خاص: إعداد- سماح عادل
رغم سحر الكتاب الورقي، رائحة الورق وملمسه، وسحر الشغف الذي ينتاب القاريء حين يحمل الكتاب ليقرأه، وكأنه يحمل صندوق هدايا، إلا أن الكتاب الالكتروني له سحر آخر. سحر توفره سريعا، وربما بلا مقابل، ووصوله إلى أماكن بعيدة وشاسعة، والشعور بسهولة الحصول عليه.
شارك في هذا الملف كاتبات وكتاب من مختلف البلدان العربية، وكانت الأسئلة كالتالي:
- هل تأثر النشر الورقي بالتغييرات الاقتصادية التي تحدث في العالم؟
- هل تؤثر الأزمة التي حدثت في النشر الورقي على حركة الثقافة في المنطقة؟
- هل يمكن اعتبار النشر الإلكتروني بديلا للنشر الورقي وماهي إشكاليات النشر الالكتروني؟
٤. هل ستتغير ثوابت كثيرة في مجال الثقافة مع تعثر النشر الورقي.
انكماش الثقافة وقت الأزمة..
يقول الكاتب العراقي “تحسين كرمياني”: “من البداهة، أي تعثر اقتصادي شامل سيشل الجوانب الكمالية في الحياة أولاً، أعني بالجوانب الكمالية تلك التي تتعلق بالثقافة بمجمل تفرعاتها، والفنون بكل ألوانه، من طبيعة البشر، إنه ينكمش أوان الأزمات الاقتصادية نحو الجوهر، ويتخلى عن كل ما ليس له علاقة بالمعيشة، الغذاء والدواء، وما دمنا بصدد النشر الورقي، طبعاً سيتأثر بشكل ملحوظ، لأن المجهول سيشغل بال الإنسان، وسيدفعه للتقشف خوفاً من الغد المجهول.
لم تعد المطبوعات الورقية كالمجلات والصحف والكتب تصدر كما كانت سابقاً، وكما كانت تصل إلى ربوع الوطن في وقت قياسي، وإن واصلت بعضها الصدور، نجدها قد اختزلت عدد الصفحات، واستخدمت الورق الرديء، وقلة المكافآت دفعت بأصحاب الأقلام الرصينة المعروفة التخلي عن الكتابة فيها، ناهيك عن تكلفة النقل وصعوبة التوزيع في يومنا هذا، مع انحسار نسبة القرّاء وانفتاح العالم عبر وسائل الأنترنت، ربما في بلداننا حصل هذا سريعاً، بسبب المتغيرات السياسية غير المستقرة، سابقاً كان الدعم مفتوحاً من قبل الحكومات وتسهيلات العبور عبر البلدان كانت ميسرة، واليوم باتت معدومة، وهناك عراقيل أغلبها سياسية تمنعها، توجد استثناءات لبعض المطبوعات وهي مسيسة، ولا تمت للثقافة الجمالية للإنسان بشيء.
عكس العالم الغربي، هناك أرضية صلبة مستدامة لن تقلل من أهمية وكمية المطبوعات الورقية، لديهم كل السبل لديمومتها، كون الثقافة تجارة رائجة غير خاضعة للرقابة وغذاء دائم للإنسان الغربي المتعطش دائماً للثقافة”.
وعن تأثير الأزمة على حركة الثقافة في المنطقة يقول: “طبيعي جداً ستؤثر، لأن وسائل النشر الإلكتروني المتمثلة بمئات المجلات والصحف التي تنشر إلكترونياً من قبل أسماء مجهولة ثقافياً، باتت تروج للثقافة السطحية، وتمنح الشهادات التقديرية المزيفة، مما شجع الكثير من الناس أن ينزفون ما في خيالهم من هواجس وخواطر، الأمر الذي أربك الذائقة الأدبية بشكل عام لدى أغلبية الناس، توجد استثناءات، لكنها محاصرة بالكثير من الهزالة، فغيوم الطارئين حالياً غطت سماء الحقيقة، وانتجت النفور، وأوقدت مصابيح اللا جدوى من المتابعة، ويمكننا أن نلاحظ الكثير من أصحاب المواهب كيف انجرفوا معهم وساروا مع التيار السائد”.
وعن النشر الإلكتروني كبديل يقول: “ربما نعم، ولكن أقترح أن تكون هناك دور نشر تتعامل بذلك، أن تعتمد الضوابط لنشر ما هو جاد، وربما هذا لن يحصل أو يتأخر حصوله، لأن غاية الناشر هو كسب المال، وهذا من حقه، لكن يجب أن لا يكون على حساب الثقافة، فالعالم العربي حديث التعامل مع التطور التكنلوجي، لو أخذنا مثلاً، الروائي البرازيلي صاحب رائعة ’’الخيميائي‘‘ باولو كويهلو، يفضل النشر الإلكتروني لرواياته مع كتابة جملة يرجو فيها القارئ أن يتفضل بشراء نسخة ورقية من الرواية، وبذلك حقق ما أراد.
هذا يحدث في العالم الغربي، لكن لدينا مستحيل، فالمال عندنا همٌ وروح، سابقاً كنّا نصرف أرواحنا من أجل شراء الكتب والمطبوعات، حالياً المتغيرات الحياتية عصفت بتلك الرغبة، لم تعد منازلنا تستوعب الكتب، بات الكتب في المنازل مصدر غم وهم وتذمر وتلاسن وتجميع الغبار وربما العث أيضاً، لذلك بدأنا نقرأ إلكترونياً والكتب متاحة مجاناً عبر مواقع ك سكرثيرة فيها من الكتب ما كانت أحلاماً تقضي مضاجعنا سابقاً.
أما بخصوص الإشكاليات، أظن أن الجهل ما زال يُنفر الكثير من متعة أو فضول القراءة، استثناء طلبة الدراسات العليا، وتنقطع عندهم القراءة بعد مناقشة رسائلهم وأطاريحهم مباشرة، بات المرء مشغولاً كما أسلفنا بالسطحيات، بالصور المثيرة أو المشاهد الساخرة ومتابعة كرة القدم، والجمل الرائجة التي تطلقها الألسن علناً: وما نفع القراءة؟ لا أملك وقتاً للقراءة! سواء قرأنا أو لم نقرأ نفس الشيء! وهلمجرا. هذا التقاعس والكسل والإهمال سيقودنا نحو متاهات الحياة، وتوفير فرص الهيمنة علينا وقيادتنا من قبل الشعوب التي تقرأ لتفترس”.
وعن مستقبل النشر والورقي والثقافة يقول: “أظن أن النشر الورقي سيحتضر رويداً رويدا، طالما التكنلوجيا تواصل حربها للهيمنة على كل مجريات الحياة، وليست هناك دوافع للحفاظ على المطبوع الورقي تقابلها كند، فالنشر الإلكتروني سهل الوصول إلى كل مجاهل الأرض، وبسرعة البرق، وسهل التعاطي معها، لا يحتاج المرء إلى مكتبة لخزن ركام الكتب وصرف الكثير من المال، فأينما يكون المرء، يمكنه أن يغربل العالم عبر شاشة محمولة وأزرار معدودة، والثوابت ستتغير حتماً.
اليوم مثلاً تتنافس الشركات لإنتاج الذكاء الصناعي، وميزته إنتاج القصص والروايات والقصائد واللوحات، وغداً سيدير المعامل والشركات ويتم إلغاء الأيدي العاملة ويربك الكون بالبطالة والفوضى وخلق ساحات للحروب، من طبيعة العقل البشري، إنه سينجرف سريعاً كونه عاشق للتجديد دائماً، وهو غير المحصن حالياً بقوة الإرادة الشخصية والمجتمعية.
سيتعامل مع المتغيرات قلباً وقالباً، عقلاً وروحاً، كونها ستمنح المتع الساخرة لتحرير النفوس من الكبت، عالم اليوم بات يعيش على هامش الحياة، بدأ يتخلى عن الجوهر، بسبب المتغيرات السياسية المراوغة والحروب المتنوعة بين الدول العظمى، بات الإنسان ينظر إلى يومه ويفكر بنفسه أكثر مما ينظر إلى الغد”.
التحول إلى الصيغة الاستهلاكية..
يقول “محمد سعيد احجيوج” روائي مغربي: “إذا ما أردنا مقارنة النشر الورقي بالنشر بالإلكتروني فإن الصيغ الإلكترونية لنشر الكتب عرفت طفرة كبيرة، أمام الورقي، خلال فترة جائحة كورونا. حتى على المستوى العربي، رغم محدودية ذلك، تزايد اهتمام دور النشر بالكتاب الإلكتروني والصوتي.
أما عن تأثير الأزمة الاقتصادية على النشر الورقي، بالأخص على الناشرين العرب، فهو أمر لا نملك الاقتراب من معرفته، لأن دور النشر العربية لا تصرح بأي أرقام ذات صلة بالمبيعات، باستثناء شكوى الناشرين المعتادة منذ زمن أنهم يخسرون ولا يربحون، رغم أن النشر، من الناحية الكمية، لا يبدو أنه متأثر بالأزمة.
يمكننا أن نرى تأثير الأزمة لو نظرنا إلى الطرف الآخر المعني بالنشر، أقصد القارئ. هنا يبدو الأمر واضحا، فالقارئ صار يشتكي، أكثر وأكثر، من غلاء أسعار الكتب، وهو لم يعد بإمكانه اقتناء الكتب بالكم الذي كانه قبل استفحال الأزمة الاقتصادية الحالية. هناك الغلاء على مستوى كل المواد والخدمات، دون أي ارتفاع في الرواتب، وكذلك ارتفاع أسعار الكتب نفسها، ومعها تكلفة الشحن بالنسبة لمن كان يشتري الكتب عبر متاجر الكتب على الشبكة”.
وعن تأثير الأزمة على حركة الثقافة في المنطقة يقول: “حركة الثقافة في المنطقة لا تحتاج أي أزمة لتؤثر فيها، فـ “الحركة” متوقفة فعليا، ولا أرى أي حركية ثقافية حقيقية منتجة، ومؤثرة، إلا بعض الاحتفاليات المبهرجة التي تقف خلفها مؤسسات ثرية ليست “الثقافة” هي غايتها الأولى” .
وعن اعتبار النشر الإلكتروني يقول: “كلا، ليس النشر الإلكتروني بديلا. إنه صيغة أخرى للنشر يمكنها التواجد بالتوازي مع النشر الورقي، وتبقى “أذواق” واحتياجات القراء، الاستهلاكية، مختلفة. هناك قطعا من يفضل بشكل حصري القراءة على الأجهزة الإلكترونية، وهناك من يفضل حصرا القراءة على الورق، وهناك آخرون يجمعون بين كل صيغ القراءة الممكنة، حسب طبيعة الكتاب وزمن القراءة.
شخصيا، أقرأ الكتاب الإلكتروني، لكني أيضا متقدم في العمر كفاية لأجدني مستسلما لحنين الكتاب الورقي، وأرى أن جزء من “قيمة” الكتاب تتحدد في شكله الورقي، عكس الإلكتروني الذي لا يملك وجودا دائما”.
وعن تغير ثوابت كثيرة في مجال الثقافة مع تعثر النشر الورقي يقول: “أولا، وقد تكون ملاحظاتي قاصرة، لست أرى أن النشر الورقي متأثر حاليا. أغلب الناشرين الكبار ما زالوا ينشرون بالكم نفسه الذي كانوا عليه. أقول “أغلب”، ولا أتجاهل حقيقة نقص إنتاج بعض الناشرين الصغار.
ثانيا، نعم، ستتغير ثوابت كثيرة في مجال الثقافة، لأن البدائل المتاحة عن النشر الورقي تتسم بصيغة الاستهلاكية، أي أنها تُصير الكتاب سلعة استهلاكية أكثر مما هو إنتاج فكري، أو ثقافي.
أو، لو شئنا الاقتراب من الحقيقة، ربما أنا أبالغ في تخوفي، فما أراه من نزوع استهلاكي سطحي يواكب صيغ النشر البديلة قد لا يكون مشكلة أصيلة في تلك الصيغ، بل هي مشكلة في هذا الجيل من القراء، في المجتمع عموما، وتغير النظرة إلى قيمة الثقافة والانتاجات الفكرية، وقبل ذلك انهيار المستوى التعليمي. ربما ثوابت كثيرة في مجال الثقافة قد تغيرت فعلا، والسبب ليس تعثر النشر الورقي”.
عصا المحرمات..
يقول الكاتب العراقي “ميثم سلمان”: “صناعة الكتاب مثلها مثل أي صناعة أخرى تتأثر بالأزمات الاقتصادية. أعتقد أن تأثير هذه الأزمة على حركة الثقافة في الوطن العربي طفيف جدا، إذ دائما ما توجد هناك بدائل في نشر الكتب والمعلومات بشكل عام، كأن تكون من خلال النشر الالكتروني أو طرح الكتب على شكل ملفات مسموعة إلخ. أما ما يخص حركة الثقافة في الوطن العربي، فأجد أن ما يعرقل تقدمها نحو الأمام هو ليس بالدرجة الأساس قلة نشر الكتب، بل هو وجود عصا المحرمات السياسية والدينية في عجلة الثقافة”.
وعن اعتبار النشر الإلكتروني بديلا للنشر الورقي يقول: “من يراقب التطور التكنلوجي الهائل خلال العقود الأخيرة، والقفزات العلمية الكبيرة التي أجبرت الإنسان على تغيير طرقه التقليدية في العيش وتعاطي المعلومات، سيجد (المراقب) أن النشر الإلكتروني يطغي تدريجاً على مساحة النشر الورقي. وهو سيكون، شئنا أم أبينا، البديل. أما عن إشكالياته الأكبر، فتكمن في جودة المادة المنشورة إذا ما غابت المعايير العلمية والفنية والنقدية. علماً أن آفة غياب الضوابط العلمية والفنية لا تنجو منها حتى دور النشر الورقي، تلك التي تسعى للربح على حساب الجودة. وما أكثرهم في عالمنا العربي”. ويقول عن تغير ثوابت كثيرة في مجال الثقافة مع تعثر النشر الورقي: ” لا أعتقد ذلك”.