قال لي ان والدته تفرض على المنزل حالة من منع التجوال بين قنوات التلفزة المختلفة عندما يحين موعد برنامج عمار الوائلي (حسجة اونلاين) من على قناة افاق .. ضحكت وقلت للصديق .. اذن لا لبرنامج حسجة اونلاين .. حاول ان تلهي الاهل عن الموعد ..نظر اليّ وقال : والله يا اخي صرت من المدمنين على البرنامج انا الاخر ..
لم افهم كلامه وتوقعت انه رفع الراية البيضاء امام اصرار والدته على فرض منع التنقل بين القنوات عند بث البرنامج .. لم افكر بالامر كثيرا .. وقبل ايام تناهى الى مسمعي لهجة جنوبية من على التلفاز .. خرجت من غرفة النوم لاجد اهلي كلهم جالسون حول الجهاز وكأن المتحدث (قصخون) والكل يستمع اليه وعلى رؤوسهم الطير..
– ها شنو القصة؟
اجابني ابني الاكبر: بابا الله عليك اجلس واحضر معنا البرنامج .. لا يفوتك ..
جلست .. واستمعت .. وفهمت سبب قيام الحجية ام صديقي بفرض احكام عرفية وقت عرض حسجة اونلاين .. فالبرنامج لا يترك لك الخيار في ان تتحول عنه لحين ان تفرغ ما في صدرك من هم وغم على مجمل الاوضاع التي نعيشها كعراقيين اليوم .. نعم انت الذي تفرغ ما في صدرك عبر كلام عمار الوائلي وليس العكس .. فكل ما يقوله هو ما نردده مع انفسنا .. الانتخابات .. الارهاب .. انتظارنا الطويل لتعديل الحال .. الخدمات .. الرشاوى .. كلها امور تدور في صدورنا ولا نسمع من يتحدث عنها وحولها بهذه الصراحة البسيطة المحببة ..
والحسجة كما نعرفها هي الآلية العجيبة التي نستخدمها في حواراتنا إذا ما أردنا إيصال معنى ما بطريقة تلميحية بليغة، والمقصود بـها تحديدا هو استعمال التورية والتلميح لمعنى يبدو خارج السياق لكن ما ان تتمعن في علاقته بالحوار والمحاور حتى تكتشف انّه يقع في الصميم.
وهذا ما يكرره الوائلي في برنامجه والذي جذبني من ياقتي الى الكومبيوتر .. حيث دلني ولدي الى قناة افاق .. وهناك علمت ايضا ان القناة على وسعها قد استفتت وقالت ان البرنامج هذا هو الاكثر مشاهدة بين الناس .. وحقيقة لا الومهم ابدا ..
**
في الحلقة الاولى التي شاهدتها لحسجة اونلاين .. تحدث عمار الوائلي عن احد الشخوص التي اوجدها هو على ما يبدو ليوصل لنا فكرة ما يريده .. انها شخصية لعيبي وزوجته زايرة حواطة .. وفي حوار مبسط ما بين الاثنين يضعنا ابن الوائلي على سكة الانتخابات ووعود البرلمانيين وصحوة ضمائرهم بصورة مفاجئة مع اقتراب الانتخابات النيابية ..
يقول ان هذه الفترة هي فترة شهر العسل ما بين المواطن والنائب .. حيث تكثر الوعود من جانب البرلماني ويعملون فعلا كنواب لتسيير امور الشعب لشهر واحد فقط لا غير من مجموع كل اشهر السنوات الاربع المنصرمة ..
ويتمنى عمار على لسان لعيبي ان تقوم الدولة بانتخابات نيابية كل شهر لكي يلتزم البرلمانيين بدواماتهم وبوعودهم .. ففترة الاربع سنوات تنسي البرلماني واجبه الاول اتجاه المواطن
ثم يستدرك الوائلي قائلا : ما ان تنتهي الانتخابات حتى تتغير ارقام تلفونات النواب كلها ..
ويتم الاتفاق مع حداد لغرض عمل اقنعة من مادة التشينكو.. اما طلبات التعيين والشكاوى وسائر المظلوميات التي قدمها الناس للنائب فلو كان لدينا معمل لتدوير الورق لكفت الاوراق عمله لمدة عام .. ولكن والحال هذا ..ستبطن تلك الطلبات سلال القمامة والنفايات ..
**
وضعني عمار الوائلي ببرنامجه امام قضية الترويج الانتخابي والاحتيال والخداع، والذي أصبح مادة شهية تغري القوائم والكتل السياسية الكبيرة بالاعتماد الكلي عليها، في العزف على أوتار الوعود المعسولة للناخبين، بهدف شراء أصواتهم، والتي ستدر منافع ومكاسب انتخابية عالية، قد تحقق النصر المطلوب،
وهي وعود معسولة، جوفاء ووهمية، وتعتمد على الاحتيال والغش بهدف الحصول على مكاسب انتخابية، فبدلا من أن تكون الحملات الإعلامية والانتخابية، فرصة ثمينة لاستعراض البرنامج الانتخابي للرأي العام صارت كلها مصائد من عسل وحلو الكلام ..
وذكرتني كلمات عمار الوائلي ببرامج انتخابية وشعارات رفعها المرشحون في حملتهم الانتخابية الأخيرة لعام 2010، خطط ومشاريع وأهداف نحو التغيير والرفاهية التي ينشدها المواطن، مساكن وُزعت وبطالةٌ انتهت ومشاريع أُنجزت وحقوقٌ أُعيدت ووعود بتغيير نحو حياة أفضل ينعم فيها الجميع بالخدمات المتكاملة والرفاهية ولراحة والاستقرار.. وكل ذلك ليس من الوقع، انما كان من ضمن الشعارات التي رفعها بعض المرشحين من أجل استمالة الناخب والظفر بصوته القيّم في هذه المرحلة بالذات، أما البعض الآخر فقد فضّل السكوت وخوض هذه الانتخابات بصمت تاركاً عمله للخطط التي سيقررها فيما بعد أصحاب القرار والتمويل في المستويات العليا من وجهة نظره التي ترى ان كل شيء سيأتي بالتدريج فلا داعي للوعود والشعارات البراقة والتي من الممكن إن لا تُنفذ كسابقاتها
اما الرابح الاكبر في العملية الانتخابية قبل وصول النائب الى مقعده في البرلمان وقبل انفضاض مجالس الامل التي يعقدها بعض البسطاء على كلام النواب الذي يشبه الشمع الذي تشرق عليه اشعة الشمس فهم الخطاطين في عموم العراق .. فهم من سيستفيد من خط اللافتات ورسم الشعارات .. والكل يعرف مصير كل شيء .. اما انا .. فادعوكم ان تمنعوا هذا البرنامج عن تلفزيونات منازلكم .. فحسجة عمار الوائلي تؤدي الى الادمان ..
وان لم تصدقوني .. فتابعوا هذه الحلقة على الرابط التالي.. وكل قرص فوار وانتم بخير
https://www.youtube.com/watch?v=s02mrfQ0EqY