ربما هي قساوة الظروف وربما احيانا من باب الصدف ان يعيش الانسان حياة الرفاهية والنعيم بسبب توفر الجاه والمال او حياة الشقاء الجافية بسبب الفقر الشديد وتجده في الحالة الاولى دائم التأفف من كل الاجواء المحيطة به وفي الحالة الثانية تجده دوماً يتمنى العكس وبدون تردد ودون اطلاع بمعيشة العالم الآخر وربما لو تعمق في داخل الأجواء التي يعيشونها لأصبح يحسد نفسه عما هو عليه
وانا اكتب هذه الكلمات تذكرت قصة ذلك الحمال صاحب الذراع المفتون الذي كان يعمل في احد خانات التجار في وسط مدينة الموصل وكان صاحب الخان رجل متوسط في العمر ولديه املاك كثيره في هذه المدينة وكان من المتابعين لعمله يوميا وعندما تحين فترة الغداء يشاهد ذلك الحمال وهو يضع راًسا من البصل وثلاثة حبات من الطماطة (البندورة) في رغيف خبز كبير ويبدا بأكلها وصاحب الخان ينظر اليه من نافذة الشباك دون ان يراه وكان هذا الحمال يتمتم في قلبه يا ترى ماذا يأكل الان معلمنا صاحب الخان في مكتبه فأكيد امامه الكثير من المشاوي او ربما اللحوم البيضاء ولا يعرف من اين يبدا مأكله بوجبته الغذائية….
وفي احد الايام فاجأه صاحب الخان عندما قال له انني احسدك ايها الشاب على حياتك التي تعيشها فاستغرب هذا الحمال من هذه الكلمات وقال له بماذا تحسدني وانت تراني مجرد حمال فقير اعمل طوال النهار حتى اشتري قوت لعائلتي فقال له انني انظر يومياً الى وجبة الغداء التي تأكلها ونفسي تشتهيها ولكنني لا استطيع بسبب اصابتي بمرض غريب وقد منعني الاطباء بسببه من الكثير من المأكولات لأنها ربما سوف تسبب ضرر كبير على وضعي الصحي العام وانت يا بني لقد وهبك الله هذه الصحة التي لا تعوض بكل اموال واملاك الدنيا فإحمد الله واشكره انك تعمل ثم تجوع ثم تأكل بشهوة الجوع اما انا وكما ترى املك الكثير من اموال الدنيا ولكنني لا املك الصحة فلا يغرنك الواقع الذي يعيشه الاغنياء عندما تعرف مأساتهم ومعاناتهم في حياتهم ولذلك قالوا قديما الصحة تاج على رؤوس الاصحاء..
نعم انها الحياة بطراوتها وقساوتها تعطينا دروساً كثيرة لم نتعلمها في المدارس ولم تكن ضمن المناهج العلمية في الجامعات والمعاهد ولكنها موجوده ومن مفردات وقواميس هذه الدنيا التي نعيشها ضمن طبقات وواقع مختلف فالفقير فينا ينظر الى الاعلى ويتمنى ان يكون مثله دون دراية بوضعه الصحي والاجتماعي والغني يفكر ليلا ونهاراً في كسب المزيد والمزيد حتى وان كان على حساب صحته او التربية الصحيحة لأفراد عائلته وشتان ما
بين هذا وذاك.. وبين الغنى والفقر من جهة والقناعة من الجهة الاخرى….