خاص: إعداد – سماح عادل
يرى البعض أن ما يحدث للنشر الورقي لابد له من دعم من قبل الناس والقراء وأيضا من قبل الحكومات، حتى يتم إيقاف أو التقليل من مخاطر الأزمات الاقتصادية، في حين إنه تم بالفعل اتخاذ إجراءات تجاه تلك الأزمة في بعض الدول، من بعض الناشرين، حيث مال البعض إلى تقسيط أجر الطباعة للكاتب الذي يريد نشر كتابه، بل وتجرأ ناشرون آخرون على الطباعة للكاتب مجانا مقابل التنازل عن حقوقه. كما لوحظ اختفاء الكتاب الورقي وحلول الاجهزة الالكترونية التي تتيح قراءة الكتاب الالكتروني مكانها.
شارك في هذا الملف كاتبات وكتاب من مختلف بلدان الوطن العربي، وكانت الأسئلة كالتالي:
- هل تأثر النشر الورقي بالتغييرات الاقتصادية التي تحدث في العالم؟
- هل تؤثر الأزمة التي حدثت في النشر الورقي على حركة الثقافة في المنطقة؟
- هل يمكن اعتبار النشر الإلكتروني بديلا للنشر الورقي وما هي إشكاليات النشر الالكتروني؟
- هل ستتغير ثوابت كثيرة في مجال الثقافة مع تعثر النشر الورقي؟
دعم شعبي وحكومي..
يقول الكاتب السوداني: “محمد الطيب”: “عالم النشر الورقي ينقسم إلى فترتين أساسيتين ما قبل الكورونا وما بعد الكورونا، وتأثير الوباء لم يقتصر على النشر فقط بل كان له أثره في الركود الاقتصادي العالمي، ولكن تأثيره على حركة النشر كان قويا.
بشكل عام تعاني دور النشر من هشاشة اقتصادية من قبل الكورونا ومن الكساد، وذلك لأن القراءة لا تدخل ضمن الضروريات في حياة المواطن العربي، مع غياب الدعم الحكومي لعملية النشر تجعل من احتراف النشر عملية محفوفة بالمخاطر وغير جاذبة لرؤوس الأموال، وكثيرا ما تفتح دور نشر وتغلق سريعا بسبب ارتفاع التكاليف وقلة العوائد.
أثناء الوباء وبعده كانت العثرات أكبر من احتمالها. توقف المعارض الدولية للكتاب وإغلاق المكتبات أدى لانهيار هذا القطاع بشكل كبير وأغلقت عشرات دور النشر الصغيرة والمتوسطة وأبوابها، ولم تنج الدور الكبيرة من الأثر المدمر للجانحة فترنحت وقل منتوجها بشكل واضح، وكان لهذا أكبر الأثر في حركة الإنتاج الفكري والأدبي وتراكم المسودات على ذاكرة الحواسيب وأدراج المكاتب.
ابتداء من العام السابق بدأ القطاع في التعافي تدريجيا بعد عودة المعارض والمكتبات ولكن الأثر التراكمي للتباطؤ الاقتصادي من أثر الجائحة سيستمر لعدة أعوام، خاصة مع التضخم الاقتصادي العالمي الذي أدى لارتفاع تكاليف المدخلات وبالتالي ارتفاع سعر الكتاب الورقي وعزوف القارئ عن الشراء”.
وعن تأثير الأزمة على حركة الثقافة في المنطقة يقول: “بالطبع كلما قلت القراءة كلما قل المستوى الثقافي، العلاقة هنا طردية لا نقاش في ذلك، والحل الوحيد في تقليل التكاليف وبالتالي تقليل سعر الكتاب وهذا لن يتم إلا بتدخل حكومي في دعم هذه العملية، والوعي بأهميتها قبل ذلك عن طريق تقليل الجمارك وتكاليف النقل بل يمكن أيضا بالدعم المباشر لأسعار المدخلات من أوراق وأحبار وغيرها. إن لم يكن هناك دعم لدور النشر في تحمل نسبة من سعر الكتاب الورقي لتقليل مخاطر الخسارة.
ولأن العلاقة بين حركة النشر والوعي الثقافي قوية جدا فكلما زاد العزوف عن القراءة قل المستوى الثقافي المجتمعي، وبالتالي زاد العزوف عن القراءة وستدور الأمور في دائرة مغلقة لا بد من كسرها”.
وعن اعتبار النشر الإلكتروني بديلا للنشر الورقي يقول: “نعم بالطبع على المستوى النظري ولكن على مستوى التطبيق هناك معوقات كثيرة مثل عملية الدفع الالكتروني وانسياب الأموال العابرة للحدود بين الدول، وهنا تتدخل عوامل سياسية واقتصادية في تلك العملية. كما أن التشديد في عملية حفظ الحقوق المادية وحقوق النشر للدار ومحاربة عمليات القرصنة الإلكترونية للكتاب الالكتروني سيساعد أيضا، ولكن بالطبع ليست هناك جدية حقيقية لمجابهة الأمر وليس من ضمن أولويات الحكومات، ولا حتى على مستوى وزارات الثقافة وهيئات الملكية الفكرية وهي المنوط بها إصدار التشريعات اللازمة ومتابعة إنفاذها لضبط تلك العملية”.
وعن تغير ثوابت كثيرة في مجال الثقافة يقول: “لدينا في السودان انتشرت ظاهرة بسبب ندرة الكتاب الورقي وارتفاع سعره وهي الثقافة السماعية. حيث يكتفي المهتمين بالثقافة بقراءة أحدهم للكتاب وتلخيصه حسب رؤيته وتبنيها من قبلهم. يبدو هذا حلا مؤقتا لتلك المشكلة ولكنه حل مثير للرثاء والألم.
لابد من وضع حلول للمشكلة القائمة على مستوى دعم الكتاب الورقي وتذليل عثرات النشر الالكتروني، والترويج للقراءة ودعمها، وعودة المكتبات المدرسية وإثراءها، وهذا مجهود شعبي وحكومي في آن واحد. سينعكس بطريقة إيجابية على الحراك الثقافي وفي حالة الاكتفاء بمتابعة الأزمة دون تدخل حقيقي فالنتائج معروفة ولا تحتاج لمزيد من التوضيح”.
النشر بالتقسيط..
وتقول الكاتبة العراقية: “زينب فاضل المرشدي”: “نعم تأثر النشر الورقي مع التغيرات الاقتصادية التي حدثت في البلاد وهذا أمر طبيعي، ولكن ليست هذه هي المشكلة الوحيدة، إذ نجد أن أسعار الكتب منخفضة جداً بحيث لا تسمح للكاتب أن تعتمد عليه كمصدر لمردود مادي، بل أنه غالبا لا يستطيع استرجاع سعر الطباعة حتى، إذا ما أخذنا بنظر الاعتبار النسخ التي لا تباع والنسخ التي توزع مجانا.
ويبقى سعر الطباعة ليس عائقا إذا ما أراد الكاتب أن يطبع كتابا، فهناك دور تعمل بنظام الدفعات (التقسيط) وتقوم بعض الدور بالتعاقد مع الكاتب لطباعة الكتاب مجانا، مقابل التنازل عن حقوقه المادية.
وهناك أيضا اتحاد الكتاب الذي يمنح الكاتب مبلغا من المال سنويا يكفي لطباعة كتاب واحد، كما أنه يتكفل أحيانا بطباعه كتاب في المطابع الخاصة”.
وتضيف: “في هذا الوقت وفي العراق تحديدا هناك نهضة ثقافية عالية المستوى وازدهار في مجال الطباعة”.
وتواصل: “فيما يخص النشر الالكتروني أظن أن أجيال الخمسينات والستينات والسبعينات والثمانينات لا يقنعون بالكتب الالكترونية لأسباب عديدة تتعلق بطبيعة هذه الأجيال، بينما لا تجد الأجيال اللاحقة مشكلة في الكتاب الالكتروني، خاصة وأنه سهل الاقتناء ومجاني أو شبه مجاني”.
وتؤكد: “هناك دوما تغييرات تطرأ على الثقافة وهذه التغيرات تفرضها الأجيال الجديدة وفق رؤيتهم وتطلعاتهم، لا يمكنني التكهن بما ستؤول إليه الأمور ولكنها عموما ستكون تغيرات بطيئة بسبب ميول الأغلب الأعم للنسخ الورقية”.
اختفاء الكتاب الورقي..
وتقول الكاتب الليبية: “محبوبة خليفة”: “نعم أعتقد ذلك بدليل توقف صدور صحف ومجلات مرموقة حول العالم وتحولها إلى النشر الرقمي.
وقد تأثرت الثقافة بما حدث إلى حدٍ ما ، فلم تعد الجريدة مصدراً وحيداً للأخبار كما لم تعد المجلات بتنوع تخصصاتها بانتشارها السابق, وإن كنت أرجِّح أن الحركة الثقافية بصفة عامة ما تزال بحالة جيدة والدليل كثرة المعارض وتنوع عناوينها وإقبال الناس عليها”.
وعن اعتبار النشر الإلكتروني بديلا للنشر الورقي تقول: “لا أعتقد ذلك فما زال للكتاب الورقي قيمة، ووجوده في مكتباتنا المنزلية أمر مهم ومحبب لكن المخاطر تحوم حوله والمنافسة أيضاً. فمواقع القراءة الالكترونية تزدهر وتكسب قُرّاء جدد على مدار الساعة خاصة بين الأعمار الصغيرة والشابة، وتتمثل إشكالية النشر الإليكتروني في نوعية رواده وأغلبهم من الشباب كما أسلفت، وهؤلاء لهم أمزجة مختلفة وجديدة في القراءة والإطلاع”.
وتؤكد عن تغير ثوابت كثيرة في مجال الثقافة مع تعثر النشر الورقي: “ربما وإن كانت غير واضحة الآن لكنها قادمة. لاحظت خلال زيارتي للندن هذا الصيف اختفاء الظاهرة المعتادة في وسائل المواصلات، فلم أشاهد مثلاً القارئ الإنجليزي راكب القطار وبصحبته كتاب وهذا ما أثار دهشتي، كانت الأجهزة المحمولة هي البطلة”.