الانسان أثمن رأسمال في العالم , فهو مصدر كل تطور و تقدم في الحياة , و رأس المال الثمين عند الانسان هو صحته , و ما دام الأمر كذلك , فلا بد من المحافظة على هذا الرأسمال ( الصحة و العافية ) من الضياع , لإنه بدون هذا الرأسمال لن يكون بمقدور الانسان أن يقوم بأي نشاط يخدم من خلاله نفسه و عائلته و مجتمعه , وقد قال الحكماء [ الصحة تاج على رؤوس الأصحاء ] و الرجل الذي يحافظ على بقاء هذا التاج مرفوعا على رؤوسنا هو … الطبيب , ولا يستطيع أحد أن يطمس هذه الحقيقة مهما حاول . فالإنسان يحتاج الطبيب من يوم مولده إلى يوم وفاته .
و الطبيب في العراق , وفي معظم بلدان العالم , يدرس لمدة ست سنوات بعد الإعدادية كي يحصل على شهادة البكالوريوس في الطب و الجراحة العامة , و ِإذا أراد أن يكون طبيب أخصائي , فيجب أن يدرس لمدة سنتين للحصول على شهادة الماجستير أو أربع سنوات للحصول على شهادة الدكتوراه وفي التخصص الذي يرغب به , المثقفون و المتعلمون يعرفون هذه المعلومة , لكن , ربما , الكثيرون لا يعرفونها , هذه الرحلة الطويلة من الدراسة ليست نزهة في حياة الطبيب , بالإضافة إلى المسؤولية التي يتحملها الطبيب في إصلاح ما يعطب في أجسادنا و هي مسؤولية خطيرة تتعلق بتشخيص المرض أولا و من ثم معالجته , و ما أكثر الأمراض التي تصيب الانسان في كافة مراحل حياته , و انطلاقا من هذه المقدمة , ندرك أن مهنة الطبيب ليست كأي مهنة اخرى, كونها ترتبط بصحة وعافية الانسان بشكل مباشر , مع التقدير الكامل لكافة المهن الاخرى .
في العراق , و للأسف , بعد عام الاحتلال في 2003 تعرض الكثير من الأطباء للقتل أو التهديد بالقتل أو الابتزاز أو معاملة سيئة من قبل بعض الهمج و المتخلفين الذين لا يدركون , وعن غباء مطلق , ان خسارة أي طبيب هي خسارة لهم و السبب واضح لا يحتاج إلى تفصيل , عدا كونها خسارة للدولة التي أنفقت المال الكثير كي تحصل على هذا الطبيب , و خسارة أيضا لجهد الأساتذة الأطباء الذين أشرفوا على تعليم و تدريب هذا الطبيب … لذلك اضطر الكثير من الأطباء ومن كافة الاختصاصات , مرغمين , لترك البلد حفاظا على حياتهم , ولا لوم عليهم فمن حق كل انسان أن يحافظ على حياته , منهم من لجأ إلى كردستان حيث الأمان و لكي يبقى قريبا من أهله و مجتمعه , ومنهم من لجأ إلى دول قريبة أو بعيدة , و أصبحنا مثل ذاك الذي زرع شجرة و سقاها و رعاها و سهر عليها سنين طوال كي يأتي شخص آخر يقطف ثمارها , و يقال ان في بريطانيا يوجد حوالي ثلاثة آلاف طبيب عراقي من كافة الاختصاصات يعملون في مستشفياتها , وهذا دليل واضح على السمعة الجيدة التي يحظى بها الطبيب العراقي , ناهيك عن آلاف آخرين منتشرين في الخليج و دول عربية و أجنبية اخرى يعادلون في عددهم جميع خريجي الكليات الطبية العراقية ولعدة سنين … يا لخسارتنا … ولو عاد نصفهم إلى العراق لانقلب الواقع الصحي المتردي حاليا رأسا على عقب إلى الأفضل , لكن كيف يعودون و هم يسمعون ما يسمعون عن معاناة زملائهم داخل البلد .. ؟
نقطة اخرى جديرة بالطرح و هي الأخطاء التي يقع فيها بعض الأطباء أثناء العمل و التي قد تؤدي إلى وفاة المريض أو تعرضه للعوق , مهنة الطب , حالها حال أي مهنة اخرى تحصل فيها أخطاء , إذ لا مهنة لا تحصل فيها أخطاء , فحصول الخطأ مسألة طبيعية في ميدان الطب أو في أي ميدان آخر وفي ذلك لا يختلف إثنان و التعميم لا يجوز , إن أخطأ طبيب مع مريض لسبب أو لآخر , فليس من العدل أن نصب غضبنا على جميع الأطباء , هل يجوز أن نصب غضبنا على جميع المعلمين لإن واحد أو أثنين أو ثلاثة منهم ارتكبوا أخطاء بحق تلامذتهم ؟ و كذا الحال مع المهن الاخرى , رغم الإقرار بإن خطأ الطبيب يكون مدويا بسبب إرتباطه بصحة و حياة المريض , لكن مسيرة الطب في خدمة المجتمع لا يمكن إيقافها لان ثمارها لا تنضب , ويمكن القول ان لكل مهنة خسائرها , مئات الآلاف يموتون أو يتعوقون سنويا في كافة دول العالم ( المتطورة منها و المتخلفة ) بسبب حوادث السيارات , فهل اختفت السيارات من الشوارع أم ما زالت عجلاتها تدور ؟ بين فترة و اخرى نسمع عن سقوط طائرة و مقتل ركابها و قد يصل عددهم إلى المئات , فهل توقفت الطائرات عن الطيران أو أغلقت مصانع الطائرات ابوابها ؟ وكالة ناسا الفضائية الأمريكية , قمة في التطور العلمي و التكنولوجي , احترقت واحدة من مركباتها الفضائية في الجو بعد ثوان من انطلاقها و في داخلها سبعة من أبرع رواد الفضاء بينهم امرأة لقوا حتفهم في الحال , فهل توقفت هذه الوكالة عن الاستمرار في أبحاثها و مشاريعها ؟ و يبدو أن هذه هي ضريبة التقدم العلمي التي يدفعها بعض سييء الحظ منا نحن البشر بين حين و آخر , و لو توقفت عجلات السيارات عن الدوران و تسمرت الطائرات على الأرض لرجعنا إلى القرون الوسطى حيث التنقل بواسطة السفن بحرا و على ظهور الخيل برا … و على هذا المنوال يمكن سرد الكثير من أمثلة مشابهة .