خاص : ترجمة د. محمد بناية :
عُقدت الجلسة السادسة من اجتماعات وزراء خارجية دول “مجلس التعاون الخليجي” و”روسيا”؛ بتاريخ 10 حزيران/يونيو 2023م، بهدف تقوية وتطوير العلاقات بين “روسيا” ودول “مجلس التعاون”، حيث أعلن الطرفان التركيز على التعاون في القضايا الإقليمية والدولية.
ومسألة تماهي “موسكو” مع “مجلس التعاون”؛ فيما يخص مشكلة الجزر الثلاث، كان أحد أهم الموضوعات على هامش هذه الجلسة؛ بحسّب ما استهل “سيد حسين موسوي”، تقريره المنشور على موقع “مركز الشرق الأوسط للبحوث العلمية والدراسات الاستراتيجية” الإيراني.
رد الفعل الإيراني..
ورد الفعل الإيراني في هذا الصّدد كان واضحًا وصريحًا. فقد لوح بعض المسؤولين الإيرانيين بسذاجة الروس؛ مؤكدًا سيّادة “إيران” الأبدية على هذه الجزر.
ورُغم مسّاعي الروس إلى تهدئة أجواء المباحثات مع الطرف الإيراني، إلا أن هذا التعامل يُثبت أن مسألة حُسن العلاقات قد تتأثر بالمصالح. ويبدو أنه ينقص الروس كما الصينين الفهم الصحيح والدقيق لقضايا “غرب آسيا”، ويتصورون أن العلاقات الحسّنة مع “الجمهورية الإيرانية” قد تحّول دون رد فعل المسؤولين في “طهران” الحاد مع مثل هذه الأمور.
وقد أثبتت التجربة أن “الجمهورية الإيرانية” سوف تتعامل مع هكذا موقف في الوقت المناسب.
“روسيا” ودول “مجلس التعاون”..
ويتشكل “مجلس التعاون” من عدد: 06 دول خليجية هي: “السعودية، والبحرين، والإمارات، والكويت، وعُمان، وقطر”، ورُغم عقد اجتماعات منتظمة بين “روسيا” وأعضاء “مجلس التعاون”؛ خلال السنوات الماضية، لكن الجلسة الأخيرة كانت تهدف إلى إجراء حوار استراتيجي، وتحظى باهتمام أكبر لأن عودة “سوريا”؛ لـ”الجامعة العربية”، وتحسّن علاقات “السعودية” مع “إيران والعراق واليمن”، فتح آفاق جديدة للحوار.
وجدير بالذكر أن الدول العربية؛ وبخاصة “الإمارات والسعودية”، رفضت الانضمام للعقوبات الغربية ضد “روسيا” على خلفية الحرب الأوكرانية، وماتزال مستمرة في تطوير مستوى علاقاتها مع “روسيا”.
آفاق جديدة..
ورُغم قناعة النخبة الروسية التقليدية، بتعلق دول الخليج بالمعسكر الغربي، وأن تعهداتها العسكرية مع الغرب يُقيد التعاون الروسي مع هذه الدول، لكن يعتقد خبراء مؤسسة الدراسات الشرقية بـ”أكاديمية العلوم الروسية”؛ تحت قيادة؛ “فيتالي نافمكين”، خبير العلاقات “الروسية-العربية” المخضرم، في ضرورة إعادة النظر في هذه القناعات بسبب الفضاءات الجديدة في العلاقات الروسية مع العالم العربية بالنظر إلى الأوضاع الراهنة، والأجيال الجديدة من النخب “العربية-الروسية”.
من جهة أخرى؛ دائرة العلاقات “الروسية-الخليجية” تمتد حتى دول “آسيا الوسطى” بل و”أذربيجان” أيضًا. كما لا يجب تجاهل “باكستان” و”أفغانستان”، حيث تمتلك “السعودية والإمارات وقطر” نفوذ كبير في هذه الدول.
أضف إلى ذلك اتصال هذه الدول مذهبيًا. وبالنظر إلى النفوذ الروسي في أغلب هذه الدول، تربطها مصالح متعددة مع دول الخليج.
هذا بخلاف عناية دول الخليج في سياساتها الخارجية والأمنية بمكانة “موسكو” الهامة. كذلك قد يكون هذا الممر المائي طريق وصول “روسيا” لـ”المحيط الهندي”.
“روسيا” و”إيران”..
وفي هذا الصّدد يمكن تقييّم موقف الروس الأخير في الاجتماع المذكور سلفًا؛ فيما يخص الجزر الثلاثة. من ناحية أخرى، تماهي “الجمهورية الإيرانية” و”روسيا” في الملف النووي، ودعم (أنصار الله) اليمنية، والتعاون الميداني في “سوريا”، والنفوذ الإيراني في “العراق”، وكذلك الفجوة الإيرانية مع حلفاء الغرب بالشرق الأوسط تقف حائلًا أمام تحسّن علاقات دول الخليج مع “روسيا”.
لكن وبعد تغيّر الأوضاع وخفض التوتر بين “إيران” والدول العربية الخليجية؛ يبدو أن عقبات تطوير التعاون الروسي مع هذه الدول قد انحسّرت نسّبيًا، الأمر الذي ساعد في جرأة “روسيا” على اتخاذ موقفها الأخير من الجزر الثلاثة.
وكذلك في مجال الطاقة، يحظى الخليج باهتمام روسي كبير. وتحتل دول الخليج مكانة مناسبة أكثر من “إيران” في سوق “النفط” العالمية، وكذلك تعتمد “روسيا” في اقتصادها الوطني على مبيعات “النفط” بشكلٍ أساس. لذلك لا مفر بالنسبة للدولة الروسية من تحسّين علاقاتها الاستراتيجية مع دول الخليج بالتوازي مع تطوير علاقاتها الجيدة مع “إيران” والحصول على حصة من اقتصاد دول الخليج الكبير.
“إيران” والخليج..
وتعلب “الجمهورية الإيرانية” دورًا خاصًا؛ بل ومحددًا وأساسيًا في الخليج. وأي اتفاق أو تغيّير استراتيجي في ملف علاقات القوى الكبرى مع دول الخليجي يتجاهل أو لا يُراعي المكاسّب والمصالح الإيرانية، فلن يؤدي إلى استقرار الخليج.
وهذا الدور الإيراني لا يقتصر على هذه المنطقة فقط. لكن لا يجب أن ننسّى إمكانية تجاوز التحديات والعقبات الإقليمية عبر البوابة الإيرانية. وتمتع “الجمهورية الإيرانية”؛ في الخليج، بالقوة الكافية للدفاع عن وحدة أراضيها ومن بينها الجزر الثلاثة.
وقد أثبتت التجربة أن المواقف السّلبية من جانب بعض الدول لا تؤثر على عزة وإرادة “الجمهورية الإيرانية” الراسّخة فيما يتعلق بالمحافظة على سيّادتها.