خاص: إعداد – سماح عادل
يرى البعض أن النشر الورقي لن ينتهي مهما مر من أزمة، وأنه ربما الدعاية المضادة هي ما تزيد أزمته، وأن النشر الالكتروني لن يحل محله. في حين يرى آخرون أن النشر الورقي كان عبئا على البيئة، وأنه لم يكن خيرا كما يعتقد الكثيرون، فبسببه قطعت الغابات، ودمرت الأشجار، كما أن النشر الإلكتروني ممتلئ بالمزايا بالنسبة للكاتب والقاريء.
شارك في هذا الملف كاتبات وكتاب من مختلف بلدان الوطن العربي، وكانت الأسئلة كالتالي:
- هل تأثر النشر الورقي بالتغييرات الاقتصادية التي تحدث في العالم؟
- هل تؤثر الأزمة التي حدثت في النشر الورقي على حركة الثقافة في المنطقة؟
- هل يمكن اعتبار النشر الإلكتروني بديلا للنشر الورقي وما هي إشكاليات النشر الالكتروني؟
- هل ستتغير ثوابت كثيرة في مجال الثقافة مع تعثر النشر الورقي؟
الدعاية المضادة تزيد الأزمة..
يقول الكاتب العراقي “أحمد خلف”: “من المؤكد أن أي سلعة، أو غرض يخضع لعمليات العرض والطلب يتأثر بحركة الاقتصاد بصورة عامة، والنشر الورقي تحديدا يخضع لحركة السوق بصورة مباشرة، من خلال أسعار الورق أولا، وعمليات الطبع ثانيا إضافة إلى نوع الكتب المعروضة في السوق، وسنجد أن أسعار الكتب وخصوصا ذات النهج الأكاديمي الذي يدرس في الجامعات كمصادر معرفية قد ارتفعت أسعارها، كما ارتفعت أسعار الكتب المترجمة بأشكالها كافة، مما سبب للمثقف العربي صعوبة الحصول على مصادره التي تعنيه, وقد لجأ الكثير منهم إلى الاستفادة من مصادر الكترونية، وهذه حتى لو فرضت على المتلقي مبلغا للشراء فإنه سيكون أكثر رخصا من الكتاب أو المصدر الورقي”.
وعن تأثير الأزمة على حركة الثقافة في المنطقة يقول: “نعم يمكن لها أن تترك آثاراً بعضه خافيا، لا يمكن معالجته بيسر، مالم يتم تصفية بقية العناصر العلني، التي تشكل عصب الأزمة, ومن بينها عدم إمكانية انتشار الكتاب أو المجلة ذات التخصص النادر وبصورة سلسة أو طبيعية، حيث يصعب الحصول عليه من جهة وربما لغلائه من جهة ثانية، لذا كان ومازال البعض من المثقفين يلجأ إلى البحث عن مصادر ثقافته من خلال الانترنت ومحطات التواصل، لتغطية النقص الحاصل لدى المتلقي, وقد يلعب الإعلان أو الدعاية المضادة في زيادة اشتداد الأزمة مما يؤثر مباشرة على حركة الثقافة بصورة عامة”.
وعن النشر الالكتروني بقول: “لا يصح أن يكون أي عنصر من عناصر النشر بديلا عن غيره، إذ لكل من هذه النشاطات خصائص محددة وأرضية ثقافية ومعنوية خاصة به، النشر الالكتروني يبقى يستهوي عددا من المعنيين بالثقافة، وهو لرخصه يمكن أن يتيح للمثقف فرصة الاطلاع على مصادر جديدة، غير أنه من المعروف أن الكتاب الالكتروني قد يختفي في ساعة أو يوم وهو مرتبط بحالات غير معروفة أي عكس النشر الورقي، الذي أجده ذا تاريخ عميق في الأيام والسنين، وهو عنصر له جمالياته التي يفتقدها النشر الالكتروني، ولعل المجلة أو الكتاب من الممكن التنقل بهما من البيت إلى المقهى أو النادي لهما خصوصية لا يتمتع بها النشر الالكتروني، لذا يصعب أن يكون أحدهما بديلا عن الآخر وفي أي ظرف من الظروف، وهذا النوع من النشر تأخذ به الجامعات وتعتمده كمصدر في تعاملها مع الدراسات التخصصية .
ويبقى للكتاب ورسم حروفه وصناعته بل وأغلفته وعناوينه، لها تأثير ملحوظ، من هذا المنطلق وما عددناه من ملاحظات، يصعب أن يكون النشر الالكتروني بديلاً عن غيره من وسائل النشر”.
ويجيب عن سؤال “هل ستتغير ثوابت كثيرة في مجال الثقافة مع تعثر النشر الورقي: “اعتقد أن ثمة صيغة مبالغ فيها تكتنف هذا السؤال، إذ عندما نقول الثوابت هذا يعني الأسس التي تتحرك عليها الظاهرة الثقافية وإلا لا يعد من الثوابت من يخضع إلى التغيير أو التبديل, وفي مجال الثقافة نجد أن الظاهرة الثقافية قد مرت بمراحل تطورية عديدة، ولعل الإشارة هنا إلى الثلاثين عاما التي مضت قبل الاحتلال، لكن بعد دخول الانترنت إلى حياة المثقفين وخصوصاً العراقيين، فإن الكثير من مكونات الثقافة قد أعطت نتائج ممتازة، واعتقد أن ما أسميتها أزمة نشر ورقي، فيها تكمن صيغة المبالغة، التي أشرت إليها في بداية الجواب، لأن كل أزمة لا مفر من أنها تستدعي عدداً من خصائصها الذاتية، لكي تستطيع العودة للحياة وممارسة فعالياتها السابقة”.
الطباعة الورقية تدمر البيئة..
ويقول الكاتب “صبحي فحماوي”: “نعم ، تغير النشر الورقي بسبب انتشار التكنولوجيا و(الميديا) وبسبب اهتمام العالم الرأسمالي بتسويق منتجاته وليس التفرغ للقراءة والكتابة. التي لا تنفع المنتج. وقد تشغل الرأي العام عن الاستهلاك. العالم اليوم يُساق للتفكير بالاستهلاك، ولهذا يجري تجفيف منابع الفكر.نحن لا نريدك مفكراً. لا تتفلسف علينا. لا تحاول تغيير مسارنا الرأسمالي. كلامك هذا لا يطعم خبزاً. نحن نريدك مستهلكاً لمنتجاتنا. ماذا تريد؟ أين الدولار الذي ستشتري به؟ اشتر وادفع، لا تناقش.وإذا كان هناك عيب في السلعة التي اشتريتها، تستطيع إرجاعها أو تصليحها على حسابنا المهم أن تدفع ثمن السلعة”.
وعن تأثير الأزمة يقول: “إنها ليست أزمة. وإنما هي حالة. أو مرحلة، يتحول فيها الكتاب الورقي إلى كتاب رقمي. أتذكر أيام كانت الطباعة (أوفست) كانوا يرصون الحروف الرصاصية، ويصورون (بليت) ثم يحمضونه، كالصور الفوتوغرافية، ثم يطبعون. والذي حصل هو مسألة تطور، أو تغيير، تحولت الطباعة فيها عبر الواتس أب والمسنجر والإيميل وغيرها ومن وسائل التواصل الثقافي، والقراء صاروا يفضلون القراءة الرقمية.
وأما عن حركة الثقافة في المنطقة، فلقد صار توجيه رأس المال لهم نحو الاستهلاك السلعي. صاروا يوجهونهم نحو ثقافة آخر طراز لجهاز خلوي أو جهاز محمول ليحل محل بعد الجهاز المحمول الذي صار قديماً. جهاز تلفاز حديث بدل الجهاز القديم..آي فون..آي باد..آيآي..وأجهزة بعد أجهزة.وذلك ليكون الإنسان مستهلكاً، من دون أن يفكر”.
وعن النشر الإلكتروني يقول: “نعم النشر الإلكتروني سائر في طريقه ليحل محل النشر الورقي، فلم نعد نقرأ الصحف الورقية ومنذ عقود أفلست دور طباعة ونشر الصحف الكبرى ولم تعد الصحف والمجلات الباقية تدفع مكافآت للكُتّاب، و”الحالة تعبانة يا ليلى”.
وبدل إشكاليات النشر الالكتروني، دعونا نقلب السؤال فنقول: ما هي فوائد النشر الإلكتروني؟ الذي أول فوائده سرعة النشر بدل أن كانت مقالات معظمنا تنتظر شهرأ ليسمح لها بالنشر، نظراً لزحمة المقالات المعروضة، وتحكُّم موظف النشر بالنصوص التي تأتيه..حسب مزاجه، أو شلليته، أو حسب انسجام أفكار الكاتب مع أفكار دار النشر، أو قوة النص الأدبي المرسل. واليوم أنت تنشر من دون الوقوف عند باب موظف النشر، لأنه إذا لم ينشر لك، تستطيع أن تستبدله بدار نشر أخرى، أو موقع أدبي أو صحافي بديل.
ثم إن النشر الإلكتروني يوقف قطع الأشجار لصناعة الورق، ففي كل يوم كانت تصدر فيه صحيفة الهيرالد تريبيون، أو غيرها من الصحف العالمية، كانت تُقطع غابة وتفرم أخشابها لصناعة الورق، وهذا أدى لتدمير البيئة، والاحتباس الحراري الذي نعيشه اليوم. الطباعة الورقية وسيلة من وسائل تدمير البيئة”.
وعن مستقبل الثقافة العربي يقول: ” نعم تتغير اليوم ثوابت كثيرة مع تضاؤل النشر الورقي، فلم يعد هناك قاطعون لأشجار الخشب، مصدر الورق، ولم يعد بائعو صحف في الشوارع..انقطعت أرزاقهم. ولم يعد الكاتب مضطراً لاستجداء الناشر، ولم يعد الكاتب خاضعاً لرقابة الدولة، لأن ما لا ينشر هنا، تجده بعد لحظات منشوراً في موقع دولي آخر- ناهيك عن العقوبات التي صارت تنتشر كالشبكة العنكبوتية. كل الفضاء عقوبات عقوبات عقوبات.صار الخبر ينتشر بحرية وبدون رقابة المطبوعات. وصار الكاتب ينتشر عربياً وعالمياً بدون انتظار الطباعة في دور النشر”.