19 ديسمبر، 2024 12:24 ص

هل نحتاج لمثل هذه الديمقراطية؟

هل نحتاج لمثل هذه الديمقراطية؟

ربما كان دخول القاعدة، ثم داعش، إلى العراق كارثتين من النوع الثقيل، وربما كان عصياً على نظام جديد، بني على الطريقة الغربية، مواجهتهما. وربما كان صعباً – أيضاً – على بلد خارج للتو من حصار خانق أن ينتصر عليهما.

ولكن الحقيقة أن هاتين المنظمتين الدوليتين اللتين تحظيان بدعم غير مسبوق من أطراف عربية، لم تكونا لتنفذا إلى العراق لو كان محكوماً بنظام استبدادي صارم. أو كان خاضعاً لمنظومة مخابراتية متينة. فالديمقراطية التعددية في أي بلد من البلدان، شرط لازم من شروط انتشار التنظيمات الإرهابية. مثلما يشكل وجود أحزاب وتيارات وأفكار وقوى منفلتة تهيمن على أوجه النشاط اليومي فيه، ضرورة قصوى للتمدد والاستيطان.

بل إن واحداً من أهم العوامل التي تثير شهية هذه المجموعات هو الإعلام المفتوح، القائم على شبكة اتصالات واسعة غير محكومة بضوابط أو رقابة داخلية. فمثل هذه الميزة تتيح لها التحرك بحرية، وتجعلها قادرة على توجيه الرأي العام، في المناطق التي تجد موطئ قدم لها فيها، توجيهاً عقائدياً.

ولا غرابة أن داعش، ومن قبلها القاعدة، لم تخترق البلاد العربية قبل ثورات الربيع العربي – إذا جاز لنا أن نضع العراق من ضمنها – لأن هذه البلدان كانت خاضعة لنظام إدارة مركزي، يوجه الرأي العام حسب مزاجه الرسمي.

ولم تستطع اختراق بلدان مجاورة تعدها هذه المنظمات أعداء تقليديين مثل إيران وتركيا، لأن هذين البلدين تحكمهما ديمقراطيات مقيدة، لا تسمح للانفلات السياسي. وفيها أنظمة مخابرات قوية، قادرة على الوصول لأهدافها بسرعة.

ومثلما كان الهجوم العراقي على إيران عام 1980 سبباً في تحولها من نظام تعددي ذي طبيعة فوضوية، إلى آخر أحادي يتسم بالصرامة والانضباط. فإن هجوم داعش على العراق، الذي جاء للأسباب ذاتها، يجب أن تكون له نفس النتائج أيضاً. فتحصين الداخل ضد أي غزو مسلح جديد، لن يتحقق دون تقييد النظام الديمقراطي، ومراقبة شبكة الاتصالات، والقنوات الفضائية، ووضع ضوابط للنشر، وتداول المعلومات.

ولا بد أن تسبب إجراءات كهذه بعض الضيق لمواطني هذه الدولة. وأن تحرمهم من حرية مطلقة اعتادوا عليها منذ عام 2003. لكن الواقع أن حماية هؤلاء من هجوم مدمر كالذي جاء على يد القاعدة في ذلك العام، ومن آخر نفذته داعش عام 2014، هو أهم من أي مكسب سياسي ومادي حصلوا عليه في أي وقت من الأوقات.

وليس سراً أن التعددية غير المنضبطة، والقوانين سهلة الاختراق، وانتقال الأشخاص والسلع والأموال غير المقنن، أدت مجتمعة إلى نمو قوى اجتماعية خارج إطار الدولة كالعشائر وشبكات التهريب والجماعات المسلحة. وبوجود هذه القوى بات من السهل النفوذ إلى المؤسسات العامة ذات الطبيعة الأمنية، وإضعاف الاقتصاد الوطني والصناعة المحلية، وإعادة البلاد إلى مجتمع ما قبل الدولة. ولوضع نهاية حاسمة لهذه الأوضاع فإن ديمقراطية من الطراز الذي يعتمده العراق الآن أصبحت غير ذات جدوى، ولا تفي بالغرض المطلوب.