادي واسالته في واد آخر.
الآن وصلنا إلى الامتحان النهائي، في نتيجة الامتحان النهائي قبل جمعها مع السعي السنوي، إذا لم يحقق التدريسي نسبة نجاح على أقل تقدير 66% هذا يعني أن التدريسي لم يكن موفق في وضع الأسئلة ومن الخطأ تحميل الطالب هذه المسؤولية هنا اتفق مع ما ذهبت إليه وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، يتم تشكيل لجنة تدقيقية لها الصلاحية من عميد الكلية يتم من خلالها مراجعة الدفاتر الامتحانية واي سؤال لم يحقق نسبة نجاح على الأقل 66% يتم التوصية بحذف السؤال وتوزيع درجته على بقية الأسئلة وهكذا إلى أن تتحقق نسبة نجاح على أقل تقدير 66% هذا من جهة ومن جهة أخرى يجب أن لا تكتفي اللجنة المشكلة بمعالجة إخفاق التدريسي في عدم تحقيق النسبة المطلوبة فقط، إذ ليس من المعقول أن يحقق التدريسي نسبة النجاح المطلوبه ولكن الجميع ضمن تقدير مقبول، هذا يعني أن الأسئلة كانت أما من خارج المنهج أو لم يتطرق التدريسي إلى أسئلة مشابهة لها في أثناء إعطاءه للمنهج إذ الحالة الطبيعية لنجاح الطلبة أن يكون هناك تدرج في التقديرات من ممتاز إلى مقبول وهذا التدرج يكون تصاعدي في عدد الطلبة الذين يحققون التقدير المعين نزولا…
لو تم تطبيق هذه المعايير والنسب فان وزارة التعليم العالي سوف تضمن أن نسبة النجاح في الدور الأول لجميع الجامعات والأقسام لا تقل عن 66%…
بقي لدينا على حد أعلى نسبة 33% من الطلبة ممن لم يوفقوا بالنجاح في الدور الأول….يجب أن يكون هدفنا نجاح الطالب وليس رسوبه، هنا يكلف التدريسي بإعطاء كورس الكتروني مكثف كمراجعة لمدة شهر مع صلاحية إجراء امتحان تحسين السعي السنوي بحيث يقدم لهؤلاء الطلبة سعيا سنويا لا تقل نسبة النجاح فيه عن 66%، وبعد الكورس المكثف يتم إجراء امتحانات الدور الثاني وتطبق نفس المعايير التي طبقت في الدور الأول….عند ذلك نضمن أن نسبة النجاح في الدور الثاني أيضا لا تقل عن 66%. وعند إيجاد النسبة الكلية للنجاح في الدورين سوف لم تكون أقل من 89% وان نسبة الهدر لا تتجاوز 11% لجميع الجامعات والأقسام مما يمكن الجهات المعنية في التخطيط والقبول العمل بصورة أفضل لانها تعرف مسبقا أن نسبة الهدر لكل سنة دراسية لا تزيد عن 11%.
سؤال ممكن أن يوجه للتدريسي “ما الغاية من وضع سؤال لا يستطيع الطلبة الإجابه عليه؟”، إذا كان التدريسي يعلم بذلك فتلك مصيبة لأنه كان عليه حذفه، وان كان التدريسي لا يعلم فالمصيبة أعظم لان التدريسي كانت مهمته فقط أعطاء المادة من باب إسقاط الفرض، وليس التأكد من إيصال المعلومة للطالب، أما اهتمامات التدريسي فهي في مكان آخر يحقق له لقبا علميا جديدا….يجب أن يفهم التدريسي إن اسهل طرق وضع الاسئلة هي الاسئلة الصعبة التي لا يستطيع الطلبة الأجابه عليها وهذا النوع من الاسئلة لا تأخذ وقت أو جهد في وضعها، في المقابل أن اصعب طرق وضع الاسئلة والتي قد تأخذ أياما لوضعها عندما يراجع التدريسي نفسه ويجيب على سؤال “كم عدد الطلبة التقريبي المتوقع الإجابة على هذا السؤال”، وبذلك يستطيع التدريسي معرفة النسبة التقريبية لنجاح الطلبة والتدرج التقريبي لتقديرات الطلبة في هذه النسبة…وهذه صفة يجب أن يلتزم بها كل تدريسي يضع امام عينيه إنه معلم قبل أن يكون باحث….
السؤال الأصعب الذي يجب أن تجاوب عليه هيئة الرأي هو
كيف يمكن أن نقنع التدريسي بأنه معلما قبل أن يكون باحثا؟، طبعا مهما حاولت هيئة الرأي والوزارة في معالجة هذه الحالة سوف تجد نفسها مضطرة لاتخاذ الخطوات التي أشار لها كتاب الوزارة لتحقيق هدف الوزارة اولا ورفع الظلم الذي يقع على الطالب ثانيا. لكن النقاط المشار اليها في كتاب الوزارة لا تؤدي إلى تحقيق هدف الوزارة أو رفع الظلم عن الطالب. لذلك نحتاج إلى خطوات أكثر عملية في هذا الاتجاه تتمحور حول الاتي:
أولا ربط تقييم أداء التدريسي بنسب النجاح التي حققها في الدراسات الاولية حصرا، فالتدريسي الذي حقق نسبة نجاح 80% في الدورين يكون تقييم اداءه لا يزيد عن 80%، والتدريسي الذي حقق نسبة نجاح في الدورين 66% يكون تقييم أداءه لا يتجاوز 66%، وهكذا
ثانيا ربط الترقية العلمية بنسبة النجاح فالتدريسي الذي لم يحقق نسبة نجاح في الدورين لا تقل عن 89%، لا يحق له التقديم على الترقية العلمية في السنة اللاحقة، أما التدريسي الذي كان قد قدم على الترقية العلمية يتم إيقاف ترويج معاملته لمدة سنة، وهكذا
ثالثا: ربط المكافئات وكتب الشكر التي يحصل عليها التدريسي بنسب النجاح المشار اليها في ثانيا.
هنا قد يتبادر إلى ذهن البعض أن التدريسي سوف يكون جل اهتمامه هو تحقيق نسب النجاح المذكورة اعلاه دون الاهتمام بمفردات المنهج أو كفاءة التدريس…وهذا وارد جدا
لذلك نقترح الآتي
تفعيل المادة 3 من قانون الخدمة الجامعية رقم 23 لسنة 2008 والتي تنص على “يقدم كل من الأستاذ والأستاذ المساعد والمدرس تقريرا بعد كل فصل دراسي يتضمن نشاطه التدريسي وما أكمله من مفردات وما اعترضته من مشكلات وما يقترحه من توصيات لحلها، والبحوث والمقالات التي نشرها والمحاضرات العامة التي القاها ومقترحاته لتطوير المناهج والمؤسسة التعليمية التي يعمل فيها.”
على أن تكون هذه التقارير من ضمن متطلبات الترقية العلمية، وتكون ليست شكلية وان يتم إحالة هذه التقارير إلى لجنة لتدقيق ما جاء بها ويتم المصادقة عليها أو ردها إلى التدريسي من قبل رئيس القسم بعدما يتم قراءتها في مجالس الأقسام هذا من جهة، ومن جهة أخرى يتم تشكيل لجان في الكلية والقسم لمتابعة التزام التدريسي في مفردات المنهج والتزامه بالتوقيتات الزمنية التي كان قد قدمها في بداية العام حول تنفيذ أعطاء مفردات المنهج المقرر، ويكون لدى اللجنة صلاحية التوصية بتغيير التدريسي فيما لو ثبت لديها تلكىء التدريسي في أعطاء المفردات المقررة للمنهج أو عدم استجابة الطلبة للتدريسي….هناك في الحقيقة الكثير من التفاصيل الأخرى التي لا مجال لذكرها في هذه المقالة القصيرة، لكن اتمنى على وزارة التعليم العالي أن تأخذ في النقاط المثارة هنا واتمنى على التدريسي أن يقتنع بأنه معلم قبل أن يكون باحثا.