خاص: إعداد- سماح عادل

يعد اضطراب الشخصية النرجسية مرضا شائعا في الوقت الحالي، ربما ساعدت التكنولوجيا وتطور الاتصالات ووسائل التواصل الاجتماعي على تفاقمه.

اعتراف..

“تيودور” أحد كبار النرجسيين في بريطانيا، ويعرف ذلك، منذ سن مبكرة يقول: “لقد شعرت بالرضا من التلاعب بالأفراد لتحقيق غاياتي، وبعد أن أنهيت الجامعة، أوضحت لي صديقتي آنذاك، وكانت خريجة علم النفس، أنها تعتقد أنني مصاب باضطراب الشخصية النرجسية، ومنذ ذلك الحين تم تشخيص الحالة.

أنا أفهم ذلك بسبب مستوى ذكائي ووعيي، لماذا يعتقد الناس أن ما أفعله مؤذٍ، لكنني لا أهتم بذلك لأنه يلبي احتياجاتي”.

نشر “تيودور” سلسلة من الكتب حول النرجسية، ويقوم بتقديم الاستشارات والنصائح عبر الإنترنت للأشخاص الذين يعتقدون أنهم يعيشون مع أمثاله مقابل سبعين دولار للجلسة. ويقول إنه يعمل بجد بشكل ناجح، والسبب يعود إلى انتشار النرجسيين، “أعتقد أن الطريقة التي تحول بها المجتمع، أصبحت أكثر نرجسية وهي ظاهرة تزداد بشكل مضطرد”.

لكن البروفيسور “روبرتس” يختلف مع “تيودور” ويقول: “لقد أخذت مجموعات من ثلاث جامعات مختلفة وأظهر التحليل تراجع نرجسية الطلاب بالفعل على مدار ثلاثين عاماً”.

الاسم..

يعود اسم النرجسية للأسطورة اليونانية “نرسيسوس: Narcissus” الذي وقع في حب انعكاس صورته وتم اعتباره نوعا من أنواع اضطرابات الشخصية وأطلق عليه اضطراب الشخصية النرجسية (Narcissistic Personality Disorder).

يتسم النرجسي بسلوكياته المتمحورة حول التفكير بالذات، والغطرسة، وعدم التعاطف مع الآخرين، والحاجة إلى الحصول على الإعجاب والاهتمام بصفة مستمرة، ومن خصائص النرجسية حب الذات، والتكبر، والأنانية، والتلاعب، وكذلك التركيز على المظاهر الخارجية، والجمال، والتألق، مع العيش في أوهام النجاح، والقناعة بأنهم يستحقون معاملة خاصة، ولا يتقبلون النقد أو الهزيمة.

أنواع النرجسية..

أنواع الشخصية النرجسية لدى الرجل والمرأة هي:

– النرجسية العلنية: الشخص النرجسي في هذا النوع يركز على المكانة، والثروة، والقوة، ويعتقد بأنه يستحق معاملة خاصة عن الآخرين، كما أنه حساس تجاه النقد.

– النرجسية الخفية: هي أقل وضوحا، ويشعر فيها الشخص بأهمية ذاته ويتوق إلى إعجاب الآخرين به، وقد تظهر عليه سلوكيات لوم الآخرين، أو التشهير، أو التلاعب للحصول على ما يريد.

– النرجسية المعادية: يولي هؤلاء الأشخاص اهتمامهم للظهور في القمة دائما، وقد يستغلون الأشخاص للوصول إلى أهدافهم، بل عادة ما يقللون من شأن الآخرين.

– النرجسية الطائفية: النرجسي في هذا النوع يتسم بسمات التضحية من أجل الآخرين، ولكن بدافع الظهور ونيل الإعجاب فقط، وليس لمساعدة الآخرين، فقد يتصدر هؤلاء الأشخاص القضايا الاجتماعية كقادة حركة أو فكرة ما، ويرون أنفسهم أناسا متعاطفين ويهمهم أمر الآخرين.

– النرجسية الخبيثة: أكثر الأنواع خطورة، فبالإضافة إلى الصفات العامة للنرجسي يعاني الشخص في هذه الحالة من سمات مرتبطة باضطراب الشخصية المعادية للمجتمع، مثل جنون الارتياب، وافتقار التعاطف، وسمات السادية.

ما وراء اضطراب الشخصية النرجسية..

اضطراب الشخصية النرجسية والمعروف اختصار ا بـ NPD أحد اضطرابات الشخصية النفسية المتعددة، يظهر في شكل حالة عقلية يعاني فيها الشخص من إحساس متضخم بأهميته، وحاجة عميقة للانتباه والاهتمام من الآخرين. ونجد أن النرجسي تكون علاقاته متوترة مع الجميع ويفتقر إلى مشاعر التعاطف تجاه الآخرين. وخلف كل ذلك تقدير متدن للذات وهش للغاية قد يتحطم أمام أبسط انتقاد.

الشخصية النرجسية الصحية..

النرجسية الإيجابية أمر واقع، ولمجرد أن أحدهم يعاني من بعض السمات النرجسية، فلا يعني ذلك أنه مصاب باضطراب الشخصية النرجسية، يجب أن يُظهر نسبة 55% على الأقل من أعراض اضطراب الشخصية النرجسية حتى يتم تشخيصه بهذا المرض. على ذلك فإن العديد من الناس إن لم يكن الجميع، يمتلكون بعض السمات النرجسية الصحية والإيجابية.

تقول “أليسا مانكاو” المعالجة المعرفية: “يملك كل شخص نسبة من النرجسية الصحية في داخله. حيث تُشعره هذه النسبة بالفخر تجاه إنجازاته، وتحثّه على مشاركتها مع الآخرين لأن هذا يمنحه شعورا جيدا. النرجسية الصحية تعني أيضا القدرة على الشعور بالاستحقاق ومعرفة أنك تنتمي إلى أماكن معينة وتستحق الحصول على أشياء جيدة واقعية، وهو أمر منطقي لا عيب فيه.

النرجسية الهشة..

وتُعرف أيضا بالنرجسية الخفية، يكون الشخص النرجسي فيها خجولا ومنطويا على نفسه. وفقا للمجلة الأمريكية للطب النفس فإن النوع الخفي من النرجسية يجعل صاحبه حزينا ومفرط الحساسية تجاه آراء وتقييمات الآخرين إضافة إلى شعوره الدائم بالغيرة. إنّه يتوق إلى اعتراف الآخرين به، ويتصرّف بشكل دفاعي في مواجهة الانتقاد.

التعامل مع الشخصية النرجسية..

بعض الأشخاص النرجسيين قد لا تظهر عليهم أعراض شديدة وقوية لهذا الاضطراب، وبالتالي سيكون التعامل معهم أسهل بشكل عام. لكن قد يحدث أن تصادف شخصا يعاني أعراضا حادة، وقتها عليك باتباع الآتي:

– انظر إليهم على حقيقتهم..

، أصحاب الشخصية النرجسية حينما يرغبون في ذلك يكونون قادرون على إضفاء السحر على أحاديثهم. وقد تجد نفسك منجذبا إلى أفكارهم العظيمة ووعودهم الرائعة. وهو أمر قد يمنحهم شهرة واسعة خاصة في بيئة العمل.

لكن، وقبل الانسياق وراءهم، انتبه إلى كيفية تعاملهم مع الآخرين عندما لا تكون الأضواء مسلّطة عليهم. فإن وجدتهم يكذبون أو يتلاعبون بالآخرين أو يقلّلون من احترامهم لهم، عليك أن تدرك حينها أنّهم قد يفعلون الشيء ذاته معك.

كن على ثقة تامّة أنّ رغباتك وحاجاتك ليست ذات أهميّة بالنسبة له، بغضّ النظر عمّا يقوله لك النرجسي وحتى لو حاولت طرح هذا الأمر والتطرّق إليه فسوف تجد ردا عدوانيا غاضبا.

الخطوة الأولى إذن في التعامل مع الشخص النرجسي هي أن تقبل حقيقة أنّه كذلك، في جميع الأحوال ليس هنالك ما يمكنك فعله في هذا الشأن.

-اكسر الحلقة وتوقف عن التركيز عليهم..

في كل مرة يتواجد فيها شخص نرجسي من حولك، ستشعر أن الاهتمام ينجذب نحوه تلقائيا، حيث يسعى النرجسيون للبقاء تحت الأضواء سواء كان ذلك بطريقة إيجابية أو سلبية. وما هي سوى لحظات معدودة حتى تجد نفسك تنقاد إلى حيلهم تلك، فتتناسى احتياجاتك الخاصة لإرضائهم، وحتى لو حاولت العثور على مخرج بعدها فسوف تفشل على الأرجح.

لذا عليك أن تحذر من البداية وألا تصب تركيزك واهتمامك عليهم نهائيا. تذكر دوما. أنت مهم أيضا، ولديك رغباتك ونقاط قوتك وأهدافك الخاصة وليس من مسؤولياتك إصلاحهم أو إرضاؤهم.

– دافع عن نفسك..

قد يكون الصمت والتجاهل هو الردّ الأمثل على ما يضايقنا في بعض الأحيان، فكثيرًا ما نسمع جملة: اختر معاركك بحكمة، لكن، الأمر يعتمد على طبيعة العلاقة. فالتعامل مع مديرك في العمل أو أحد والديك أو شريك حياتك يختلف كثيرًا عن التعامل مع طفلك أو زميلك أو شقيقك.

يستمتع بعض الأشخاص الذين يعانون من اضطراب الشخصية النرجسية، بجعل الآخرين يشعرون بالارتباك والحزن، فإن كان الحال كذلك احرص إذن على ألا تظهر مشاعر الارتباك والقلق أو الانزعاج لأن ذلك سيجشّعهم على الاستمرار.

إن كان هذا الشخص مهمًّا بالنسبة إليك وتودّ الحفاظ عليه في حياتك فعليك هنا أن تدافع عن نفسك، لكن احرص على فعل ذلك بأسلوب هادئ لطيف ومنطقي.

أخبره بصراحة بأثر كلماته وعباراته على حياتك. كن محددا وواضًا حول ما لا تجده مقبولا، وعبر بصراحة عن الطريقة التي تتوقع منه أن يتعامل بها معك. لكن كن مستعدا لحقيقة أنه قد لا يتفهم مشاعرك أو يهتم بها.

– ضع حدودا واضحة..

تركيز الشخص النرجسي يكون منصبا على ذاته. وبالتالي قد يظن أنه يستحق فعل ما يشاء أو أن يعبث بأغراضك الخاصة أو يخبرك بما يجدر بك فعله. قد يُمطرك بالنصائح ثم يمن عليك بعدها أن الفضل يعود إليه فيما حققته من إنجاز. أو ربما يجبرك على التحدث عن أمورك الخاصة في سياق عام أمام الكثير من الناس. النرجسي لن يحترم الحدود ولا يراها على الأرجح لذا عليك أن تكون واضحا جدا بشأنها.

عبر عن الخطوط الحمراء في التعامل معك ووضح تبعات تجاوزها أو عدم احترامها. ونفذ التبعات حقا. إن قلت أنك ستنهي علاقتك مع هذا الشخص في حال تجاوز حدوده فعليك أن تفعل ذلك حقا، وإلا فلن يصدقك وسيستمر في تصرفاته المتمادية.

– توقع الرد المعاكس..

إن وقفت في وجه شخص نرجسي، عليك أن تتوقع ردا بالمقابل. بمجرد أن تدافع عن نفسك وترسم حدودا وخطوطا حمراء، قد يرد عليك النرجسي بطلباته الخاصة هو أيضا. بل ربما سيحاول أن يشعرك بتأنيب الضمير وبأنك أنت الطرف السيء في المعادلة. كن مستعدا لذلك، ابق ثابتا لأنك إن تراجعت فلن يأخذك النرجسي على محمل الجد في المرة المقبلة.

– تذكر أنك لست مخطئا..

النرجسي لن يعترف بخطئه، ولن يتحمل مسؤولية أذيته لك. بل سيسعى لعكس سلوكياته السلبية عليك أو على أي شخص آخر. قد يدفعك هذا لمحاولة الحفاظ على السلم معه من خلال تقبل اللوم، لكن تذكر أن ذلك لا يعني أن تقلّل من قيمة نفسك لإرضاء غروره. أنت تدرك الحقيقة، وتعلم أنّك لست مخطئًا، فلا تدع أحدًا يسلبك ذلك.

– قم ببناء نظام داعم..

إن لم تكن قادرا على تجنب النرجسي، فحاول على الأقل أن تبنى علاقات صحيّة أخرى من حولك وشبكة من المعارف الداعمين لك، حيث أن قضاء الكثير من الوقت في علاقة معطوبة مع نرجسي قد يستنفذ طاقتك. قم بإحياء صداقاتك القديمة، أو ابنِ علاقات جديدة، اقض مزيدا من الوقت مع عائلتك، وفي حال كانت دائرة معارفك ضيّقة، يمكنك في هذه الحالة أن تبحث عن هواية جديدة أو تتطوّع في منطقتك لتخلق فرصة من أجل التعرّف على أشخاصٍ جدد. اسعَ على الدوام لتضع نفسك في سياقات تتيح لك الالتقاء بأشخاص إيجابيين جدد وبناء علاقات صحيّة معهم.

– ركز على رد الفعل الفوري بدلا من الوعود..

يبرعُ النرجسيون في قطع الوعود. سيقطعون عليك وعودا بالقيام بما تريده منهم وبأن يتجنّبوا ما تكرهه وبأنهم سيصبحون أشخاصًا أفضل، وقد يكونون محقّين في ذلك. لكن عليك أن تدرك بأن قطع الوعود هو وسيلة تبرّر غاية النرجسي، وبمجرّد أن يحصل على ما يريده سيختفي حماسه وينسى أمر تنفيذ الوعد تماما.

لذا، حدّد بالضبط ما تريده من النرجسي الذي تتعامل معه وابقَ مصرًّا على أنّك لن تحقّق طلبه إلاّ إذا التزم هو بتنفيذ الوعد الذي قطعه لك.

في حال التزمت بتلك الخطوات، يمكنك التعايش مع الشخص النرجسي والحفاظ على علاقة صحيّة معه، لكن قد يعاني البعض من المصابين باضطراب الشخصية النرجسية من أعراض حادّة تجعل علاقاتهم مع الآخرين مؤذية. ومن الإشارات التحذيرية لمثل هذه العلاقات نذكر الآتي:

الشتم والإهانات.

الإذلال على العلن.

الصراخ والتهديد.

الغيرة والاتهامات الباطلة.

كما قد تظهر بعض الإشارات والعلامات على الشخص النرجسي، والتي هي بمثابة ناقوس خطر يحذّرك من الاستمرار في هذه العلاقة، منها:

تحميلك الذنب على كلّ ما لا يسير كما تريد له.

مراقبة تحرّكاتك والسعي لعزلك عن الآخرين.

إخبارك بحقيقة مشاعرك وبما يجدر بك أن تحسّه.

إنكار الحقائق الواضحة بالنسبة لك ومحاولة تضليلك.

التقليل من أهمية آرائك واحتياجاتك.

إحدى هذه الإشارات أو جميعها تخبرك بالرحيل، لأنّ هذه العلاقة علاقة سامّة غير صحيّة وستسبّب لك الألم والإرهاق، بل قد تؤثّر على صحّتك أيضًا. أعطِ لنفسك وصحتك النفسية والجسدية الأولوية على الدوام، وامضِ بعيدًا عن هذا الشخص دون ندم أو شعور بأي ذنب.