15 نوفمبر، 2024 1:29 م
Search
Close this search box.

“نشر الكتاب”(14).. ضعف معدلات القراءة والنشر في المنطقة العربية

“نشر الكتاب”(14).. ضعف معدلات القراءة والنشر في المنطقة العربية

خاص: إعداد- سماح عادل

هناك إشارة إلى أن الأزمات والتعثر الذي يعانيه النشر الورقي قد انتشر في العالم أجمع، وليس المنطقة العربية فقط، مع التنبيه على أن المنطقة العربية كانت تعاني من ضعف في معدلات القراءة وشراء الكتب ومعدلات النشر الورقي قبل حدوث الأزمة مقارنة بالدول الأوربية والغربية. كما أن هناك تأكيد على أن صناعة النشر الورقي ستتعافي مع الانتباه للتحديات التي تواجهها ومحاولة تخطيها والاستفادة منها بشكل إيجابي.

شارك في هذا الملف كاتبات وكتاب من مختلف البلدان العربية، وكانت الأسئلة كالتالي:

1. هل تأثر النشر الورقي بالتغييرات الاقتصادية التي تحدث في العالم؟

2. هل تؤثر الأزمة التي حدثت في النشر الورقي على حركة الثقافة في المنطقة؟

3. هل يمكن اعتبار النشر الإلكتروني بديلا للنشر الورقي وماهي إشكاليات النشر الالكتروني؟

٤. هل ستتغير ثوابت كثيرة في مجال الثقافة مع تعثر النشر الورقي.

ضعف معدلات القراءة والنشر..

تقول “منيرة الشايب” الصحفية والكاتبة التونسية المقيمة في لندن: “النشر الورقي تأثر كثيرا بالتغيرات الاقتصادية لا سيما جائحة كوفيد 19، ولعل أبرز مثال على ذلك إغلاق دار الساقي، أعرق مكتبة ودار نشر عربية في لندن العام الماضي، بسبب الخسائر التي تكبدتها الدار منذ الجائحة والأزمة الاقتصادية وعدم اقتناء الناس للكتب. فقد وضعت التداعيات الاقتصادية للجائحة إضافة إلى ارتفاع تكاليف الشحن وخروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي مستقبل دار الساقي على المحك.

أسس دار الساقي للكتب صديقان من لبنان عام 1978، وكانت في وضع جيد لمليء الفراغ في سوق الكتب الإنجليزية والعربية، التي تعنى بجميع أنحاء الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في لندن، وكانت أيضا بمثابة مؤسسة ثقافية للهوية الجماعية كأول مكتبة عربية في المملكة المتحدة, وبذلك أصبحت دار الساقي للكتب مركزا ثقافيا في لندن وأوروبا, إضافة إلى كونها المكان المناسب للطلبة الانجليز الراغبين في تعلم اللغة وفهم الثقافة العربية.

وخلال هذا الوقت، احتفلت المكتبة بالتعددية الثقافية في لندن، بينما أتاحت التعريف بالكتب التي كانت محظورة في الوطن العربي وبالمؤلفين الذين واجهوا القمع في بلدانهم. لكن يبدو أن خصائص المدينة متعددة الثقافات التي جذبت الصديقين إلى لندن قبل 44 عاما قد تآكلت بسبب عقود من التقشف وارتفاع تكاليف المعيشة في المملكة المتحدة”.

وتضيف: “لا شك أن الإنترنت يلعب دورا مهما في مختلف المجالات ومجال النشر واحد منها. فالكتب الإلكترونية هي تحويل الكتب الورقية إلى كتب إلكترونية وبيعها عبر الإنترنت. ويمكن للقراء تنزيل الكتب الإلكترونية على أجهزة الكمبيوتر والهواتف المحمولة للقراءة بعد دفع رسوم معينة. إضافة إلى أن القراء لا يحتاجون للخروج لشراء الكتب، كما إن السعر منخفض نسبيا. ويمكن أيضا تقصير الوقت اللازم لنشر الكتب وتوزيعها إلى حد كبير، وذلك لضمان تلبية احتياجات القراء بفعالية, وتعتبر رسوم النشر أقل نسبيا. فثلثي سكان المملكة المتحدة مثلا يقللون من الأشياء غير الأساسية, إذ وجدوا أن العناصر الترفيهية تتوفر لهم في البيت سواء كان ذلك اقتناء كتاب رقمي أو استئجار فيلم”.

وتواصل: “لأكثر من عشر سنوات، تمر صناعة النشر بتغيرات سريعة وبعيدة المدى ترتبط ارتباطا وثيقا بظهور العالم الرقمي. كانت التقنيات الرقمية موجودة منذ عقود في شكل أدوات مستخدمة في المهام المتعلقة بالنشر مثل الكتابة والتدقيق اللغوي والترجمة والتوضيح والتخطيط والطباعة. لكن تأثيرها على مجالات مثل إدارة الاتصالات والترويج والتسويق، وعلى قنوات البيع، وعلى وسائل الإعلام التي يتم بيع المحتوى وقراءتها، وحتى على فعل القراءة ذاته، هو تطور أحدث بكثير.

شخصيا, بعد أن ألفت قصة للأطفال بالانجليزية في 2021 اتصلت بأكثر من دار نشر في بريطانيا والولايات المتحدة وكندا طلبت مني مبالغ خيالية لنشر قصة قصيرة. وبعد بحث واتصالات مكثفة, وجدت طريقة مبتكرة لنشرها عن طريق صديق في تونس لديه مطبعة الكترونية هي “الطبع من أجل النشر”, كلفتني أقل بكثير مما طلبت مني دور النشر.

يضاف إلى ذلك أن دور الناشر الإلكتروني أصبح مختلفا عن دور الناشر التقليدي الذي يعتمد على مراكز التوزيع والمكتبات ومعارض الكتب وغيرها من الأماكن المادية. ومع ذلك، ما يزال يتعين على الناشر الذي ينشر رقميا أن يكون مصدر المحتوى، ويحرر العمل، ويسوقه، ويجعله متاحا في المكتبات عبر الإنترنت”.

وعن حدوث تغيرات كبيرة في مجال الثقافة تقول: “وكان يعتقد أنها مسألة وقت فقط قبل أن يتم استبدال الكتب المطبوعة إلى حد كبير بالكتب الإلكترونية. وعندما ننظر إلى الأمر من ناحية بيئية، سنجد أن العملية تعني قطع عدد أقل من الأشجار، ولن يتعين طباعة الكتب وشحنها في جميع أنحاء العالم وسيتم تقليل الموارد إلى الحد الأدنى إذ يبدو أن تسليم كتاب إلكترونيا إلى جهاز هو طريق المستقبل, فالتطور والابتكار طبيعة بشرية.

ولكن يبدو أن كثيرا من القراء ومقتني الكتب مايزالون يفضلون الكتب الورقية, بل يعشقون رائحة وملمس الكتاب والجلوس- دون أجهزة إلكترونية- لتصفح كتاب لإن ذلك يمثل بالنسبة لهم متعة ما بعدها متعة.

في لندن, حيث أقيم ما زلت أرى أناسا من مختلف الأعمار منهم شباب في مقتبل العمر منغمسين في قراءة كتب ورقية, كما ما يزال البعض يقدمون الكتب الورقية هدايا لعشاق المطالعة. والبعض يضعون كتبا أمام بيوتهم مع ورقة صغيرة مكتوب عليها Free books كتب مجانية”.

وتؤكد: “في المنطقة العربية تحديدا, تغيرت القراءة في القرن 21. إذ لم يعد الكتاب المطبوع هو المصدر الرئيسي للدراسة والقراءة. وبفضل الرقمنة، أصبحت ملايين الكتب بالعربية وباللغات الأجنبية متاحة على الإنترنت, وبالتالي غير الكتاب الإلكتروني واقع القراءة في العالم العربي، تماما كما حدث في مناطق أخرى كثيرة من العالم.

لكن وبينما يرتفع عدد مستخدمي الإنترنت في المنطقة, فان مستوى القراءة فيها هو الأدنى في العالم, إذ ورد في تقرير للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم “السكو” في عام 2019 إنّ العالم العربي يصدر كتابين مقابل كل مئة كتاب يصدر في دول أوروبا الغربية، علماً بأنّ هذه الأخيرة تنشر كل سنة كتاباً لكل خمسة آلاف شخص. وقدّر عدد المدونات العربية حوالي 490 ألف مدونة، وهي نسبة لا تتعدى 0.7 في المائة من مجموع المدونات في العالم.

وإذا نظرنا الى المستقبل، نجد ان صناعة النشر بشكل عام تواجه تحديات وفرصا لا حصر لها يمكنها الاستفادة منها إلى أقصى حد من أجل إعادة اختراع نفسها وضمان بقائها. وسيعتمد بقاؤها بشكل عام على جوانب مثل القدرة على فهم التغييرات التي تحدث، وإدارة التكيف مع هذه الظروف المتغيرة، والقيام بدور استباقي، والمشاركة المباشرة في إعادة التعريف الجارية، والانتقال إلى المجال الرقمي”.

صناعة النشر ستبقى..

ويقول الروائي التونسي “الأمين السعيدي”: “كل ما يحدث من تحولات في العالم يؤثر في الكتاب والنشر الورقي بصفة خاصة، لاسيما التغيرات الاقتصادية، وللأسف كان الورق هو أهم مادة تأثرت بما يحدث في العالم، حيث تضاعف الثمن فلم يعد بإمكان الأديب نشر عمله بمفرده.

دور النشر كذلك لها حساباتها إذا أنها لا يمكن أن تدخل في صفقة خاسرة، فتتبنى فقط الأعمال التي تضمن ترويجها في السوق وليست كل الأعمال يمكن ترويجها، وهذا مرتبط بنوعية الجنس الأدبي والشهرة التي بلغها الكاتب، فمثلا لم يعد بإمكان دور النشر أن تجازف وتتبنى الأعمال الشعرية، نظرا لعزوف القارئ عن الاهتمام بالكتب، فالشعر أصبح مرتبط بالسمع حتى مع الشعراء الكبار مثل “محمود درويش” و”نزار قباني”، يعني يفضل المتلقي سماع قصيدة عن شراء الديوان وقرأتها من الورق”.

الناشر اليوم يتبنى الرواية وليست كل رواية، بل فقط الأعمال التي ترتبط بأسماء معروفة في الساحة العربية حتى يضمن خروج العمل في الأسواق، ثم أن الوضع الاقتصادي أثر كذلك في اقتناء الوزارة المعنية وهي وزارة الثقافة لم تعد تجازف وتقتني مجموعة كبيرة، بل تكتفي بعدد معين لعناوين معروفة.

طبعا الوضع الاقتصادي العالمي أثر تأثيرا عميقا في النشر الورقي، فوجد بعض الكتاب حلولا أخرى مثل الفيسبوك مثلا لإيصال نصوصهم وأفكارهم إلى المتلقي، وهذا خاصة مع الشعراء، وتنشر الأعمال النثرية إلكترونيا وهذه ظاهرة غريبة.

النشر الورقي مهم وهو الأساس والقاعدة والسنة التي يجب المحافظة عليها، لأن الكتاب لا يمكن أن يعوضه شيئا آخر”.

ويكمل: “طبعا الحركة الثقافية في المنطقة العربية تأثرت بتراجع النشر الورقي، فاغلب النصوص المنشورة ورقيا على الحساب الخاص وهذا يؤكد أنها ضمنيا لا يتم الاعتماد في نشرها على الجودة والقيمة الفنية، بل لأن صاحب العمل يملك المال وهذا خطير جدا.

ساهم في انتشار الرداءة حيث تحولت الثقافة إلى سلع تعرض بلا روح ولا فائدة، خاصة في ظل الغياب التام للمؤسسات المعنية بالمراقبة كالمكتبة الوطنية ووزارة الثقافة، فقد انتشر الوهم والخرافات واعتقاد الإبداع وأصبحت الأجناس الأدبية تنسب لنصوص لا تمثلها. أحيانا تجد على الغلاف الخارجي عبارة “مجموعة قصصية” والمتن خواطر لا علاقة له بالقص، أو نص مكتوب باللهجة ويضع صاحبه على الغلاف الخارجي عبارة “رواية”.

والرواية هي نص مكتوب باللغة العربية الفصحى وفق مقومات معلومة حتى التجديد يكون داخلها، أما الشعر فقد تعددت تعريفاته في هذا العصر وأصبحنا نتحدث على القصيدة النثرية والسرد التعبيري وغيرها من الأسماء والتصنيفات التي أراها غريبة عن الشعر. كل هذا يضر بالأدب والحركة الثقافية بالمنطقة العربية، والنتائج في هذا العصر تؤكد ذلك”.

ويكمل عن اعتبار الكتاب الالكتروني بديلا: “وعن النشر الورقي يجب أن يكون ثابتا فالكتاب لا شيء يعوضه، أما النشر الالكتروني اعتقد أن قيمته وإضافته تتمثل في إيصال النشر الورقي إلى الأماكن التي لم يصل إليها، يعني أن العمل الأدبي بعد نشره ورقيا يمكن أن نستعين بعالم الانترنت لنشره (بدياف) باوسام رمزية حتى يستفيد المتلقي ويتمكن من قراءة الأعمال التي لم تصله ورقيا.

أما النشر الالكتروني المباشر اعتقد أن مضاره على الأدب أكثر من فوائده، ممكن الدراسات النقدية والقراءات الصحفية تفيد الباحث والكاتب إذا نشرت الكترونيا، أما الأعمال الأدبية لا فائدة كبيرة من نشرها مباشرة إلكترونيا.

ومن أهم المشاكل التي يمكن أن تحدث مع النشر الالكتروني هو أن النص المنشور يمكن أن يبقى متروكا لا يطلع عليه أحد، إلا إذا كان الأديب معروف”.

وعن التغيير المتوقع حدوثه على الحركة الثقافية: “من أهم الثوابت هي قيمة الكتاب الورقي الذي لا اعتقد أنه يوجد بديل يعوضه.

النشر الالكتروني كما ذكرت منذ البداية هو مساعد في بعض الأحيان ولن يأخذ مكان النشر الورقي، فالكتاب مكانته خاصة والدليل على ذلك إن أغلب الذين يعودون إلى النص الالكتروني يكون نتيجة لعدم توفر الكتاب الورقي في السوق بعد نفاذه أو لارتفاع ثمنه.

الأفكار تتحول وتتجدد والفن يتواصل في انسجام مع العصور القديمة، رغم أن الشكل يثبت القطيعة، في حين أن النظريات العلمية فقط يمكن أن تحدث الثورة فيها قطيعة.

الكتاب الورقي ثابت في مكانته ومهم، فلا تحدي يواجهه المبدع غير إنتاج نصوص لها من الفن ما يميزها، إذن الفوارق والفواصل بين الأديب المبدع والكاتب العادي هي فوارق جمالية لأن النص في جوهره يناقش فنيا”.

 

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة