من أسمى اهداف النهضة الحسينية وقيادتها الرشيدة هو نصرة الدين وحمايته من التشويه والتحريف الذي لحق به على صعيد تسخيره لصالح الحكام الامويين الذين عمدوا الى شراء ذمم ضعاف النفوس من وعاظ السلاطين وتحويلهم الى ماكنة اعلامية لتبرير الانحراف في المفاهيم واضفاء الشرعية على الحكومة المتسلطة وعلى ممارساتها الاجرامية ونشاطاتها المنحرفة ..
كان من النتائج التي ترتبت على تسلط معاوية ويزيد على مقدرات الاسلام ورقاب المسلمين أن ظهرت في المجتمع بوادر اعراض مرضين خطيرين الاول هو انتشار فايروس الجهل والثاني هو فقدان الرشد والبصيرة والانسياق وراء كل راية ضلالة وجماعة منحرفة حتى أصبح دهاقنة الدين تيارات متعددة وبالتالي انقسم ولاء المجتمع وعقائده الى اهواء شتى وهو ما كان يخطط له الحكم الاموي بخباثة لأبعاد المجتمع عن الامام الحسين (عليه السلام) والذي يمثل خط الاسلام الأصيل والامتداد الحقيقي والشرعي لجده الرسول الاكرم (صلى الله عليه واله) .
وفي خطابه الموسوم (نصرة الحسين (عليه السلام) باستنقاذ عباد الله من الجهالة وحيرة الضلالة) والمنشور في كتابه (في ثقافة الرفض وإصلاح المجتمع .. دروس من مبادئ النهضة الحسينية) ، يلفت سماحة المرجع اليعقوبي أنظارنا الى تلك الحقيقة وهي الهدف الاساسي للنهضة الحسينية ، ويرى سماحته : (ان هذه الاهداف قد اختصرها الإمام الصادق (عليه السلام) في زيارته لجده الحسين (عليه السلام)) ، امام مضمون وفلسفة الاصلاح الحسيني فيختصرها الامام الصادق (عليه السلام) بقوله : (وقد بذل مهجته فيك ليستنقذ عبادك من الجهالة وحيرة الضلالة) ، وهكذا يتضح لنا بما لا يقبل الشك أن الامام الحسين (عليه السلام) ضحى ليستنقذ العباد من الجهالة والضلالة.
ويوضح سماحة المرجع اليعقوبي أيضاً ان صرخة الامام الحسين (عليه السلام) واستغاثته التي اطلقها يوم عاشوراء تستنهض الاجيال ، وان هذه الصرخة والدعوة هي لكل الاجيال ، وأن تمام النصرة للقضية الحسينية تتحقق من خلال أدامة العمل حتى تحقيق أهداف حركته المباركة التي ذكرها الامام الصادق (عليه السلام) .
لقد شهدت النهضة الحسينية في قيامها الاصلاحي العديد من المواقف الخالدة في تاريخ الانسانية والاسلام والتي اصبحت من خلالها تلك النهضة ويومها المفصلي (عاشوراء) مرجعاً لكل الاحرار ومدرسة لكل الساعين الى الإصلاح والحرية الحقيقيين ..
ومن اهم فصول الملحمة الحسينية كان فصل الثبات على الدين واظهاره القضية الكبرى ومحور الصراع الذي دار بين معسكر الاصلاح الحسيني وجنود الاستعباد الاموي ، وكان أحد أبطال هذه الملحمة وأكثر شخصية الهاماً للنفوس بعد شخص قائد الركب الاصلاحي الامام الحسين (عليه السلام) هو أخيه وحامل لواء وراية الاصلاح ابو الفضل العباس (عليه السلام) ..
ابو الفضل العباس (عليه السلام) رمز الفداء والثبات والبسالة والطاعة لله تعالى ، تميز موقفه الواعي في عاشوراء بالإيمان المطلق بالنهضة الحسينية وقضيتها الكبرى الإصلاح وقيادته الرشيدة المعصومة المتمثلة بأخيه الامام الحسين (عليه السلام) ، ويصف الامام الصادق (عليه السلام) موقف ابو الفضل العباس (عليه السلام) بالقول : ( كان عمّي العبّاس بن علي نافذ البصيرة ، صُلب الإيمان) ..
في خطابه العاشوراء المعنون (إني أحامي أبداً عن ديني) يسلط المرجع الديني الشيخ محمد اليعقوبي الاضواء على أهم ادوار ابو الفضل العباس (عليه السلام) في النهضة الحسينية عموما وملحمة الطف خصوصاً ، وهذا الدور تمثل بشعاره في ارجوزته وهو يواجه جيش النفاق والذل الاموي والتي ضمنها في أبيات المشهورة ومحل الشاهد فيها قوله (عليه السلام) :
إنّي أُحامِي أَبَداً عن دِيني *** وعنْ إمامٍ صَادِقِ اليَقِينِ
ويتحدث المرجع اليعقوبي في سياق الخطاب عن أهم الرسائل التي تضمنها شعار ابو الفضل العباس (عليه السلام) ، أول تلك الرسائل هي (إنه بهذا الموقف أراد نصرة الدين وحمايته) ، ثم يبين سماحة المرجع أهم مصاديق وتطبيقات هذه النصرة في زماننا المعاصر لمن يريد نصرة الامام الحسين (عليه السلام) وأتباع نهج ابو الفضل العباس (عليه السلام) ومنها :
1- رد الشكوك والشبهات التي توجه إلى الدين وإنقاذ الناس منها ومن وسائل الضلال والانحراف والفساد التي أصبحت متاحة لكل أحد بواسطة أجهزة التواصل .
2- نشر الدين و اقناع الناس به وهداية الضالين والمنحرفين بالعودة إلى الله تبارك وتعالى .
3- التفقه في الدين ونشر الحوزات العلمية في كل المجتمعات وإقامة الشعائر الدينية في اصقاع الأرض .
اما الرسالة الثانية في شعار ابو الفضل العباس (عليه السلام) فيوضح المرجع اليعقوبي مقدمة ضرورية وشرطا أساسيا لمن يريد ان يتصدى لحماية الدين وهو ( لابد أن يكون متمسكاً به حافظاً له في نفسه وإلا فان (فاقد الشيء لا يعطيه) ) ، ثم يبين سماحة المرجع أن ضرورة (التمسك بالدين والثبات عليه مهما كانت المغريات أو الضغوط النفسية والاجتماعية) واما جزاء التمسك والثبات على الدين والمعاناة الناتجة عنه هو ( أنها بعين الله تبارك وتعالى) .
الرسالة الثالثة من الموقف الواعي للعباس (عليه السلام)وأرجوزته يوم الطف والتي أستنتجها المرجع اليعقوبي فهي الوعي بحقيقة الدين وشموله لكل تفاصيل الحياة وليس كما يحاول العلمانيون وغيرهم من أتباع المناهج الغربية والمؤسسات المناوئة للدين والتي تحاول تفسير دين الاسلام ومجالاته وفق اهدافها المتمثلة بفصله كل مجالات الحياة والتبشير بدين مدني لو ليبرالي كما فعلت العلمانيون في الغرب مع المسيحية ، ويؤكد المرجع اليعقوبي في هذا النطاق على (ضرورة فهم الدين بمعناه الواسع الشامل للعقائد والأحكام الشرعية والاخلاق والسلوك والمعاملات) ، فالإسلام ومن خلال مصادر تشريعه الاساسية القرآن وسنة الرسول الاكرم واهل بيته ( صلوات الله عليهم) نظم تفاصيل حياة المجتمع ، وضمن لها من خلال النظام الاسلامي وبشرط تطبيقه بالشكل الصحيح السعادة الحقيقية والعدالة الاجتماعية .
ثم يبين المرجع اليعقوبي بأن العبادات كالصلاة والصوم والحج تشكل مظهر من مظاهر الدين ، الا انها لا تعطي المصداق الحقيقي الكامل للدين ، وأن المعيار الاساسي لتطبيق الاسلام ، وحصد ثمار بركاته في الحياة يتمثل في الالتزام بالشريعة في المعاملات وفي السلوك والتعامل مع الآخرين .
اما الرسالة الرابعة من شعار ابي الفضل العباس (عليه السلام) في يوم عاشوراء في رؤى المرجع اليعقوبي فإنها توضح بان (نصرة الدين وحمايته والدفاع عنه هي وظيفة ابدية) لأن العباس (عليه السلام) (وهب نفسه لله تعالى وكرّس حياته وكل وجوده له سبحانه) ، ولذلك يجب ان يكون الانسان المؤمن الرسالي الحسيني واعي ومدرك الى ان هذه المهمة والتكليف الشرعي يجب ان لا يخضع للمصالح والاهواء والمزاج والعصبية ، فأن ما تميز به موقف ابو الفضل (عليه السلام) الواعي هو أن ( موقفه لم يكن حالة وقتية نابعة من الحماس والاندفاع أو التعصب للأهل والعشيرة أو جرياً مع السلوك الجمعي، أو طلباً لمغنم ما أو استجابة لنزوة أو اهواء وغير ذلك ) .
اما الرسالة الخامسة والاخيرة التي أراد المرجع اليعقوبي ايصالها من شعار ابي الفضل وأرجوزته في ساحة كربلاء الشهادة والثبات هو الارتباط العملي بين الموقف والقيادة ، فمن معالم التمسك الحقيقي والارتباط الواعي بالدين هو ان يكون الانسان مرتبطا بالقيادة الشرعية والتي يجب ان تمتلك بالإضافة الى تمتعها بالمتطلبات الاساسية للموقع القيادي على المستوى الشرعي بعداً وشرطا رئيسيا أخر وهو الوعي والقدرة على مواكبة التحديات والحكمة في ادارة شؤون المجتمع والعمل على الارتقاء بالمجتمع الى مصاف الشريعة وتطبيق احكامها وتشريعاتها وحماية عقائدها من الانحراف .
ان من شروط الايمان بالإسلام كرسالة خالدة هو اتباع الرسول الاكرم (صلى الله عليه واله) وطاعته وولاة الامر من بعده الذين امر الناس بالتمسك بهم وبالقرآن وهم الائمة المعصومين (عليهم السلام) الذين جعلهم قادة وساسة للعباد واشهد الامة الاسلامية على ذلك في مواقف متعددة ووصايا كثيرة كيوم الغدير وحديث الثقلين وغيرهما ، ومن بعدهم في زمان غيبة قائمهم الامام المهدي (عليه السلام) بنوابهم من مراجع الدين المخلصين العاملين والصادقين مع الناس .
ويحذر المرجع اليعقوبي المؤمنين من الدعوات الباطلة والشبهات الضالة والتي تدعو الناس (ترك اتباع علماء الدين وتقليدهم والأخذ عنهم) لأن ما يبتغيه ويهدف اليه اصحاب هذه الدعوات الباطلة هو (هجران الدين والابتعاد عنه إلى الضلال لأن الدين إنما يؤخذ منهم كما يرجع الناس في أي مجال إلى المختصين فيه) وهكذا يتيه الناس ويبتعدون عن قيادتهم الشرعية كما تاهوا وابتعدوا عن قيادتهم المعصومة والمتمثلة بالإمام الحسين (عليه السلام) وأصبحوا جنودا لشياطين الأنس كيزيد وابن مرجانة وعمر بن سعد والشمر وغيرهم ، حتى كان نتيجة ذلك الضلال هو التورط في جرية قتل الامام الحسين (ع) واهل بيته وصحبه في كربلاء والتمثيل بجثثهم الطاهرة وسبي وأسر بنات الرسالة الى الشام .
ويختصر سماحة المرجع اليعقوبي في نهاية حديثه عن ابو الفضل العباس (عليه السلام) وشعاره الواعي في الطف بأن هذا الشعار كان وافيا وشاملا لكل التزامات وأهداف النهضة الحسينية وهي :(التمسك بالدين والثبات عليه ، حماية الدين ونصرته والدفاع عنه ، فهم الدين بمعناه الواسع الشامل لكل شؤون الحياة ، ان يكون هذا الالتزام أبدياً دائماً وليس حالة عابرة ، والالتزام بنصرة القيادة الدينية والدفاع عنها).
وفي ختام خطابته وقراءته الواعية لأهم معالم شعار وموقف ابو الفضل العباس (عليه السلام) يوم الطف ، يلفت المرجع اليعقوبي أنظارنا مرة اخرى الى أهمية وقدسية أهداف رسالة الامام الحسين (عليه السلام) في نهضته الاصلاحية والتي يستنبطها من شعار الامام الحسين (عليه السلام) في يوم الطف أيضا والتي تضمنتها أرجوزته حين برز لقتال الاعداء :
أنا الحسين بن علي *** احمي عيالات أبي
آليت أن لا أنثني *** امضي على دين النبي
ويؤكد المرجع اليعقوبي ان الامام الحسين (عليه السلام) في هذه الارجوزة يؤكد أن رسالة أخيه ابو الفضل العباس (عليه السلام) ورسالته هدفها واحد وهو ( المضي على الدين الذي أقامه رسول الله (صلى الله عليه واله) والثبات عليه وحمايته ونصرته ) ..