23 نوفمبر، 2024 12:49 ص
Search
Close this search box.

الشركات الخاصة للخدمات العسكرية: الماهية ومنطويات الدلالة

الشركات الخاصة للخدمات العسكرية: الماهية ومنطويات الدلالة

للطغيان والاستبداد والديكتاتورية؛ طريق واحد، وكي يستمر هذا الطغيان.. بمفاعيله على هذا الطريق، وتتعمق وتتوسع وتتجذر هذه المفاعيل؛ فهو بحاجة إلى أرضية صلبة ومستوية، وصالح للسير في طريقها بأمان واستقرار في الحركة مهما كانت سرعتها، وهو بحاجة أيضا لمصدات تمنع أو تتصدى للانحراف عن هذا الطريق. إن الطغيان والاستبداد، لا ينحصران فقط بدول العالم الثالث، كما يروج له في الإعلام الغربي وغير الغربي من إعلام الدول العظمى والكبرى، بل إن هذه الدول تمارس الطغيان والاستبداد والديكتاتورية أيضا، ولكن بطريقة مختلفة تماما من حيث المكان ونوعية شرائح المجتمع التي تتعرض لهذا الطغيان.. ومن حيث النية في مبتدأ الحركة والغايات النهائية لأهدافها.
من المهم الإشارة هنا إلى أن الطغيان والاستبداد لا يولدان من فراغ حكما، إنما يجب أن تكون هناك أرضية وبيئة ينموان ويتطوران فيها. على الوجه الحصري في هذا الاتجاه؛ دول العالم الثالث وفي مقدمته؛ دول وأنظمة المنطقة العربية، ففي الأنظمة البديلة عن الأنظمة الديكتاتورية التي اختفت تماما في العقد أو في العقدين الأخيرين؛ تم ويتم تأسيس قوات موازية للجيش الرسمي، يختلف عنه من حيث الولاء والتدريب والتجهيز والامتيازات. الغاية أو الهدف منه؛ هو التصدي لأية محاولة؛ لتغيير الوضع القائم، حتى لو عن طريق صناديق الاقتراع، بطريقة أو بأخرى يجري الالتفاف على هذه النتائج. أما الأنظمة التي ليست لها أية علاقة بجوهر الديمقراطية؛ فتتم الاستعانة بالقوات الموازية الموالية لها، بالتصدي لأي محاولة لقلب النظام من الجيش، أو من وحدات معينة من الجيش ولقادتها الذين يطمحون للسلطة؛ كما حدث في ثورات (الربيع العربي)؛ فقد تم الالتفاف على ثورة الثوار، وسرقتها، وتربع النظام الجديد المولود من رحم النظام القديم على عرش النظام المنهار. بالعودة إلى أصل المقال أو إلى عنوان المقال ألا وهو الشركات الخاصة بالخدمات العسكرية؛ فإن الدولتين العظميين أمريكا وروسيا تقومان بتأسيس، أو أنهما فعلا أسستا ومن سنوات ليست قليلة؛ شركات خاصة بالخدمات العسكرية، تعمل في الأعم الأغلب، خارج حدودهما الجغرافية؛ في افريقيا وفي المنطقة العربية وفي غيرهما، إن دعت الحاجة لذلك، مرة لدعم عمليات الغزو والاحتلال، ومرة لدعم أنظمة ديكتاتورية ومستبدة وطاغية في افريقيا، أو في المنطقة العربية أو في غيرهما، ومرات أخرى بما تفرضه ثورات الناس على الطغيان والاستبداد والديكتاتورية؛ بالتراجع ومن ثم الانهيار والسقوط؛ بإنتاج بدائل في الميدان من صلب الثورات ومن خارجها في آن واحد؛ من خلال رفع شعارات الثورات بأذرع وافواه وبنادق تدافع عن ثورات الثوار العرب على طريق نوايا مسبقة مضادة؛ تنتهي بتشويه الثورات، وخلط الأوراق، وتداخل الخنادق، وبالتالي تحويلها إلى إرهاب يستوجب حشد العالم ضده والقضاء عليه، وما أقصده هنا هو ثورات (الربيع العربي). روسيا استعانت بقوات فاغنر التي تم تأسيسها في عام 2014 بأمر من بوتين، شاركت هذه القوات في غزو أوكرانيا وفي دعم النظام السوري وفي دعم أنظمة موالية لروسيا في افريقيا، أو أن روسيا بوتين تريد لها أي للأنظمة في افريقيا أن تكون مستقبلا موالية لها. أمريكا هي الأكثر ومنذ سنوات، أو منذ عدة عقود قامت بتأسيس شركات خاصة بالعمليات القتالية العسكرية، وفي الحقيقة هي لخدمة أهداف أمريكا في جميع أرجاء العالم، خاصة في الوطن العربي. فقد شاركت قوات بلاك ووتر القوات الأمريكية في غزو واحتلال العراق، واستمرت وربما إلى الآن، تحت أغطية مغايرة لأصلها وعنوانها؛ بحماية قوات الاحتلال الأمريكي على أرض العراق. عندما أقول إن الطغيان والاستبداد.. موجود حتى في الدول العظمى والكبرى وبقية الدول المتقدمة؛ أستند في هذا إلى حقائق واقعية وموضوعية، وإن اختفت تحت أغطية حرية الفرد وحرية الكلمة إلى أبعد فضاء من فضاءات الحرية، وأيضا إرادة الشعب في اختيار من يمثله في حكومة وبرلمان منتخب، وفي الوقت ذاته فإن هذه الحقائق الواقعية والموضوعية، هي أيضا من حيث سيرورتها والنتائج التي تولدها هذه السيرورة؛ حقائق كاذبة ومخادعة. من ناحية حرية الفرد في الغرب المتقدم، وفي الدول الأخرى العظمى والكبرى؛ هي حرية كاملة، ولكنها في الوقت عينه؛ حرية منقوصة أو مستلبة بإرادة الفرد ذاته من غير ضغط مباشر، جل المجتمع الغربي والأمريكي وحتى الروسي؛ يعيش على الهامش، ليس بمعنى العيش تحت سطوة الفقر، بل خارج دوائر صناعة المعرفة والإعلام وصناعة الرأي العام؛ بسبب ضعف دخل الفرد، الذي يجعله مرغما؛ على الابتعاد عن موارد صناعة الذات المبصرة والمتحسسة للظلم والقهر. وهنا أتحدث عن الأغلبية المهمشة، التي حتما فيها أقلية تبذل جهدا مضنيا لتنتقل من هذا الوضع إلى وضع آخر؛ وتستنهض قواها لتكون ذاتا فاعلة؛ وجودا ورأيا. هذه الشرائح المجتمعية تشكل القسم الأكبر من المجتمع الغربي والأمريكي وغيرهما في الدول الأخرى المتقدمة، وهي أيضا مستهدفة إعلاميا لجهة صناعة الرأي العام، خلال الانتخابات سواء الرئاسية أو البرلمانية، إذ تجري مخاطبتها بما يلبي حاجاتها المعيشية الآنية؛ وبما يؤدي إلى فوز هذا الحزب أو ذلك، هذه الشخصية أو تلك، بصرف النظر عن برامجها التكتيكية والاستراتيجية، غير المعلن عنها في أغلب الأوقات، والتي هي ضد المصالح بعيدة الأمد للشرائح المجتمعية في المجتمع الغربي والأمريكي وغيرهما. هذا هو ما يفسر لنا؛ كيف أن حزبين في أمريكا يتناوبان على رئاسة الإدارة الأمريكية، بلا منازع أو منافس جدي لهما، وهذا ينطبق تماما على بقية الدول الغربية. مع أن الساحة السياسية في أمريكا وفي الغرب تضج بعشرات الأحزاب والقوى السياسية. هذا المجتمع المهمش كي يكون له وجود؛ يتحول، ربما، مرغما إلى مقاتل مأجور في صفوف الشركات الخاصة للخدمات العسكرية. إن وجود الشركات الخاصة للخدمات العسكرية والقتال؛ هي نتاج مجتمع غير عادل من جانب، أما من الجانب الثاني؛ فهو انحدار لا إنساني في توظيف البشر ليكونوا أدوات للقتل. أما من الجانب الثالث فهذه الشركات هي لتنفيذ خطط الدولة التي تؤجرها، أو تتعاقد معها على القتال لذبح الناس في دول وشعوب خارج جغرافيتها؛ من أجل الهيمنة والاستغلال والنهب؛ ودعم وتنصيب التابعين لها في جهات العالم كافة. إن السياسة الاستعمارية، وإن اختفت ظاهريا تحت براقع كاذبة ومخادعة؛ من قبيل نشر الديمقراطية والمحافظة على حياة الناس وحقهم في العيش بكرامة وأمن وأمان؛ دمرت الدول والشعوب في المنطقة العربية، وفي غيرها من دول العالم الثالث؛ ودفعت بالملايين إلى الهجرة وترك أوطانهم بحثا عن الحياة الحرة والكريمة والآمنة، ليموت قسم ليس قليلا منهم في أعماق البحر، أو تتم إعادة القسم الآخر قسرا في بعض الحالات إلى أوطانهم التي هربوا من النيران المشتعلة فيها، أو احتجازهم مؤقتا في ما يشبه الأقفاص البائسة، حتى يتم بسط السلام في أوطانهم، وفي أوضاع أخرى عند الحاجة لهم كقوى عمل؛ يتم قبولهم للعيش في الغرب المتقدم، كما حدث في ألمانيا قبل سنوات، لكن هناك جانبا آخر، وهو الجانب الأكثر خطورة والأكثر لاإنسانية؛ يتم تجنيدهم كمقاتلين في الشركات الخاصة بالخدمات العسكرية؛ لخوض حروب، هي أصلا ليست حروبهم، بل هي التي شردتهم وحرمتهم من الحياة الحرة والكريمة، وحرفت ثوراتهم عن خط مسارها وأهدافها. هذه الشركات التي ربما في وقت ما أو تحت ظرف ما، كما جرى قبل عقود، وكما يجري في الوقت الحاضر؛ تقاتل تنفيذا لأهداف (دول الإمبريالية الكونية المتوحشة..) التي تعاقدت معها، ليقاتل أفرادها في الدول التي هربوا منها طلبا للعيش الكريم والأمن؛ دعما لأنظمة الاستبداد التي مزقت وطنهم وأفقرته، وزجت بهم في التيه والضياع، أو تعمل هذه الشركات لإزاحة هذا النظام أو ذلك النظام والإتيان بنظام آخر بديل لا يختلف عن المزاح قيد شعرة؛ الاختلاف الوحيد؛ هو أن النظام الذي يراد له أن يكون خارج السلطة؛ مواليا لتلك الدولة على عكس النظام البديل الذي يكون حكما مواليا لهذه الدولة، صاحبة الشركة الخاصة بالعمليات العسكرية.

أحدث المقالات

أحدث المقالات