15 نوفمبر، 2024 11:50 ص
Search
Close this search box.

مع كتابات.. “مفتاح العلواني”: كل قصيدة تربيته على صدري أو مباركة لخطوتي، أو صراخ، أو ضحك

مع كتابات.. “مفتاح العلواني”: كل قصيدة تربيته على صدري أو مباركة لخطوتي، أو صراخ، أو ضحك

خاص: حاورته- سماح عادل

“مفتاح سعد العلواني” شاعر ليبي، مواليد 1984 البيضاء- ليبيا. حاصل على ليسانس قانون من جامعة عمر المختار سنة 2005. عمل معيد ومساعد باحث بكلية القانون إلى سنة 2009. ثم التحق بالمعهد العالي للقضاء في طرابلس لمدة سنتين ثم عيّن وكيلاً للنيابة العامة حيث يشغل منصب وكيل نيابة بمكتب المحامي العام بالبيضاء.

كان لنا معه هذا الحوار الشيق:

* متى بدأ شغفك بالكتابة، وكيف طورت هذا الشغف؟

– لا أتذكر تحديداً متى بدأ مشوار الكتابة لدي. لكنه كان مواكباً لمشوار القراءة الذي بدأ مبكراً، منذ بدايات المرحلة الثانوية. غير أنها كعادة أغلب الذين بدأوا مبكراً كانت بدايةً وحيدةً عادية ولم تكن تحت صنف أدبي معين.

وأعتقد أنه لا يمكن للكاتب إذا لم يكن يواصل القراءة أن يواصل الكتابة، ومن دونها أيضاً لا يمكنه أن يطور مما يكتبه، ويصقله. فالقراءة شاركت كثيراَ في نضج الكتابة عندي، خاصة وأنها لم تكن مقتصرة على نوع أدبي أو علمي معين. وأعتقد أن ذلك هو ما كان يرفع من مستوى الشغف بها.

وكما الكثيرين وقبل ظهور مواقع التواصل الافتراضية كانت تواجهني مشكلة نشر كتاباتي والاطلاع على تجارب الآخرين بكثافة أكبر، خاصة أمام محاصرة النظام السابق ومراقبته للوسط الأدبي والكتابي بصرامة، وتصعيبه لكثير من وسائل التواصل مع من هم خارج البلاد. ثم وبعد ظهور مواقع التواصل هذه حصلت انفراجة كبرى، انفراجة كان من شأنها نقلي من ضفة إلى ضفة أخرى تماماً.

وبدأت تجربتي الحقيقية تطفو على السطح، وصارت أعمالي تنشر في كثير من الصحف والمجلات المحلية والخارجية، ونشطت مشاركاتي في محافل أدبية كثيرة، وشارك كل ذلك في زيادة شغفي وامتهاني للشعر بحرفية أراها أكبر من سابقتها.

* ماذا يعني الشعر بالنسبة لك، وماذا تحقق لك كتابته على المستوى النفسي؟

– لا أعرف كيف يمكنني الإجابة بدقة عما يمثله الشعر بالنسبة لي، لكنه حقيقةً ومن غير مبالغة، هو أهم وسيلة لي، للبكاء وللفرح وللحزن وللشكوى وللوجع وللحب ولكل ما لا يمكنني قوله بشكل عادي. إنه ما ألجأ إليه حين أحسب نفسي غير قادر على الكلام. نعم، فالشعر مخرج طوارئ لي، صحيح أنه لا يمكنه شفائي تماماً من كثير من آلامي، لكنه لم يفشل مرة في مواساتي، حيث كل قصيدة هي تربيته على صدري، أو مباركة لخطوتي، أو صراخ، أو ضحك من القلب.

* الحزن ظاهر في شعرك لما؟

“الحزنُ الكامن في عمقي حزنٌ مَجهولُ الأسباب”.

كما قال “عبد العزيز جويدة”.

فالحزن يرقق القلب كما يقولون، لكنه أيضاً قد لا يكون خياراً، بقدر ما هو حالة تفرض عليك، وربما هو جلي في شعري نكايةً في كل الأوقات العصيبة التي مرت بي وعائلتي. ولفقدان أبي مبكراً، ولكثير من الأحلام التي ماتت في مهدها لعدم القدرة علي تحقيقها. وأيضاً لحال البلاد وتشظيها، ووضعها السياسي والأمني المرتبك جداً، والذي يشارك بقوة في خلق أوقات شديدة علي وعلى غيري.

كل ذلك مدعاة لتكون قصائدي ضاجة بالشكوى والأنين وربما الحنين لأيام جميلة رغم قسوتها، فأنا لا أرى للحزن إلا دورا إيجابيا في شعري، رغم أنه شعور سلبي غالباً، فهو يجعل شعري أكثر صدقاً.

* لديك بعض القصائد التي تتغزل فيها في المحبوبة نشعر وكأنها امرأة ذات مواصفات مذهلة، كيف هي صورة المرأة في شعرك؟

– المرأة مهمة، ليست في شعري فقط، بل في شعر غيري، وليست في زمن واحد بل في كل الأزمان. إنها لا غنى عنها، حبيبة كانت أو غير حبيبة، إذ هي ما تمنح في كثير من الوقت للشعر بهجته. وتخلق فيه مناخاً دافئاً، لا سيما حين يحب المرء امرأة يرى أنها بمواصفات مذهلة كما ذكرت. فإن شعره عنها سيستحيل إلى حب خالص، وربما سيبالغ في وصفها حتى يظن الآخرون أنها ليست حقيقية.

وفي العموم، تظل المرأة محوراً تاريخياً للشعر، أقيمت على شرفها أعظم القصائد، وربما الحروب أيضاً، فلن يستغني الرجل عنها، شاعراً كان أو غير شاعر.

* مفرداتك وتركيبات الجمل لديك مميزة، هل سعيت لعمل لغة خاصة بك، وهل تتردد عند كتابة الشعر في اختيار المفردات وتعدل وتصلح كثيرا؟

– عندما كتبت أولى قصائدي نصحني أديب وقاص أحبه بالقول: “لا تكن نسخة من أحد، ولا تغتر بجمهورك، واخلق شعرك الخاص. ذلك الذي عندما يقرأه الآخرون يعرفون أنه شعرك”. وهذا بالفعل ما لم يغادر ذاكرتي مما نصحت به، فحاولت بعدها أن أجعل لشعري سمته الخاصة، ولغته التي لا تحاول تقليد غيري. حتى أنني لم أجرؤ مرة على محاولة مجاراة لغة شاعر آخر كي لا أتقمصه في قصائدي، فصارت لهذه الأخيرة موسيقاها ولغتها.

هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإنني من الشعراء الذين يكتبون بهدوء وينتقون كلماتهم بحرص، وأيضاً أراجع قصائدي كثيراً وأحاول تنقيحها، فأحذف ما زاد فيها، وأغير ما كان غير لائق بها، وأبدل كلمة بكلمة، وهكذا حتى أصاب ولو ببعض الرضا عنها.

* هل فقد الشعر في مجتمعاتنا تأثيره بابتعاده عن تناول قضايا هامة تخص المجتمعات والأحداث؟

– لا أعتقد، مازال الشعر يتعاطى مع هموم الناس والوطن عند الكثيرين، وإن بدا أحياناً أنه لا يفعل، لكن الشعر مذ ظهوره وهو يؤثر. لم يمر زمن أو تذهب مرحلة دون شعر، ولم يخل من شاعر يحمل في جنباته مسؤولية تناول ما يهم بلاده وغيرها، ويحاول التخفيف من وطأة المصاب. أعرف الكثيرين الآن يفعلون، إنهم يتابعون كل القضايا بشعرهم، ولا تتنكب قصائدهم وجدان المواطن، وإن ابتعدوا قليلاً عن ذلك، فإنهم يعودون سريعاً. الشعر مهم، ولا يفقد قيمته، ولا يمكن ألا يتأثر بالأحداث المهمة سواء محلياً أو دولياً.

* هل تأثرت الثقافة في ليبيا بما يحدث داخلها من صراعات وكيف ذلك؟

– بالطبع، إنها تتجلى في كل المناحي الأدبية، شعراً ونثراً وروايةً وقصةً وغيرها. خاصة وأن الأحداث منذ ٢٠١١ وهي في ارتباك متواصل ومتزايد، مما أثر على المواطن العادي فما بالك بالمثقفين والثقافة بصفة عامة.

صدرت روايات ودواوين ومجموعات قصصية وصحف ومجلات تتناول الأحداث الليبية من حروب وصراعات وعادات وتقاليد تتحور وتتغير، خاصة أمام الانفتاح الكبير أمام ثقافات الغير فجأة، وتأثر الكثيرين به واختلاطه بما في الداخل. لا سيما أمام 42 سنة من حكم سابق، كان فيها المواطن شبه منغلق إن لم يكن منغلقا تماما عن ثقافة غيره من الشعوب.

فالآن، يمكن القول أن الفرصة صارت متاحة للكل، للعب دوره كمثقف بشكل أكبر، عبر كتاب أو مقال أو لقاء مسموع أو مرئي، وصارت الثقافة في حل وحرية أكبر لتناول كل القضايا مما كانت عليه.

* وسائل التواصل الاجتماعي وتطور الإنترنت كان لها الفضل الكبير في إتاحة الفرصة للكتاب لكي ينشروا نصوصهم ويلتقوا بقراء من مختلف البلدان، لكن بقدر المساعدة على التواجد والانتشار قد يكون لوسائل التواصل الاجتماعي سلبيات على حركة الثقافة ما هي في رأيك؟

– اعتقد أنه وإن كان لوسائل التواصل فضلاً كبيراً في اتساع رقعة النشر والكتابة داخلياً وخارجياً، إلا أن ذلك كان له دور سلبي أيضاً. حيث ساهم أيضاً في منح فرصة لنشر الركيك من النصوص بكثافة، مما ساهم حتى في رداءة الذوق الأدبي. ولا يخفى عليكم أيضاً أنه في كل مكان توجد الركاكة الأدبية وغيرها، ويوجد أيضاً من يلمعها بقصد أو من دون قصد وعن خلفية وذائقة سيئة.

فاشترك كل ذلك في تمكين الكتابة الرديئة من مزاحمة الجيد منها، وإيجاد مكانة لمدّعي الثقافة والأدب وسط هذه الوفرة الكتابية. وأنا هنا لست أدعي جودة ما أكتب، بقدر ما أرجو أن يساهم النقد الحقيقي في تنقيح الجيد من الرديء، خاصة وأن دور النقد وحسبما أرى ما زال ضعيفاً للغاية.

* بحكم عملك في سلك القضاء هل فكرت في كتابة قصص عن ما شاهدته من وقائع وحكايات؟

– أنا في العمل القضائي الآن منذ حوالي خمسة عشر سنة، وقد مر بي حقاً ما يستحق الكتابة، قصص وحكايات طريفة وحزينة وسعيدة وغيرها. وأنا بالفعل كتبت الكثير منها، ومنها ما ضمنته في مجموعة قصصية هي الآن ما تزال مخطوطاً.

وفي العموم، العمل القضائي مكان خصب للكثير من الحكايات، إنه لا يتوقف عن مفاجأتك، وفرصة جيدة لممتهنه لاقتناص كتابات كثيرة منه.

* هل النشر في ليبيا يعاني من صعوبات وهل النشر الورقي بشكل عام يعاني من مشكلات؟

– ما زال النشر في ليبيا يحاول الوقوف على قدميه بعد سنوات ماضية من الركود والمراقبة والممانعة السلطوية، وإن كان أفضل مما كان عليه قبل سنوات، لكن مازالت دور النشر قليلةً. ولا أعتقد أن المشكلة تتمثل في وجود عراقيل تواجه النشر نفسه، بقدر ما تتمثل في قلة القائمين بهذا الدور. ولكن بالنظر إلى الواقع الآن، فإن ما تبذله دور النشر في ليبيا يحسب لها، فإنها تحاول جاهدة القيام بدورها في الطباعة والنشر والترويج داخلياً وخارجياً، وهي تنجح في ذلك بجدارة وثقة وإن كان بخطى بطيئة. علما بأن النشر والإصدارات الورقية في ليبيا بعد ٢٠١١ في تزايد ملحوظ وكثيف ومتنوع.

 

* هل هناك صعود لحركة ثقافية وأدبية قوامها الشباب الليبي احكي لنا؟

– نعم، وبشكل يمكن ملاحظته بشكل جلي. حيث إن الشباب الآن يمكن القول أنهم تحصلوا على فرصة ثقافية وأدبية أكبر من سابقيهم، فقد فتح لهم الإنترنت ومواقع التواصل المجال للتواصل مع الداخل والخارج، ولنشر كتاباتهم بطرق كثيرة، والحصول على فرصهم في الترويج لإصداراتهم بشكل أوسع. وقد وفرت لهم الصحف والمجلات ودور النشر التي صار التواصل معها سهلا إمكانية النشر والكتابة والارتقاء بالثقافة، باطلاعهم على تجارب غيرهم، وثقافات الآخرين. وزاد ذلك من اتساع مداركهم وصقل ذائقتهم الأدبية التي انعكست على كتاباتهم.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة