خاص: إعداد – سماح عادل
يرى البعض أن مشكلة الكتاب الورقي ليست فقط المشكلة الاقتصادية، وإنما مشاكل أخرى، مثل عدم وجود قراءة وثقافة تربوية لتشجيع الأطفال والشباب على القراءة، وأيضا عدم وجود حماية قانونية لصناعة النشر ككل، وللكاتب وحقوقه الفكرية والمادية، وأيضا تطفل أشخاص كثيرون على صناعة النشر لكونها صناعة مربحة. ويرى آخرون أن النشر الالكتروني حلا للدول التي تفرض رقابة عبثية على الكتاب الورقي. في حين يجزم آخرون أن ذلك التحول من النشر الورقي إلى الالكتروني ما هو إلا تحول لعالم جديد له مفرداته وتفاصيله المميزة.
شارك في هذا الملف كاتبات وكتاب من مختلف بلدان الوطن العربي، وكانت الأسئلة كالتالي:
1. هل تأثر النشر الورقي بالتغييرات الاقتصادية التي تحدث في العالم؟
2. هل تؤثر الأزمة التي حدثت في النشر الورقي على حركة الثقافة في المنطقة؟
3. هل يمكن اعتبار النشر الإلكتروني بديلا للنشر الورقي وما هي إشكاليات النشر الالكتروني؟
4. هل ستتغير ثوابت كثيرة في مجال الثقافة مع تعثر النشر الورقي؟
تطفل على صناعة النشر..
يقول الكاتب الفلسطيني “خليل ناصيف”: “بداية لا أعلم إن كانت توجد إحصائيات دقيقة حول الموضوع، أصحاب دور النشر العرب دائما يتذمرون من قلة المبيعات وارتفاع الأسعار حتى في فترات الازدهار الاقتصادي. نعم الأزمة الاقتصادية الحالية انعكست على تكلفة النشر وأدت إلى ارتفاع سعر الكتاب، ولكن من يرغب بالقراءة سوف يتحمل هذا الارتفاع.
أرى أن الأزمة الاقتصادية أضرت بالنشر الورقي ولكنها ليست العامل الرئيسي أو الأهم في أزمته، بل هناك عوامل مؤثرة أكثر مثل توجه الشباب لقضاء وقت أكثر مع الهواتف الذكية على حساب القراءة عموما، وكذلك عدم وجود قوانين تحمي الملكية الفكرية مما أدى لانتشار النسخ الالكترونية والورقية المزورة، الأمر الذي جعل فكرة النشر الورقي غير جذابة ماديا للناشر بالذات مغامرة النشر على حساب دار النشر.
يجب على الحكومات أن تتدخل بإلغاء الضريبة المفروضة على كل ما يتعلق بصناعة النشر، ويجب إقرار قوانين فعالة لحماية الملكية الفكرية”.
ثم كم ارتفعت الأسعار؟ مازال سعر الكتاب الورقي لا يزيد وأحيانا يقل عن ثمن قطعة جاتوه وفنجان قهوة في كوفي شوب متوسط”.
ويضيف عن تأثير الأزمة على حركة الثقافة في المنطقة: “نعم سوف تؤثر ولكن تأثيرا طفيفا فقط ، فالكتاب الكبار المدعومين سوف يستمرون بنشر كتبهم، أما صغار الكتاب فمهمة النشر كانت صعبة ومكلفة بالنسبة لهم دائما ولا جديد في الموضوع، ربما تتراجع إمكانية بعض الدور في المشاركة في المعارض أو النشر المجاني لبعض الكتب. ولكن تراجع حركة الثقافة لا يمكن تحميله للأزمات الاقتصادية وحدها، بل لعوامل سياسية اقتصادية واجتماعية وتربوية، العالم العربي يفتقر لسياسات تربوية تشجع على القراءة”.
وعن اعتبار النشر الالكتروني بديلا للنشر الورقي يقول: “النشر الالكتروني في طريقه للحلول مكان النشر الورقي ولكن النشر الورقي لن ينقرض تماما، سوف يتقلص لصالح التكنولوجيا الرقمية ولكنه لن ينته، لأن هناك جمهورا واسعا من القراء سيظل دائما يرغب بملمس الكتاب بين يديه.
للنشر الالكتروني إشكاليات تتعلق بإمكانية أكبر للقرصنة في ظل غياب قانون حماية ملكية فكرية فعال، كذلك النشر الالكتروني دائما يحتاج إلى واسطة إلكترونية للقراءة قد لا تكون متوفرة عند جميع الناس، بالذات إن كنا نبحث عن واسطة قراءة أقل ضررا بالعينين، وهناك فكرة مخيفة تسيطر علي ككاتب:
ماذا سوف يحدث لو انقطعت الكهرباء فجأة عن كل العالم؟”.
وعن تغير ثوابت كثيرة في مجال الثقافة مع تعثر النشر الورقي يقول: “من الممكن أن تحدث فوضى في البداية ولكن مع الوقت سوف تترتب الأمور، وأكرر أن المشكلة ليست في وسيلة النشر ورقية أو الكترونية ولكن في غياب قوانين تحمي صناعة النشر، فمعظم القوانين في العالم العربي تعامل الناشر نفس معاملتها لتاجر يستورد قطع غيار السيارات، إذا تم إقرار قوانين عصرية محترمة وإذا تم وضع سياسة تربوية تشجع القراءة فلن تكون هناك مشكلة بالنشر الالكتروني.
لست متشائما تجاه موضوع القراءة، سوف يستمر دائما وجود ناس يقرؤون ولكن بالنسبة لصناعة النشر في العالم العربي فالموضوع معقد ولا يمكن توقع مستقبلها بسهولة، لكن ليس موضوع ارتفاع أسعار الورق هو أعظم مشاكلها، بل مشكلتها انعدام القوانين والفوضى وتطفل الكثيرين على صناعة النشر، وربما يكون لارتفاع الأسعار جانب إيجابي هو ابتعاد بعض الطفيليات عنها بسبب تقلص الأرباح وارتفاع التكلفة سواء من الكتاب أو من الناشرين”.
الرقابة العبثية..
ويقول الكاتب “نصار حسن”: “بالتأكيد لقد تأثر النشر الورقي كثيرا مع التغيرات الاقتصادية المتلاحقة وتتسارع النسب لصالح النشر الإلكتروني”.
وعن تأثير الأزمة التي حدثت في النشر الورقي على حركة الثقافة في المنطقة يقول: “في الكم نعم ولكن في الكيف فذلك مرهون بمراجعات دور النشر لسياسات التسويق لديها”.
وعن اعتبار النشر الإلكتروني بديلا للنشر الورقي وماهي إشكاليات النشر الالكتروني يقول: “هو بالتأكيد حاجة ماسة وفق ظروف القراء فهو الأسرع نشرا وانتشار من النشر الورقي خاصة في الدول التي مازالت الرقابة العبثية تهيمن على المشهد الثقافي فيها تماما”.
وعن تغير ثوابت كثيرة في مجال الثقافة يقول: “أعتقد أن الأمر مرهون بالقائمين على النشر. إن كانت دور واعية وتسعى لنشر الأفضل بإمكانها ذلك بتكلفة بسيطة مقارنة بالنشر الورقي فالموضوع سيف ذو حدين”.
مفردات عالم جديد..
ويقول الكاتب المصري “طارق سعيد أحمد”: “نشهد الآن مرحلة مفصلية في تاريخ البشرية حيث ينتقل الكتاب من صورته التي تربينا عليها ألا وهي الصورة الورقية إلى وسيط آخر ألا وهو الالكتروني، وهذا الانتقال يبدو لي أنه تأخر إلى حد ما أو وصل إلى حدودنا الجغرافية بخطوات بطيئة.
جوهر الأمر هو القراءة بمعنى تداول الخبرة الإنسانية، وفي تقديري الكتاب الالكتروني حقق منجز في هذا الشأن أكثر من التوقعات. جاء ذلك على حساب الكتاب الورقي ولا أنكر هذا، لكن المراحل الانتقالية في أي مجال لها عيوبها ومميزاتها وغالبا ما يتكيف الإنسان مع مرور الوقت .
ولا شك في أن التغييرات الاقتصادية باتت تؤثر على جميع مناحي الحياة وبطبيعة الحال تأثر البعد الثقافي بشكل مباشر لكنها في الوقت نفسه أسرعت من إيقاع ظهور الكتاب الالكتروني هنا في مصر وفي البلاد المجاورة لنا كبديل للورقي ـ رغم اعتراضي على هذا اللفظ “بديل”ـ لأن التطور التكنولوجي أصبح خارج السيطرة وما يقدمه من منتجات وخصوصا الثقافية منها لم تعد بدائل بينما هي مفردات لعالم جديد له معاييره وخصائصه”.
ويضيف: “في هذا السياق اعترف بأنني أخذت وقتا ليس بالقليل لأغير عادة القراءة لدي من الكتاب الورقي إلى الالكتروني، لكني حاولت الخروج من طقوسي القرائية بأقصى سرعة ممكنة”.