يميز بعض الاطفال بقدرتهم على خلق حكايات من مخيلة افكارهم الواسعة. هذه الصفة يحتاج إلى سارد مبدع يستطيع أن يشد الاسماع إليه بحلو حديثه وتلاعبه بألفاظ بشكل مبدع وسلس. وقد يفسر علماء النفس لجوء بعض الاطفال إلى اعتماد هذا السلوك إلى مشكلاتٍ نفسيةٍ يعاني منها الشخص الذي يعتمد هذه السلوك؛ ومنها عقدة النقص التي يشعرها بعضهم، فيحاولون بطرق عديدة تعويض ذلك النقص.
يعرف عن يعقوب الفتى البدين في المدرسة بأنه من مختلق حكايات من طراز الفذ، حيث يحاول أن يسوغ قصصه بدقة وعناية، وجعلها نهايتها مشوقة تشد إليه السامع. يُقابل الاطفال هذا الخداع الحكائي بنوعٍ من الإصغاء والتشجيع على مواصلة السرد برغم من معرفتهم أن اغلب حكاياته هي تلفيق مُمنهج قائم على عنصر المبالغة والخيال، ولكن الاطفال مع علمهم أن اغلب ما يقوله هي من عندياد خياله الخصب، فهم على اتم الاستعداد لإصغاء إليه دون مقاطعة؛ لان هذه الأخيرة تبتر عليه سلسلة افكاره، وربما تكشفه، لأنه لا يعرف من أين بدأ وأين انتهى؟ استغل يعقوب هذه القدرة في ترويج كل سمع عنه لدرجة أنه يستطيع أن يؤلف موضوعاً كاملاً من كلمة واحدة. وهذه القدرة لا يملكها ألا قليل من الاطفال.
كان أطفال حرب الثمانينيات يهرعون إلى سطوح الدور العالية؛ لمشاهدة الطائرات الحربية هي تسد الاسماع بهديرها العالي تزامنا مع صفارات الانذار التي كانت تطلق معلنة عن وجود طائرة ما في السماء. وما يهمُ الاطفال ما تركه تلك الطائرات من لوحات دخانية على شكل اشكال هندسية مختلفة. رصد هذا الفتى الذكي هذه الالتفاتة، وشيع في المدرسة أن اباه يملك طائرة حربية وضعها على سطح الدار. تلافق الاطفال الخبر العجيب بسرعة كبيرة عن وجود طائرة حربية مطارها سطح دار يعقوب. انكر بعض الاطفال الموضوع جملةً وتفصيلاً وأنه من إختلاقات يعقوب، وما اكثرها! وفي حين صدق بعضهم الخبر على أمل كشف الحقيقة. لمْ يقف الامر عند هذه الحال، بل يبدأ يسرد لهم كيف أن والده يقود الطائرة؟ وأخذ يتفنن في وصف طائرة الاب المزعومة، من طول ذيلها إلى الذي يصل إلى مسافة دربونة كاملة، وحجمها الكبير بحيث تعادل طائرة علام في مغامرات عدنان ولينا. علماً أن أبا يعقوب لم يكن سوى سائق في مصلحة نقل الركاب، والجميع يعرف هذه الحقيقة. عندما يلح عليه بعض زملائه لمشاهدة الطائرة يتحجج أن قضية حساسة، ومن أسرار الدولة التي يجب أن لا يطلع عليها الجميع. وفي يوم من الايام مرض يعقوب جعل يلزم بيته لأيامٍ، فما كان من تلاميذ مدرسته أن ينتهزوا الفرصة لزيارته، ليس من اجل عيادته، بل من اجل الوقوف على حقيقة الطائرة. تفاجأت أم يعقوب بمجموعة من زملائه يطرقون الباب، وسألت المرأة المسكينة نفسها هل جاء هذا العدد لرؤية أبنها؟ وما أن فتحت الباب حتى تقاطر التلاميذ صوب السطح، ولكنهم لم يجد شيئا، فادركوا أنهم وقعوا فريسة مخيلة زميلهم الخصبة الذي لمْ يتراجع عن إصراره بوجود طائرة حربية عندهم، بل قال: قبل ساعة اقلعت من سطح الدار، ولو أنهم بكروا المجيء لحظوا بمشاهدتها برغم من تحذيرات والده من عدم اقتراب الغرباء منها.