العرب في تخلف لا نناقش في ذلك ولا نخفيه ولا ندافع عنه او ننكره ، وهذا امر وارد في تناوب الحضارات ، حصل مع غيرنا عبر التاريخ فاسفلوا بعد علو ، وانحطوا بعد نهوض وسيحصل مع الاخرين مستقبلا فهو سنّة كونية “وتلك الايام نداولها بين الناس” قول الله تعالى.
ولكن المحزن ان العرب غير الترك والاسيويين وبعض الافارقة ، ليس في المنطور استعادتهم لمجدهم -كما بدأ السالف ذكرهم فعله واقنربوا من تحقيقه-لسببين الاول ان مجدهم “العرب” مقترن بالاسلام ولن يجدوا طريقه بغيره ولذلك يتم فصلهم قصديا عنه بالتسليخ والتغييب وهذا امر كتبنا فيه كثيرا وكتب الآخرون . والثاني -وهو مقصدنا اليوم- هو البيية الثقافية والاكاديمية “والنخبوية” الفاشلة ، فزمن الفلاسفة الحقيقيين والمفكرين العرب الأحرار ولّى واُستبدِل باكاديميين “اصحاب شهادات” لا تفي قيمة حبرها وورقها ، والفارق -لمن لا يميّز- ان المفكر المنتج والكاتب والأديب والمنظر السياسي والعالم الديني والفيلسوف المتمعق كل هؤلاء لايمكن تزويرهم بمعنى إن لم يكتب رجل ماينفع ولا يُقرأ له لن يسمى كاتبا ولن يتقبله أحد بهذه الصفة ، وإن لم يتفكر ويسطّر أفكاره النافعة لن يشار اليه انه مفكر ولن يكون له تأثير ، وهكذا المنظر والعالم و أي عنوان نخبوي فيما مضى من عصور الامة النهضوية ،
ولكن هذا المصطلح المعروف ب “الأكاديمي” فضفاض ويمكن ان ينطوي تحته جهلة ومدعين بل وأميين لكن بالقاب ودرجات ورواتب ، وهذا هو قمة الخداع للنفس والتخدير للناس والتسطيج للثقافة ومخرجاتها المهمة التي تدفع المجتمعات للتقدم ، ولا اظن ان هذا الامر وقع عفويا -كما وقع تصحير الأرض مثلا وتخريب الاجواء- ولكنه امر مدبر ، ليس ضروريا ان يكون من نتاج أصحاب المؤامرة المعروفين ، ولكنه امر مدبر دون شك ، وإلا فلماذا في هذا الزمان ، ولماذا نحن فقط ! لماذا يشدد على جامعات العالم ومدارسه وعلى الشهادات التي تمنحها ويشترط فيها معايير كثيرة ليس اولها البحث الأصيل ولا آخرها إضافة علمية جديدة ، بينما تقبل جامعاتنا بل يُقبل من مبتعثينا -حتى الى الجامعات العالمية- ان ياتي بافكار مجمعة مركبة ببعضها منقولة عمن سبق لا تضيف الى العلم او الأدب شيئا ، فيصبح الرجل أكاديميا ويُصدّر لاعتلاء مشهد ثقافي او علمي او اجتماعي لا يفقه منه شيئا ولا ينفعه بشيء،
فالهجمات على دينهم على قدم وساق ولم ار مؤسسة من مؤسساتهم المتخمة بالعناوين والالقاب والبدلات والاربطة والرواتب تصدت أو انبرت او بادرتهم الى اخذ دور المقابلة الفكرية كما فعل اسلافنا “بدون اكاديميات ولا شهادات-“وعلى احسن مايكون ، بينما يأخذ مفكرون احرار قلة اليوم او مؤثرون على التواصل زمام هذا الامر دون درهم او قيراط ! والتهديم لمجتمعاتهم لا يهدأ ولا يفتر من كل حدب وصوب ولم اجد احدا منهم كلف خاطره ونهض لينافح بل على العكس جعلوا جامعاتهم والمنابر التي يفترض انها مجتمعية مرتعا للراقصات من الطلبة والطالبات وحفلات المجون داخل اروقة جامعاتهم حتى صرنا مضربا للعار ومثالا للخزي ،
ليس اكاديميونا -وأقصد العموم لا التعميم- والمؤسسات لا الافراد ، فلربما وجدنا فردا هنا او فردا هناك يقوم بدوره ارتجاليا دون استناده على مؤسسته الاكاديمية الرسمية او الاهلية ،
اقول ليس اكاديميونا في احسن حالاتهم الا صدى للغرب ، وليتهم صداه العلمي كما تركيا وماليزيا وكوريا وسنغافورة ، وانما صداه الشكلي التافه ، المث.لية والجند.رية والشاذ.ون والمس.ترجلات والرذيلة والابتذال والتسقيط الاخلاقي والاجتماعي والانفلات النسوي والاستهتار الرجالي يملأ الافاق وهم ينظرون يتفرجون ،
ببغاوات يرددون دون خلق او مبادرة الا ممن لم نسمع بهم لندرتهم ولكن البيئة الاكاديمية العامة لم تاخذ على عاتقها مثلا التصدي لتخريب النوع الانساتي في مجتمع هي اعرف الناس به وهي جزء منه ، بل تتفرج ظنا منها ان هذا مد وحضارة غربية يجب ان تسود وتصدر لنا الاخلاق والقيم مثلما صدرت لنا السيارات والكومبيوتر، فلا تحرك ضد تخريب الجنس ولا لدعم الفطرة والثنائية الخلقية ولا لصد الهجمة على الاسلام المفترى عليه “بصفة الارهاب” ولا لوقف مخربي المجتمع من الممولين ولا لتحذير الحاكمين وتنبيه الدولة وتبصير اولي الامر في ما يجري ،
لم ار مظاهرة او بيانا واحدا لهم حول ما تنحدر اليها مجتمعات العرب وما يحاك لها الا مظاهرات الاعتراض على المعاشات والمكافآت ، لا قيمة لافعالهم يدخل محاضرته الجامعية او درسه الثانوي لا ينبس ببنت شفة ناصحا او مرشدا طلبته ،وان نوى فلا يستطيع لعدم قدرته على تاليف جملة صحيحة لخواء عقله وجوفه من المعرفة التي اتخذها شكلا ولقبا ولم يحوي من جوهرها شيئا ، فضلا عن ان تراه يكتب مقالا او يؤلف من بنات افكاره مؤلفا ياخذ صداه بين اجيال اليوم التي لم تعد تتقبل كلام الاولين مدعية ان ذاك زمن وهذا زمن ، ولكن فاتهم ان لذاك الزمن رجال افذاذ ولهذا الزمن رجال من رذاذ ،
وفوق هذا يلومون المثقفين لعدم “ممارستهم دورهم “ولا يدرون ان تجهيل المجتمع عن طريقهم اوصله الى حال يظن فيه ان الأكاديميين هم الطليعة والنخبة فصاروا يقبلون منهم اي قبح واي انكفاء ويرفضون من المثقفين الاصلاء اي دواء ، فإلى ان يصحح هذا المفهوم الشائع خطأ وتعود الاشياء الى اصولها ان “قيمة كل امرئ مايحسن” وليس ما يدّعي او يلبس او يزوّر او يجمع ويركب او ما يتقلد من وظيفة او ما يحمل من لقب ، الى ذلك الوقت القريب بإذن الله او الى وقت تعود فيه المؤسسة الاكاديمية من مدارس ومعاهد وجامعات منتسبوها مستحقوها ، على المثقفين والكتاب والمفكرين والشعراء والفنانين الحقيقيين الاحرار ان ياخذوا على عاتقهم قيادة المشهد الثقافي وتوجيه المشهد الاجتماعي وحماية المشهد القيمي والديني ، وان لا ينتظروا من مؤسسة ان تقوم بذلك ، وان لا يعطوا اي مؤسسة فارغة المحتوى او منتسبيها حجما اكبر من حجمهم ، فان اول الإصلاح هو الرؤية الصحيحة للواقع .