يتواصل المد الأمريكي بالضغط على الإقتصاد العراقي ويتحول تدريجيا إلى نوع من الحرب المفتوحة وبحجج واهية وبعضها يستند إلى رغبة واشنطن في مزيد من الهيمنة والسيطرة على حركة الإقتصاد الوطني من خلال فرض القيود على حركة الأموال ومعاقبة المصارف المحلية بدعوى تهريب البطاقات الإئتمانية والعملة الأجنبية وهو أمر في الواقع ينعكس على قدرة المواطنين في تلبية إحتياجاتهم من الغذاء الذي وبحسب تقارير أممية سيتحول تأمينه الى مشكلة كونية مع التغيرات المناخية الصعبة وإنحسار المياه العذبة والجفاف الذي يضرب مساحات شاسعة من العالم والإرتفاع غير المسبوق بدرجات الحرارة التي وصلت الى مستويات قياسية شاهد العالم أثرها في حرائق إمتدت من اليونان إلى صقلية وتونس والجزائر وكندا والولايات المتحدة الأمريكية ومناطق أخرى من العالم وإنحسار الغابات والمساحات المزروعة حيث يتأكد يوما بعد آخر أن مليارا من البشر عرضة الى الهلاك بسبب الجوع الذي أصبح الخطر الداهم الذي يواجه البشرية ويهدد كيانها ووجودها والحياة على الكوكب الذي يزداد سخونة بسبب سياسة الإستخدام الأهوج للمصانع والوقود والإنتاج الزراعي والحيواني وإنعكاس ذلك على الكميات المتوقعة من الأمطار مع وجود تناقضات غريبة فمناطق تموت من الجفاف وأخرى تداهمها الفيضانات التي تدمر المزارع والحقول والبيئات الزراعية وهذا كله يسبب قلة المعروض من الغذاء سواء من الحبوب كالقمح والذزة والشعير والشوفان والبقوليات وغيرها من مواد غذاء ضرورية للحياة البشريةً المهددة.
تعد روسيا ومعها جارتها الغربية اللدود أوكرانيا من أهم موردي القمح في العالم لكن تصاعد الحرب وإغلاق البحر الأسود وتهديد روسيا بوقف الملاحة فيه بعد إلغاء صفقة الحبوب الأوكرانية يجعل من الإمدادات الغذائية عملية عسيرة بالرغم من تعهد دول الإتحاد الأوربي بنقل الحبوب الأوكرانية وتعهد مقابل من روسيا بإيصال الحبوب إلى البلدان الأكثر فقرا التي تعقد قمة في موسكو بسان بطرس بورغ وبحضور الرئيس فلاديمير بوتين الذي يواصل تحركه نحو الشرق ويبحث عن مزيد من التضامن والتحالفات لمواجهة الضغوط الغربية حيث إرتفعت أسعار القمح الى 14% وتصاعد الإنتقادات الغربية لموسكو بسبب موقفها من صفقة الحبوب بينما ترى روسيا إن العراقيل التي يضعها الغرب على الشركات الروسية والمصارف يهدد بعواقب وخيمة على الإقتصاد العالمي ويسبب الفقر ويمنع وصول الغذاء الى مستحقيه واذا كانت العقوبات الامريكية على إيران وروسيا تساهم في تأزيم الوضع العالمي أكثر فإن العقوبات على مصارف عراقية يصعب مهمة حماية الإقتصاد الوطني مالم تتخذ إجراءات فاعلة في هذا الإتجاه ومن أهم عوامل حماية الإقتصاد هو التحرك لإيجاد البدائل وفتح ممرات إقتصادية وتمكين الإقتصاد المحلي من المناورة في مواجهة التحديات.
التجربة العراقية في مواجهة العقوبات مريرة ومنذ العام 1991 فرضت إدارة واشنطن حصارا غير مسبوق على العراق بعد الحرب في الكويت وإستمر لثلاثة عشر عاماً صعبة وقاسية ومرهقة بل ومكلفة ومهلكة للحياة وكان من بين الحلول هو تخصيص حصة غذائية لكل فرد تتضمن أساسيات الغذاء المعروفة لمواجهة الضغوط الإقتصادية ولوجود شرائح إجتماعية لاتملك القدرة على التعامل مع الأسعار في السوق المحلية وكانت بحاجة إلى نوع من البديل الموضوعي الذي يمكنها من تلبية إحتياجاتها الغذائية وتجاوز عدم القدرة على دفع الأموال فكانت الحصة التموينية وسيلة ناجحة إستمرت لسنوات طويلة وهيأت نوعا من القدرة لكبح جماح التأثير السلبي للحصار الإقتصادي وعدت نهجا جيداً خلال السنوات الأخيرة حيث تعاقدت الحكومة العراقية مع شركات وطنية لإستيراد مفردات السلة الغذائية جميعها وهو مايدفع للمطالبة بالمزيد من الإجراءات والضمانات الكفيلة بحماية سلة الأسرة العراقية وتحسينها أكثر وحسناً فعلت الحكومة عندما وفرت الأموال اللازمة لإستيراد المواد الغذائية وحماية الأمن الغذائي للمواطنين وهنا يجدر القول إن كل إجراء في هذا الشأن يعد مهماً خاصة مع المخاوف المترتبة على إرتفاع سعر الدولار وضعف قدرة المواطنين على تلبية إحتياجاتهم بالأسعار التي يفرضها التجار حيث الحماية الحكومية تصبح أكثر أهمية وضرورة في هذه المرحلة وربما ستكون السلة الغذائية حائط الصد الأخير.