23 نوفمبر، 2024 4:47 م
Search
Close this search box.

قانون الأحوال الشمري

قانون الأحوال الشمري

لم أخطأ في الوصف، إذا ما سميت القانون المثير للجدل، المسمى بـ”قانون الاحوال الجعفري”، بـ”قانون الأحوال الشمري”، كون القانون لم يكتسب شرعيته المذهبية من جهة الإختصاص ممثلة، بالمرجعية الشيعية العليا في النجف، ناهيك عن إعتراضها أصلاً على القانون، وهو ماأفصح عنه المرجع الشيعي بشير النجفي، الذي وصف القانون بأنه ينطوي على شطحات في الصياغات الفقهية والقانونية، داعياً الى عرضه على السيد علي السيستاني للإستنارة برأيه، فيما شدد رئيس لجنة الأوقاف النيابية، علي العلاق، على حتمية إعداده تحت إشراف المرجع الأعلى.
ومن هنا يناقض القانون، نصاً ومضموناً، نظرية التقليد التي تلزم منتسبي المذهب الجعفري الرجوع فيها الى المرجع الجامع للشرائط ، وعلى حد علمي المتواضع، فإن السيد وزير العدل، حسن الشمري، لم يحرز بعد صفة الأعلمية التي تؤهله للإجتهاد، بل هو على العكس من ذلك، لايزال مقلداً، الا إذا جاء بإستثناء يخالف ذلك.
ولسنا في موضع التأصيل الفقهي، لكن القضايا الفقهية عموماً تخضع للإجتهاد، لذلك نرى في القضية الواحدة أكثر من رأي، داخل المذهب الواحد، كما أن هناك مستجدات تتطلب رأياً فقهياً معاصرأ، وبسبب ذلك أخذت تتأسس المجاميع الفقهية للنظر في القضايا المستحدثة، وبيان الحكم فيها، إستنباطاً من الدليل الشرعي، وعلى وفق مقتضيات منهجية الإجتهاد التي أباحها الشارع للمجتهد.
وعليه، فإن ماموجود من مواد فقهية، تمثل إجتهادات لعلماء، على مناط الشرع، لا نشك في ذلك، لكنها ليست نصوصاً شرعية قطعية الدلالة، ولو كانت كذلك لما وجدنا، داخل المذهب الجعفري، مثلاً رأيان في مسألة واحدة، كسن البلوغ، بل لما وجدنا أصلاً مراجع عدة، ولإكتفى أتباع المذهب، بمرجع واحد، ولما إستحق أن يؤلف كل مرجع، رسائله   العملية، لمقلديه، ومن هنا نسمع، في بعض الفتاوى، أن المفتي يفّصل في المسألة الواحدة، تبعاً لكل مرجع، مايعني أن هناك أكثر من رأي، وللمقلد أن يختار تبعاً لمرجعه، وبالتالي لاندري الى من سيعتمد قانون الأحوال ” الشمري” في مرجعيته للأحكام، وهو نفسه يقلد مرجعاً واحداً، فيما قانونه ينبغي أن يشمل جميع الشيعة بإختلاف مراجعهم.
ثم، دعونا نتصور أن المراجع، قديمهم وحديثهم، متفقون، فيما نصت عليه مواد القانون”الشمري”، فكيف سيتم التعامل مع قضية زواج الشيعي من سنية، وزواج السني من شيعية، ماالمرجع القانوني الذي سيحكم تلك العلاقة، سواء كان ذلك في الزواج أو الطلاق، أو المواريث، ونحو ذلك؟.
وإذا كنا نراهن على كبح جماح الطائفية من خلال تأكيد زواج السني من الشيعية، وبالعكس، فإن القانون”الشمري” سيقطع آخر وصل من أوصال المجتمع الواحد، بعد أن قسمناه الى مناطق طائفية، ووضعنا حدوداً مصطنعة، بين طوائفه، حيث مجرد التفكير بوضع قانون على أساس الطائفة، سيدفع بالطوائف الأخرى الى تبني قوانين خاصة بهم أيضاً، وبالتالي، سيكون لكل طائفة قوانينها، ويحصل الإنفصال داخل المجتمع، هذه المرة، ويبين إبن هذه الطائفة، على إبنة الطائفة الأخرى بينونة كبرى، فيما تتأجج المشاكل بين المكونات التي كان يجمعها قانون واحد.
قبل أيام، وقع صديق لي في مشكلة، معاصرة، ملخصها، أنه طلق زوجته، التي كانت “زعلانة” في بيت أهلها، بإرسال “مسج” لها عبر المحمول يقول لها :”أنت طالق”، ثم أخذ يسأل، بعد أن هدأ روعه عن الحكم الشرعي، من هذا الطلاق : هل يقع، أم لا؟، وكانت إجتهادات في هذا الموضوع، فمنهم من قال : أنه لايقع، مشترطاً اللفظ، ومنهم من أوقعه بناءً على النية، وهكذا إختلفت الآراء في مسألة مستجدة، كنت أتمنى من وزير العدل لوناقش مثل هذه المسائل، بدلاً من إقحام نفسه في قضية تتناقض تماماً مع المهمة التي تضطلع بها وزارته، في أن تكون حريصة على بناء دولة القانون، التي تمثل الجميع وليس مكوناً واحداً.
المشكلة، في القانون “الشمري” لاتنحصر في تنظيم أحوال البيت الشيعي، ولاتصطدم بالمكون السني فقط، وإنما تتعداهما الى الديانات الأخرى، من حيث المواريث، والزواج، والحضانة، وغيرها، وبالتالي تتقاطع هذه الأحكام مع الدستور والمواثيق الدولية التي وقع عليها العراق.
نذكر السيد الشمري، أن وزارة العدل، التي تبنت قانون الأحوال الشخصية، النافذ رقم188 لسنة 1959 ، أدركت أن تعدد مصادر القضاء واختلاف الاحكام يجعل حياة العائلة غير مستقرة وحقوق الفرد غير مضمونة مادفعها الى التفكير بوضع قانون يجمع اهم الاحكام الشرعية المتفق عليها، مثلما يجمع العراقيين على قانون واحد، ينظم أحوالهم الشخصية من دون تنازع أو إختلاف، لكن يبدو أن وزارة العدل في عهد”الشمري، لها موقف مغاير، ربما يدفعها الى ذلك: الإنتخابات، أو إرضاء جهة ما، أو التعلق بمادة دستورية خلافية، أياً تكون الغاية، فإنها لاتستحق أن نمزق النسيج المجتمعي من أجلها، والهرولة نحو دولة الطوائف، في وقت تذوب هذه المسميات في الدول المتحضرة التي تسعى الى ترصين بنائها على أسس المواطنة التي تجمع ولاتفرق. 

أحدث المقالات

أحدث المقالات