وكالات – كتابات :
كشفت تقارير صحافية بريطانية، تفاصيل جديدة تخص سّرقة أموال الأمانات الضريبية في “العراق”؛ أو ما تُعرف: بـ”سّرقة القرن”، فيما بيّنت دور حلفاء “إيران” و”أميركا” بالسّرقة.
“أكبر سّرقة في التاريخ”.. هكذا توصف عملية نهب واسّعة النطاق جرت في “العراق” بواسّطة قوى سياسية، ورغم فضح كثير من تفاصيل الجريمة التي صدمت الرأي العام العراقي، فإن المتهم الرئيس في “سّرقة القرن” العراقية أُطلق سّراحه رغم اعترافه.
عملية النهب الأسطورية؛ التي أطلق عليها: “سّرقة القرن”، استهدفت الودائع الضريبية التي دفعتها شركات نفط إلى “الهيئة العامة للضرائب”؛ في “العراق”، ويُعتقد أنه من بين المشاركين بها مسؤولون وقادة أحزاب وسياسيون كبار، حسّبما ورد في تقرير لموقع (ميدل إيست آي-Middle East Eye) البريطاني.
حكاية الحساب “60032” التي جرت عبّره “سّرقة القرن” العراقية..
تعود أصول الحكاية إلى الحساب رقم (60032) بـ”مصرف الرافدين” العراقي، هو حساب توّدع فيه ضرائب شركات النفط؛ (والشركات الأخرى العاملة في العراق)، التي تلتزم بدفع الضرائب مقدمًا عندما تحصل على عقد، حسّبما ورد في تقرير نشره موقع مجلة تقرير (الإيكونوميست-The Economist) البريطانية، أعده “نيكولاس بيلهام”، مراسلها في الشرق الأوسط.
وتحتفظ مصلحة الضرائب بهذه الودائع في الحساب دون أن تنُفقها؛ بحيث يمكن للشركات المطالبة باسّترداد جزء من أموال الضرائب إذا انتهى بها الأمر إلى تحقيق ربح أقل مما كان متوقعًا، ولكن العقبات البيروقراطية واسعة النطاق تمنع حصولها على هذه الأموال.
خصومات الضرائب التي لم تتم المطالبة بها من قبل الشركات لمدة خمس سنوات، ما أدى إلى تراكم مئات الملايين من الدولارات في الحساب (60032)، ثم في منتصف عام 2022، تسّربت معلومات بأنه تم سّحب مبالغ ضخمة من هذه الأموال.
الحكومة تلجأ لعراقي هاجر لـ”السويد” لضمان شفافية التحقيقات..
نظريًا؛ كان بإمكان وزير المالية أن يطلب من إحدى هيئات الرقابة الست في البلاد التحقيق في الأمر؛ لكن “العراق” موطن لجهات قوية، لكلٍ منها جناحها السياسي وإمبراطوريتها التجارية، وهم يُمارسّون نفوذًا واسّعًا على كل جانب من جوانب الحكومة.
الرشوة متفشية في أروقة الحكومة؛ وأولئك الذين لا يمكن شراؤهم يتعرضون للتهديد.
لذا وقع الاختيار على عراقي سويدي للقيام بهذه المهمة، وهو: “حسين قنبر آغا”، الذي فرَّ من “العراق” في عام 1992، وهو في التاسعة عشرة، بعد أن احتجزه رجال “صدام حسين” عند نقطة تفتيش.
انتقل “قنبر” إلى “السويد”؛ حيث حصل على درجة الماجستير من كلية “ستوكهولم” للاقتصاد وعمل في أحد البنوك السويدية. كان يسّير على الطريق الصحيح كرجل أعمال أوروبي حتى أطاحت “أميركا” بالنظام العراقي في عام 2003.
مثل كثيرين في الشتات؛ كان “قنبر” متحمسًا لاحتمال العيش في “عراق حر”، حسّبما زعم الأميركيون عندما غزوا البلاد بدون قرار أممي.
واستقال من وظيفته وانتقل إلى “بغداد” لإنشاء نظام الدفع بواسّطة الهاتف المحمول. لكن على مدى السنوات الخمس التالية، دمر العنف الطائفي المدينة، في النهاية عاد “قنبر” إلى “السويد”.
ولكن في عام 2021؛ عاد إلى “العراق” للعمل في مشروع إصلاح مصرفي لصالح “وكالة التنمية الدولية” الأميركية. وأثناء وجوده هناك سمع شائعات عن نهب حساب “مصلحة الضرائب” في “الرافدين”.
استجاب “حسين قنبر آغا” لطلب وزير المالية العراقي؛ بإجراء تحقيق في آب/أغسطس 2022.
عندما فحص الفريق الذي شكَّله مسّتندات المصرف؛ اكتشف أنه تم إفراغ الحساب (60032) بالكامل تقريبًا.
وتبيَّن وجود أسماء خمس شركات من المفترض أن الأموال قد تم تحويلها إليها، لم يكن أي منها شركة نفط كبيرة. في الواقع، لم يسمع بها أحد من قبل.
بدا الأمر وكأنه نهب على نطاقٍ واسع؛ ما يعني أن واحدًا على الأقل من الفصائل المسّلحة في “العراق” من المحتمل أن يكون متورطًا فيما سيُعرف بعد ذلك: بـ”سّرقة القرن”.
في تلك المرحلة؛ قال المحامون والمحاسبون لـ”قنبر” إنهم لا يُريدون أي شيء يتعلق بالتحقيق. وتبيّن له أنه إذا أراد أن يتعمق أكثر، فسيتعيّن عليه القيام بذلك بمفرده.
ولكنه واصل التحقيقات عّبر الاتصال بأشخاص يعملون داخل هذه المؤسسات، ويُريدون ببسّاطة القيام بعملهم بشكلٍ جيد.
تبيّن له أنه تم تحويل حوالي: 2.5 مليار دولار، وهو مبلغ يُعادل ميزانية الرعاية الصحية في البلاد بالكامل. وتبيّن لاحقًا أنها نُقلت في شاحنات في وضح النهار. وقد تمت الموافقة على عمليات السّحب من قِبل بعض كبار المسؤولين.
“العراق” الحديث يبدو أنه للوهلة الأولى بلد ديمقراطي لديه مؤسسات “هيئة النزاهة العامة”، و”مجلس القضاء الأعلى”، ولجنة الأخلاقيات البرلمانية، لكنه وصف مسؤول سابق “العراق”؛ بأنه: “أرض العصابات”. غالبًا ما تُستخدم المؤسسات التي يجب أن تُحافظ على المساءلة لاستهداف الخصوم فقط.
ويُقدر المسؤولون بأن كمية الأموال التي اختفت من الخزانة العامة منذ عام 2003؛ تتجاوز: 300 مليار دولار، حسّبما ورد في تقرير (الإيكونوميست-The Economist).
وجزء من سبب الحجم الاستثنائي للفساد هو نظام تقاسّم السلطة الذي أدخله الأميركيون في عام 2003. المخطّط، الذي حلم به المنفيون، بينما كان “صدام حسين” لا يزال في السلطة، قسّم مؤسسات الدولة بين الأحزاب التي تدعي تمثيل كلٍ منها من المجموعات الدينية والعرقية الرئيسة في “العراق”، وأي محاولة للمسّاس بهذه الأحزاب تُصوَّر كاستهداف للطائفة في نموذج مكبر وأكثر فجاجة لنظام المحاصّصة اللبناني.
“سّرقة القرن” العراقية..
بعد الإطاحة بـ”صدام”؛ نُهبّت هذه الجماعات موارد البلاد، ونُشرت المحسّوبية، حيث وزع رؤساء الأحزاب، وكثير منهم ينتمون إلى الميليشيات، الوزارات المربحة فيما بينهم.
الإثراء ليس العامل الوحيد المحفز في تخريب السياسة بـ”العراق”.. لا تزال الإيديولوجيا مهمة.
قوتان كبيرتان – إيران وأميركا – تُسّيطران على “العراق”، وتنافسهما في الحقيقة يؤجج نظام المحاصّصة.
“مصطفى الكاظمي”؛ رئيس الوزراء في وقت تعيّين “قنبر”، كان في معسكر الغرب: كان يعيش في “بريطانيا” وحافظ على علاقات جيدة مع “وكالة المخابرات المركزية”؛ منذ أن كان رئيسًا للمخابرات العراقية، ولكن مثل كثيرين من النخب العراقية يمتلك “الكاظمي” عقارات في “لندن”.
تولى “الكاظمي” السلطة في إطار محاولة من القوى السياسية لتهدئة الاحتجاجات الواسعة على الفساد؛ عام 2019، لكنه واجه تحالفًا من الأحزاب سياسية.
كان التوتر قد تصاعد لعدة أشهر بحلول الوقت الذي ظهرت فيه مؤشرات “سّرقة القرن”.
نجا “الكاظمي” من ثلاث محاولات اغتيال، بما في ذلك هجوم على منزله بواسّطة طائرة بدون طيار محملة بالمتفجرات؛ في تشرين ثان/نوفمبر 2021.
بحلول صيف عام 2022؛ كان التحالف البرلماني الداعم لـ”الكاظمي” يتفكك، ما يعني أن تحالف السياسي الذي يُكن العداء له، كان في وضع يسمح له بتعيّين رئيس وزراء جديد.
وكان من المعروف أن مكتب الضرائب يخضع لسّيطرة تحالف سياسي معين، ومن المحتمل أن تؤدي فضيحة كهذه إلى تقويضه، ما يمنح “الكاظمي” ووزراءه فرصة للبقاء السياسي.
وحثَّ وزير مالية “الكاظمي”؛ “قنبر”، على العمل بسرعة كبيرة، وكان يتصل به عدة مرات في اليوم للتحقق من تقدمه.
ولم يكن “قنبر” بحاجة فقط لإنهاء التقرير قبل حدوث ذلك، بل كان عليه أيضًا تقديم أدلة وثائقية كافية، بحيث لا يستطيع أكثر النواب العراقيين حزبية تجاهله.
قبل ساعات من التصويت على سّحب الثقة؛ تم تسّليم التقرير إلى رئيس “مجلس النواب” و”هيئة النزاهة العامة” ورئيس الوزراء؛ “الكاظمي”. وجاء في البيان: “هذه الشركات النفطية الخمس ليس لديها ودائع ضريبية، وليس لديها توكيل رسّمي من أي طرف ثالث لسّحب الودائع الضريبية.. السّحوبات لا يمكن تبريرها بأي شكل من الأشكال”. وذكرت أسماء أصحاب خمس شركات عملت كواجهة: اثنتان منها تم تسّجيلهما لرجل يُدعى: “نور زهير”.
العراقيون اعتادوا على الفساد.. ولكن حجم السرقة صدمهم !
لقد اعتاد العراقيون على فضائح الفساد؛ لكن حجم هذه السّرقة ووقاحتها صدمتهم. ونشرت القنوات الإخبارية العراقية، ليلاً ونهارًا، تغطية لما سمّته: “سّرقة القرن”.
وعاد “قنبر” إلى “السويد”، خوفًا من استهدافه من قِبل أنصار بعض القوى السياسية.
كان “عمر زهير” يبلغ من العمر: (41 عامًا)؛ عندما تم القبض عليه، كان العراقيون يُشّبهونه بإمبراطور الكوكايين الكولومبي؛ “بابلو إسكوبار”.
وذكر تقرير “قنبر” أن رجلَي أعمال آخرَين متلقيان لأموال مصلحة الضرائب؛ لكن “زهير” كان الشخص الوحيد الذي تحدث عنه الناس.
جاء “زهير” من “البصرة”، وهي محافظة ذات أغلبية شيعية في جنوب “العراق”.
لفهم نفوذ “زهير” تُجدر الملاحظة أنه لإصدار شيكات كبيرة من “مصلحة الضرائب” تطلب توقيعات: 12 مسؤولاً مختلفًا على الأقل. غالبًا ما كانت العملية تسّتغرق أسابيع، لكن “زهير” حصل عليها في جزء بسّيط من ذلك الوقت. وبحسّب اثنين من الموظفين العاملين هناك، فإن “زهير” قام بنفسه بالتملق والرشوة والتهديد للموظفين في مصلحة الضرائب لتسّريع وتيرة العمليات الثقيلة.
وكانت هناك تأخيرات أخرى أمام عملية النهب، كان من المفترض أن يمنح “مجلس التدقيق الأعلى”، وهو هيئة رقابة كانت مُلتزمة بشكلٍ معقول بالمعايير العراقية، الإذن قبل أن تُصدر “مصلحة الضرائب” شيكات كبيرة. في صيف عام 2021، طلب مسؤول كبير إعفاء “مجلس التدقيق” من هذه المسؤولية.
إن سّحب ونقل: 2.5 مليار دولار نقدًا في أقل من عام سيكون تحديًا لوجيستياً في أي بلد، ولكن “زهير” حوَّل، على مدار عام، “مصرف الرافدين” الحكومي المتصّلب إلى نموذج للكفاءة.
وقال مسؤول في أحد المصارف الحكومية؛ لـ (الإيكونوميست)، إن المصرف يُعالج عادة حوالي ملياري دينار عراقي في اليوم. في يوم واحد خلال السّرقة، ارتفع هذا الرقم إلى: 40 مليارًا.
ليس من الواضح ما الذي حدث للمال التالي. يبدو أن بعضه قد تم إنفاقه في “العراق”.
وتحدث العديد من السياسيين والمسؤولين؛ لـ (الإيكونوميست)، عن مجموعة من العقارات التي اعتقدوا أن “نور زهير” اشتراها في “حي المنصور” الفاخر، حيث كان يعيش. لكن معظم الأموال، وفقًا لمسؤولين أمنيّين سابقين، تم تحويلها إلى دولارات وأُخذت إلى الخارج.
كيف خرجت الأموال من المطار ؟
تصدير حقائب مليئة بالدولارات عبر “مطار بغداد” كان يجب أن يكون صعبًا.
وقال مصدر عراقي؛ إن “زهير” استخدم طريقتين للمرور، إحداهما من خلال صالة المطار التابعة لـ”وكالة المخابرات العراقية”، والطريقة الثانية هي من خلال بوابة مغلقة في الجدار المحيط، حيث عادة ما تدخل الأحمال الثقيلة، ثم تحمل الأموال عبر طائرة “زهير” الخاصة.
وبحسّب تقرير برلماني؛ قام “زهير” بأكثر من: 20 رحلة إلى الخارج في عامَي: 2021 و2022.
كانت الثرثرة بين النخبة العراقية بأن الكثير من أموال السّرقة انتهى بها المطاف في العاصمة الأردنية؛ “عّمان”.
وقال ضابط مخابرات سابق؛ لـ (الإيكونوميست)، إنه عندما علم “زهير” بتحقيق “قنبر”، عرض على وزير المالية، عبر وسّيط، عشرات الملايين من الدولارات مقابل التخلي عن التحقيق. نفى “عبدالجبار” أي اتصال مباشر أو غير مباشر مع “زهير”.
وبعد أن تم تسّليم التقرير؛ تلقى “زهير” بلاغًا بأنه كان على وشك إلقاء القبض عليه، هرع إلى المطار حيث كانت طائرته تنتظر. لكن قبل أن ينطلق، اقتحمت قوات الأمن الطائرة واعتقلته.
وترددت شائعات عن نقل “زهير” من سجن المطار إلى مركز احتجاز: “كبار الشخصيات”، مع حوض سباحة، رغم أن السلطات القضائية تنفي ذلك.
رئيس الوزراء الجديد “محمد السوداني” يتعهد بالتحقيق في القضية..
وبعد فترة وجيزة من اعتقال “زهير”؛ تمت الإطاحة بـ”الكاظمي” من منصب رئيس الوزراء. عيّن “محمد شيّاع السوداني” لقيادة الحكومة.
علنًا؛ تبنى “السوداني” تحقيق “قنبر”، ووعد بأنه لن يسّلم أحد من القانون.
بعد شهر من توليه السلطة؛ عقد مؤتمرًا صحافيًا وبجواره كومتين من الأموال التي قال إنها مسّتردة، وأعلن منتصرًا أنه استعاد نحو: 40 مليار ديناري عراقي؛ (نحو 125 مليون دولار)، من “زهير”.
ولكن بعد ذلك بوقتٍ قصير؛ أطلق سّراح “زهير” بكفالة لمدة أسبوعين. وقال مسؤولون إن هذا كان لمسّاعدة السلطات على اسّترداد المزيد من الأموال. بعد شهور كان لا يزال “زهير” طليقًا.
لكن “زهير” تم إلغاء تجمّيد أمواله، وفي نيسان/إبريل 2023، قامت المحاكم بإلغاء تجمّيد أصوله.
“فائق زيدان”؛ رئيس “مجلس القضاء الأعلى”، قال لـ (الإيكونوميست)، إن “زهير” سُمح له بالسفر حتى يتمكن من تصفية أصوله في الخارج وتسّديد أموال الدولة العراقية. يبدو أن هذا قد أدى بالفعل إلى اسّترداد حوالي: 270 مليون دولار.
كان لدى المسؤولين العراقيين الحاليين والسابقين تفسّير آخر لقرار إطلاق سّراح المشّتبه به الرئيس في السّرقة. قال أحدهم: “كان زهير مجرد دمية”.
سّرعان ما بدأت حكومة “السوداني” في أخذ القضية في اتجاه جديد. بدا أن المسؤولين حولوا تركيزهم بعيدًا عن “زهير”، وبدلاً من ذلك أصدروا أوامر بالقبض على الأشخاص المتورطين في فضحه.
قبل أيام؛ أعلن “العراق” أنه يعتزم مطالبة (الإنتربول) بإصدار تنبيّهات دولية للقبض على مسؤولين كبار سابقين بينهم وزير مالية سابق ورئيس استخبارات سابق للاشتباه في سّرقة أكثر من: 2.5 مليار دولار من مفوضية الضرائب في البلاد.
وقال كبير مسؤولي مكافحة الفساد في “العراق”، رئيس هيئة النزاهة؛ القاضي “حيدر حنون”، الذي عينه “السوداني”، إن القضاء سيطلب أيضًا إصدار إخطارات للسكرتير الخاص والمستشار السياسي لرئيس الوزراء السابق؛ “مصطفى الكاظمي”.
ونفى “الكاظمي”، ووزير المالية السابق؛ “علي علاوي”، ضلوعهما في الفساد المزعوم.
واعترف “زهير” بالحصول على مساعدة من كبار الشخصيات في الإدارة السابقة.
هل هناك علاقة لـ”الكاظمي” بالقضية ؟
وبصرف النظر عن التحريض المحتمل لأسباب سياسية من قبل حكومة “السوداني” ضد رئيس الوزراء السابق؛ “الكاظمي”، القريب للغرب، يُثير كاتب تقرير (الإيكونوميست) تساؤلات حول علاقة “الكاظمي” بالقضية.
منها التساؤل حول دوره فيما يتعلق بالرحلات الجوية التي نقلت الأموال، حيث يقع “مطار بغداد” مباشرة تحت سلطة رئيس الوزراء.
وعلى الرُغم من حظر السفر من الناحية الرسّمية لتورطه المزعوم في عملية احتيال سابقة، فقد طار “زهير” بحرية داخل وخارج البلاد خلال الفترة التي تم فيها سّحب الأموال من بنك “الرافدين”.. يتساءل تقرير (الإيكونوميست): كيف سمح “الكاظمي” بحدوث ذلك ؟
وكان “الكاظمي” رئيسًا لجهاز المخابرات في البلاد أيضًا. ولذا لا بد أنه كان يتمتع ببعض القوة، ولديه على الأقل فكرة عما يجري.
التقى كاتب تقرير (الإيكونوميست)؛ بـ”الكاظمي”، في “بريطانيا”؛ التي انتقل إليها حفاظًا على سلامته، قدم “الكاظمي” نفسه على أنه ضحية سّلبية للظروف.
سأله كاتب التقرير: ألم يُمهد رجاله الأمنيون طريق “زهير” عّبر المطار ؟.. تهرب “الكاظمي” من السؤال. أجاب: “علينا أولاً أن ننظر إلى مسؤولي البنوك”.
كما سّعى إلى التقليل من حجم السّرقة مقارنة بمئات المليارات التي خسّرها “العراق” جراء الفساد منذ عام 2003.
يقول كاتب تقرير (الإيكونوميست) إن سياسيًا عراقيًا قال له قصة غريبة مفادها أنه كان يحتاج للعلاج في الخارج، وعرض عليه “الكاظمي”؛ في آيار/مايو 2022، مقعدًا على متن طائرة خاصة تحت تصرفه. عندما صّعد السياسي، تفاجأ باكتشاف بطل “سّرقة القرن”؛ “زهير”، في الطائرة.
وقال مصدر لكاتب التقرير؛ إن الطائرة أنزلت السياسي في “عمّان”، وتوجه بـ”زهير” إلى “بيروت”. ورد “الكاظمي” بنفي قاطع لهذا الادعاء الذي قال إنه: “لا أساس له”.
هل تعاون حلفاء “إيران” و”أميركا” رُغم خلافاتها في “سّرقة القرن” ؟
لا بدَّ أن “زهير” قد تلقى مساعدة على أعلى المستويات للقيام بهذه السّرقة الهائلة. يُصّر الفصيلان الرئيسيان المتنافسان في “العراق”؛ (تيار سياسي وتحالف الكاظمي)، على أن “زهير” تابع للآخر.
ولكن يتساءل كاتب تقرير (الإيكونوميست): لماذا لا يكون للاعبين من كلا الجانبين مصلحة في العملية ؟
وقال “ساجد جياد”؛ المحلل السياسي، إنه يعتقد أن: “سبعة فصائل من مختلف الأطياف قد جنّت أرباحًا من سّرقة القرن العراقية، من بينهم مدعومون من إيران، وآخرون من الولايات المتحدة، ومؤيدون للوضع الراهن – فكل جهات تسّتفيد من الفساد.. إنهم يُقاتل بعضهم بعضًا في العلن، لكنهم يعملون معًا لإثراء أنفسهم، بغض النظر عن المواقف السياسية والإيديولوجية”.
الرجل الذي فضح السّرقة تدور حوله علامات استفهام !
يقول كاتب تقرير (الإيكونوميست)؛ في ظل غموض السياسة العراقية، بدا أن “قنبر”؛ المحقق السويدي العراقي، دومًا منارة للوضوح، ولكن مع التعمق في القضية أحس بأنه غامض أحيانًا.
وأردف قائلاً: “ثم ظهرت رسالة بريد إلكتروني مزعجة في صندوق الوارد الخاص بي. قام باحث عراقي في واشنطن بتجميع ملف قصير لمواد عن الكاظمي وقنبر وآخرين. يزعم أنهم كانوا جزءًا من شبكة (مكّنت) من سّرقة القرن. وفقًا للملف، لم يكن قنبر غريبًا تمامًا عن هذه الشبكة، كان زوج والدته هو معلم الكاظمي”. وأشار الملف إلى أن “قنبر” لعب دورًا في تعيّين المدير العام لـ”مصرف الرافدين” قبل وقتس قصير من “سّرقة القرن”.
يقول كاتب تقرير (الإيكونوميست): عندما طرحت المزاعم التي تم تداولها على “قنبر”، رفضها ووصفها بأنها: “خيالية”.
ومع ذلك اتضح أن البعض كان صحيحًا. واعترف “قنبر” أنه يعرف “الكاظمي” جيدًا، وأقر بأنه تورط في تعييّن موظفين جُدد في “مصرف الرافدين” بعد فضيحة سابقة، لكنه لم يتخذ القرار الوحيد بشأن هذه التعييّنات.
على الرُغم من أن عبارة: “سّرقة القرن” انتشرت في وسائل التواصل الاجتماعي العراقية، فإنه لم يكن هناك الكثير من الضغط لتقديم مرتكبيّها إلى العدالة.
يبدو من غير المحتمل أن يواجه أي من المسّتفيدين الحقيقيين من السّرقة، أيًا كانوا، العدالة. إن الشعور بالذنب الذي تتمسّك به النخبة السياسية بأكملها يعني أن هناك القليل من المساءلة.