خاص: إعداد – سماح عادل
يعتقد البعض أنه رغم الأزمات التي يمر بها النشر الورقي، إلا أنه لا يمكن تخيل اندثاره أو اختفاءه من الحياة الثقافية في العالم، لذا يفكرون في أن يكون هناك تكاملا ما بين النشر الالكتروني والنشر الورقي لحساب زيادة مساحة القراءة والانتشار. في حين يتخوف البعض من فكرة ضياع رصيد الكاتب الذي ينشر كتبه الكترونيا، في حالة وقوع الموقع أو حدوث تغير ما في خوارزمية المنظومة. ويتمسك آخرون بشغف وسحر الكتاب الورقي والذي يشعل خياله عندما يقرأ.
شارك في هذا الملف كاتبات وكتاب من مختلف بلدان الوطن العربي، وكانت الأسئلة كالتالي:
- هل تأثر النشر الورقي بالتغييرات الاقتصادية التي تحدث في العالم؟
- هل تؤثر الأزمة التي حدثت في النشر الورقي على حركة الثقافة في المنطقة؟
- هل يمكن اعتبار النشر الإلكتروني بديلا للنشر الورقي وما هي إشكاليات النشر الالكتروني؟
- هل ستتغير ثوابت كثيرة في مجال الثقافة مع تعثر النشر الورقي؟
تآزر النشر الورقي والإلكتروني..
يقول الكاتب السوداني “عمر الصايم”: “التغيرات الاقتصادية في العالم تمضي نحو صورتها الأسوأ. في عالم يعاني من تغيرات المناخ، الحروب، وشبح المجاعة العالمية، في ظروف كهذه لا يمكن للنشر الورقي أن يكون بمعزل عن ما يجري، وأن يظل على ما يرام، انعكست هذه الأحوال على القدرة الشرائية لجمهرة واسعة من القراء، فعندما يقومون بترتيب أولوياتهم في الطعام والكساء.. ألخ بالضرورة سيضعون الكتاب الورقي أسفل القائمة.
وهذا سيؤدي إلى كساد سوق الناشرين؛ بسبب ضعف التسويق. رغم ما نلاحظه من نشاط تسويقي واحتفائي بالكتاب الورقي؛ لكنه يظل نشاط موسمي لا يعوّل عليه في عملية الإنتاج الثقافي كعملية يُرتَجى منه أن تسهم في زيادة الدخل للشركات أو الدولة”.
ويؤكد: “الأزمة التي تحيق بالنشر الورقي لها تأثير كبير على المشهد الثقافي في المنطقة، لأسباب مختلفة، غالبية القراء يفضلون الكتاب الورقي سواء لأنهم تعودوا عليه أو لتمكنهم من العودة إلى بقراءات أخرى إلهامية، أو بقصد المراجعة، كما يميل طلاب الجامعات إلى الكتاب الورقيّ. أسباب متباينة خاصة في عصر الصورة والشاشات ستجعل الشباب في انفضاض عن الثقافة الحقة والجنوح نحو ما هو سهل وسريع، وقد يكون سطحي لا يلامس المعرفة الإنسانية”.
وعن اعتبار النشر الالكتروني بديلا يقول: “على العموم لا يمكن استبدال النشر الورقي بالإلكتروني للأسباب السالفة، وبالنظر إلى فعاليات إطلاق الكتب سنلحظ حالة الشغف للكتاب الورقي، والقراء الذي يبحثون عن نسخته الإلكترونية في الغالب ممن لا يكون الكتاب في متناول يدهم نسبة لبعدهم المكاني. يمكن القول أن تآزر النشر الورقي والإلكتروني سيغطي أكبر مساحة من المقروئية؛ لذلك ليس ثمة سبب لوضعهما في مقابلة ضدية ليكون القارئ بين أحد الخيارين، بالنسبة لي على الأقل قراءة الكتاب الإلكتروني أقل إمتاعًا وأكثر معاناة، ولكنه أيضًا سهل الاقتناء والحمل في أوقات السفر”.
وعن تغير ثوابت في مجال الثقافة يقول: “فيما أرى لن تتغير ثوابت ثقافية نتاج لوسائل النشر مهما كانت، تظل الوسائل محض محددات للانتشار، ونوعًا ما آلية لتلقي المعرفة وإدارة الحوار، وهي ليست بأي حال تمثل المثقف المشتغل بالإنتاج وبتغيير الثوابت، وهو المُعوّل عليه في إنتاج ما يدعم أو ينفي الثوابت الثقافية. هذا لا ينفي بالطبع أن تراجع النشر الورقي سيكون له تأثيرات سالبة على الحراك الثقافي وفاعليته في المجتمع”.
ضياع رصيد الكاتب الالكتروني..
تقول الكاتبة الليبية “سعاد الورفلي”: “تمر دور النشر بأزمات متأرجحة تبعا لما يحدث في المنطقة من تقلبات اقتصادية، وتغيرات مؤثرة على حالة النشر والتوزيع، حتى أن الكاتب الذي يشارك في إحدى الدور ما إن يطبع كتابه وينتشر حتى يجد صعوبة في وصول نسخه للبلد الذي يقيم فيه، وذلك بسبب ارتفاع السوق العامة، وأيضا حركة العالم التي لم تستقر على حالة معينة اقتصادية كانت إن سياسية، بل إن حالة كثير من البلدان الآن صارت تعاني جراء الكوارث الطبيعية، والتبدلات السياسية، هذه التبدلات صارت مخاضا جذريا انعكست تأثيراته على المثقف العربي والكاتب، وبالتالي صار سعر نشر الكتاب وطباعته يكلف الكثير حتى ينتشر على نطاق ضيق؛ علاوة على الانتشار الواسع”.
وعن تأثير الأزمة على حركة الثقافة في المنطقة تقول: “بطبيعة الحال، فمثل هذه الأوضاع تتسبب في ضمور الثقافة بنسب متفاوتة، وإن لم تكن على المدى القريب، فإن الأزمة تحصد عقل المجتمع ليصبح الجمود سمة العصر والتأخر القرائي للأجيال اللاحقة يؤدي إلى العزوف الكلي عن شراء الكتب وقراءتها، أما عن تأخر حركة النشر بسبب الأزمات المتتالية وعلى رأسها الاقتصادية وارتفاع الأسعار يسهم في حصر الثقافة على طبقة محددة شبيهة تماما بالعصور التي عرفت بأسماء شخصيات متميزة برزت في ظل ندرة انتشار الكتاب وطال باعها، بينما نحن نطمح أن يطول باع الثقافة على أوسع نطاق ويشمل أكثر الفئات، لأن هذا العصر لا يطيق التدني الثقافي. بينما غيرنا يعلو سقف ثقافته حدود اللاممكن”.
وعن اعتبار النشر الإلكتروني بديلا للنشر الورقي تقول: “هو بديل من الدرجة الثانية، لا يغني عن النشر الورقي، ولكنه يسهم في إظهار شخصية الكاتب والمثقف، ولو لفترة وجيزة، وفي نفس الآن يدفع بالكاتب والقارئ إلى الاستمرار، وينتشل الأقلام من دائرة الضحالة والاقتصار، وربما أقول إن النشر الإلكتروني يسهم في توسيع دائرة الكاتب على مستوى رفيع بين كل المجتمعات وعلى كل الصُّعد.
أما إشكاليات النشر الإلكتروني تكمن في ضياع حق المؤلف في بعض المواضع، بالإضافة إلى تلف الأرشيف فيما لو حدث خلل ما يضرب المنظومة الخوارزمية للأجهزة والمواقع الرقمية. لهذا فإن فضائل النشر الورقي لا تنافسها عليه أمور أخرى. ويظل النشر الإلكتروني حلقة وصل ثقافية يجد من خلالها المثقف والقارئ والمؤلف متنفسا يحقق شيئا من طموحاته المكبوتة”.
وعن تتغير ثوابت كثيرة في مجال الثقافة تقول: “لربما سيؤدي هذا التعثر إلى تغير كثير من الثوابت، حتى أننا نتوقع أن تحدث بعض السياسات التي تؤثر على جدلية النشر الورقي، التي أضحت قضية فعلية مثيرة لجدل يطول أمده ولا ينتهي إلا بعودة مستهلكة على عجلة بطيئة تنذر بجفاف حقيقي وجفاء متوقع لهجر الكتاب ونبذ النشر الورقي، ولا ننفي حدوث بدائل أخرى تفوق النشر الإلكتروني تعوض عطش المؤلف والمثقف الحقيقي حتى يجد ضالته التي طالما بات ينشدها ردحا من زمن بين أروقة الثقافة ودور النشر، وحركة الريادة الثقافية التي نتطلع لازدهارها ونموها في ظل التقدم العلمي والمعرفي الهائل وفي ظل التغير تحت مسمى الذكاء الاصطناعي الذي صار يغزو وبكل قوة أدمغة العالم لتحل محل الثقافة الورقية ثقافة أخرى نخشى أن تكون باسم الشفرات الملغزة، حينها تتغير الثوابت وتتبدل المفاهيم بحثا عن واقع آخر ينحت عقل المثقف لتتشكل بالتالي رؤية واقع لم نتوقعه يوما ما”.
رائحة الحياة..
وتقول الكاتبة العراقية “ميرفت الخزاعي”: “ما يزال القلم والورقة يرافقانني ولا أكاد استغني عنهما. فللورق رائحة العشب والشجر والخضرة والحياة. رائحة فريدة لا يمكن استنشاقها عبر الشاشات.
كثيرا ما أفقد الرغبة بمتابعة الأعمال الأدبية الإلكترونية وقد أتركها قبل إكمالها رغم كونها جيدة وتستحق القراءة، لذا أميل لسحب الكتب ولدي طابعة في البيت من أجل هذا الغرض.
لكن هذا لا يقوض فائدة الكتاب الالكتروني، فلولاه لما تمكنتُ من أخذ لقطات لبعض الصفحات (تصويرها) أو الاحتفاظ ببعض المقاطع أو الاقتباسات المهمة وتداولها وعرضها، كما أنه وفر الوقت والجهد وأحيانا المال اللازم لاقتناء كتاب”.
وتواصل: “طباعة الكتب وبيعها مثلها مثل أي تجارة أو سلعة، يؤسفني قول هذا أو وصفها بذلك لكنها الحقيقة، تتأثر بالعرض والطلب وغيرها من معطيات السوق وبالتالي سينعكس هذا إيجابا أو سلبا عليها”.
وعن اعتبار النشر الالكتروني بديلا تقول: “لا أنكر إن النشر الالكتروني ساهم إلى حد ما في نشر وتوزيع الكتب وعلى نطاق أوسع وأشمل خاصة بين القارات وعبر المحيطات، وصار من الميسر الحصول على بعض الكتب وإن كانت في أطراف العالم.
لكنه قد يشجع أحيانا على السرقة أو لنقل الاستيلاء على بعض الكتب دون علم مؤلفيها أو منعها في حالة رفض صاحبها التعاون أو الرضوخ لمتطلبات دار النشر. العملية ذات اتجاهين ولكل جانب جمهوره ومناوئيه ومعارضيه”.
وتضيف: “ربما تميل أجيال القراء السابقين للكتاب الورقي لشعورهم بالارتباط به وبتأريخه ولكونه يتيح للعيون الراحة. اللجوء للكتاب الالكتروني ربما سيقلل من منافذ بيع الكتب الورقية وسيزيد من محطات أو منصات البيع الالكترونية خصوصا خلال السنوات القادمة كما أظن وبعد التطور الكبير والسريع في تكنولوجيا المعلومات”.