تتنوع اساليب واشكال التفكير المتطرف المجافي للواقع ،و المبني غالبا على اوهام و افكار مموهة بعيدة عن حقيقة الاشياء وكنهها ، فخصائص التفكير المتطرف تظهر انه مبني على القطع والجزم والتمسك بالرأي ،و خلط بين المشاعر و الأفكار ،كما يقوم اصحاب هذا التفكير بأخذ الأمور أخذ الواثق والاعتماد في الأفكار على الآخرين ،مما ينتج قفزا على النتائج وعدم الاعتراف بما يفرضه المنطق السليم ، وهو ما يقود اصحاب هذا التفكير افرادا وجماعات للتعصب لتلك الأفكار والآراء المسبقة البعيدة عن السياق الواقعي للعلاقات بين الأشياء .
البحث عن الحقيقة ،والخلوص لها يتطلب فهما عميقا لحيثيات اي حركة او موقف ،فالمنطق السليم يفرض ضبطا عاليا للافكار ، كون الشعبوية السائدة مشوشة غالبا ولا تراعي التثبت فهي اشبه بفورة عواطف وتعبير يراد من ورائه تحشيد الجمهور اعتمادا على تسويق الاراء وصناعة موجة تأييد او رفض يقودها العقل الجمعي ،وهو ما يضرب اسس الثابت الاخلاقي الذي يدعو للتثبت وعدم الانسياق ،خلف سلوك الجماعة دون وجود سند او مبرر يدعم تلك الفكرة ويقف معها ،وذلك يتطلب اتزانا فكريا و قدرة على الوصول للحقيقة وتحديد معاييرها التي تنتجها وتجعل من ادلتها حكما يفصل بين الحق والباطل .
على سبيل المثال ونحن نعيش ايام الموسم العاشورائي ومع كثرة الاحاديث المشككة والتعليقات الشعبوية التي هاجمت بعض المجالس و الشعائر الحسينية ، ورفضتها وكأنها شعائر دخيلة لمجرد ان من يقيمها يختلف بالتوجه والرأي والموقف مع من يعتقدون انه مختلف ايدلوجيا ومنزه ولا يمكن المساس به ، وبطبيعة الحال فأن هذا الرفض والتسقيط غير المبرر والذي نعتقد بوجود من يغذيه للتقليل من التأثير الوجداني لهذه الشعائر ومن يؤدون دور المبلغين والنخب الحسينية الواعية وبينهم عدد غير محدود من الشخوص الذين لهم التأثير الكبير والكاريزما الواضحة والذين لا يقبل العقل التشكيك بهم لكونهم يمتلكون التاريخ والسيرة الحسنة ، واجزم لو ان هولاء الاشخاص اتفقوا مع ميول من يثيرون ضدهم مشاعر الرفض والاستهجان ،لقالوا فيهم ما لايقال ببشر و سيضعونهم بمرتبة قد تصل للعصمة ،ولقالوا عنهم ايضا انهم اصوب الناس واكثرهم بصيرة ،والحق ان ذلك وغيره من التفاصيل المرتبطة بهذا الموضوع ، تعتبر نسجا لتفكير متطرف وهو غير محمود ،لان محتوى وجوهر ما يرفضون وما يقبلون واحد ، والاختلاف الوحيد هو الاتفاق مع ميلهم الايدلوجي ،و هذا الاختلاف لا يمنح الفرد او الجماعة الحق في تحديد الاصلح والاصح ،لانه غير مرتبط بمعايير التقييم ،ويمكن وضع تقييماتهم الآنية في خانة التقييم الانطباعي العاطفي ،الفاقد لأي معيار حق يتيح لأصحابه ومناصريه اصدار الاحكام ، ما يعني ان الشعائر الحسينية المتفق على اصالتها واباحتها شرعا وعقلا منزهة ،ومحاولة تسقيطها بهذه الطريقة الممجوجة عبر تصنيفها بكونها شعائر سين الصالح وشعائر صاد الطالح ،وهنا مكمن الخطورة ومنطلق التجهيل ومواضع الاستغلال التي ينفذ منها اعداء التشيع والمناوئين له .
ان الاساءة بقصد او بغيره لكثير من الشخوص ومن يحملون صفة ( خدام الامام الحسين عليه السلام ) بالخصوص دون وجه امر غير مقبول ،فبينهم من كان ولا يزال سفيرا للكلمة الصادحة بالمحبة والولاء لمحمد وال محمد ،ويعد وسيلة اعلام متنقلة تنشر فكر هذه المدرسة ،بل هو قطبا من اقطاب نشر الفكر الحسيني ورسالة الطف الخالدة للموالين والمخالفين وحتى من غير المسلمين ،حتى وصل الحال بالحاقدين والنواصب ، بأن يوجدوا مشروعا مضادا له ،بسبب تأثير رسائله في شباب مدرسة الجمهور في اكثر من بلد عربي واسلامي ،وهو ما يضعنا امام مسؤولية دعم هذا الصوت الحسيني ،وعدم التشويش عليه لأن ذلك التشويش هو عين ما يريده هولاء المناوئين لفكر مدرسة اهل بيت النبوة ومظلوميتهم ،لذا ينبغي الحذر وعدم الانسياق خلف تلك الابواق المأجورة ، فالتعرض بمثل ما قيل ويقال اليوم ووضع هولاء بموضع الشبهة ،لمجرد عدم الاتفاق مع ما ينادي به المنساقين خلف تلك الدعوات دون ضبط وتمحيص، يعني الخوض بالشبهات التي لا اصل لها سوى انها ايحاءات يسوقها المغرضين .
خلاصة القول أننا امام قاعدة اخلاقية اسلامية مفادها، ان التبين هو اساس النجاة والسلامة ،قولا وفعلا ومنطقا ،وحين تفقد هذه القاعدة قيمتها في نفوس افراد اي مجتمع ،ونسير خلف ما يروج من شبهات ونتنازل عن ثابت جامع لصالح متغير فئوي النزعة ،ويدعي من يقولون به التنزيه لفكرة واحدة بأتجاه واحد ،عند ذلك تكون الخسائر جسيمة ويفقد المجتمع اهم عنصر من عناصر قوته ،لتسود فيه مشاعر البغضاء والتشاحن وتضيق معها مساحات التلاقي ،وما يؤدي بالنهاية لزيادة حجم الاشكاليات وانحسار التشاركية والتفاعل الايجابي ، وهو ما لا يجب الجنوح اليه والركون لفرضياته ،لاننا نعيش ايام هذا الموسم العظيم الذي نستحضر فيه عنوانا من عناوين وحدة الموقف و تحرير الارادة من كل ما يكبلها ،لان مشترك النهضة الحسينية وما اشتملت عليه من دروس تضمنتها هذه النهضة العظيمة ،وما فرضت من التزامات ومحددات شرعية واخلاقية وانماط سلوك مرتبطة بالعترة الطاهرة ،اولها القول بالحق و اشاعة الحقيقة ،و تجنب ما يخدش عرى الاخوة وقيم الصدق والوفاء والتضحية ،وكل ما مثلته مدرسته العظيمة من قيم انسانية والهية ،والتي استشهد من اجلها عليه السلام ، ولولاها لما كان بكل هذا التأثير ،الذي يزيده نصوعا ورسوخا وتألقا ،وسيستمر فكره وذكره الوضاء لأنه الحسين ،وكفى بالحسين معلما ومنارا وامام حق يهتدي به كل الساعين للنجاة ،والرافضين للباطل والبغي وعبودية الطاغوت ..