15 نوفمبر، 2024 10:48 م
Search
Close this search box.

“حليم بركات”.. معرفة بنية المجتمع بالنسبة له ضرورية لكتابة الرواية

“حليم بركات”.. معرفة بنية المجتمع بالنسبة له ضرورية لكتابة الرواية

خاص: إعداد- سماح عادل

“حليم بركات” عالم اجتماع وأستاذ جامعي وروائي سوري.

حياته..

ولد في الكفرون سورية 1933. توفي والده عندما كان بسن العاشرة، وذهبت عائلته إلى بيروت حيث نشأ. رحلت والدته إلى بيروت بحثاً عن عمل، ولاعتقادها أنه سيكون بإمكانها تأمين الدراسة ل”حليم” وإخوته في مدارس لبنان. يقول عن ذلك: “كانت والدتي امرأة أميّة، لكنها كانت تعي أن المنقذ لنا كثلاثة أطفال هو تحصيل العلم. واستأجرت مستودع الحطب. وحين تمكنت من شراء حصيرة ومساند ينام عليها أولادها التأم شمل العائلة في مطلع سبتمبر 1942″، بعدما كانت الأم سبقت الأبناء إلى بيروت”. وبفضل عمل أمّه وكفاحها من أجل إعالته وأخوته، استطاع التدرّج في المستويات الدراسية.

حصل على شهادة البكالوريوس والماجستير في علم الاجتماع من الجامعة الأميركية في بيروت ونال دكتوراه في علم النفس الاجتماعي من جامعة ميشيغان في أمريكا (آن آربور) 1966. عمل زميلا باحثا في جامعة هارفارد من 1972 إلى 1973، ودرَس في جامعة تكساس في أوستن في 1975-1976. من عام 1976 حتى عام 2002، كان أستاذا لتدريس البحوث في مركز الدراسات العربية المعاصرة بجامعة جورج تاون.

الكتابة..

أصدر ما يقرب من عشرين كتابا وخمسين مقالًا عن المجتمع والثقافة في مجلَّات عديدة مثل المجلة البريطانية لعلم الاجتماع، ومجلة الشرق الأوسط، والمواقف، والمستقبل العربي. اهتم بالصعوبات التي تُواجه المجتمعات العربية الحديثة مثل الاغتراب وأزمات المجتمع المدني والحاجة إلى الهوية والحرية والعدالة، كما أصدر سبع روايات ومجموعة قصصية غنية بالرمزية تناولت الأحداث العالمية. هو صاحب رواية “ستة أيام” التي صدرت عام 1961 كما أنه صاحب رواية “عودة الطائر إلى البحر “التي صدرت عام 1969، والتي تكشف عن الدراما الوجودية لحرب حزيران/ يونيو عام 1967.

أمريكا..

ذهب “حليم بركات” إلى أمريكا لمتابعة دراسته الأكاديمية، وحصل على الدكتوراة عام 1966، ثم عاد إلى لبنان وعمل في الجامعة الأميركية في بيروت كأستاذ في مادة علم الاجتماع. ثم عاد إلى أمريكا في 1975 بسبب عدم ترقيته في الجامعة الأمريكية في بيروت، وقال عن ذلك في حوار مع مجلة “المستقبل العربي”: “أظن أن سبب ذلك كان اهتمامي بالقضية الفلسطينية، حيث أجريت حينذاك أبحاثاً في مخيّمات اللاجئين في الأردن، وكتبت كتابي حول أزمة اللاجئين بعنوان: نهر بلا جسور. ومن قبيل الصدف أن دعتني جامعة هارفارد في أمريكا إلى الانضمام إليها كأستاذ زائر. ومنذ ذلك الحين، وجدت نفسي منفيا في الولايات المتحدة”.

وفي أمريكا عمل “حليم بركات” أستاذا جامعيا في عدة جامعات من بينها هارفارد (1972-1973)، ثم في جامعة تكساس (1975-1976)، ثم انتقل للعمل في جامعة جورج تاون التي قضى فيها أكثر من ربع قرن. وبحسب ما ورد في كتابه “المدينة الملونة”، فقد هاجر من بيروت إلى أمريكا في صيف 1975 إثر اندلاع الحرب الأهلية، على أمل أن يكون رحيله عنها مؤقتاً، لكن طال الغياب في واشنطن 25 عامًا، تخللته زيارات سنوية قصيرة متقطعة إلى بيروت. يقول: “وجدت نفسي في المنفى لا أدري أهو نفي طوعي أم قسري، وجدتني أتوق إلى زيارة حلب أو دمشق لأنعم بما أظنه أقرب ما يكون إلى ثقافة عربية أصيلة لكثرة ما تعبت نفسي بعد كل هذا الغياب بما يسمى حضارة غربية حديثة. أنه حرص خلال الربع الأخير من القرن العشرين على العودة سنوياً إلى بيروت”.

علم الاجتماع..

في حوار معه يقول “حليم بركات” عن علم الاجتماع، والكتابة الروائية وأيهما ساعده في فهم وشرح التجربة الإنسانية: “منذ البداية بدأت أعرف أنني أريد أن أكون روائياً، وسألت نفسي هل أدرس في الجامعة لأتخصص بالأدب، أم أتخصص في علم الاجتماع والنفس، فاخترت علم الاجتماع، وذلك ليقيني أنه سيفيدني في كتابة الرواية وذلك لأنه يكشف البنى الاجتماعية وتأثيرها في الأفراد، والعلاقة بين هذه البنى والمؤسسات مثل العائلة والدين والسياسة والطبقات الاجتماعية، وهي عناصر تدخل في بنية الرواية ليس فقط في وصف الشخصية بل في تجارب هذه الشخصية المتأثرة إلى حدّ بعيد بالطبقات الاجتماعية والأوضاع المختلفة لظروف العائلة والدين والسياسية. ‏

إن معرفة بنية المجتمع وقضاياه وطبيعة المؤسسات الاجتماعية، أمور ضرورية لكتابة الرواية، ولكن بما أنني تخصصت بعلم الاجتماع وعلم النفس، أصبحت الكتابة في هذين المجالين ترافقني في التعليم الجامعي حيث درست علم الاجتماع الديني وعلم الاجتماع السياسي وعلم اجتماع الأدب والرواية. فكتبت بالإنجليزية والعربية حول الواقع الاجتماعي العربي، وأصبحت أُعرف كخبير في المجتمع والثقافة العربية”.

المرأة عبد العبد..

ويجيب عن سؤال “إذا كانت المرأة العربية كائناً بغيره لا بذاته، أو عبد العبد كما يقولون. كيف تتم عملية تحريرها هل بتحرير العبد أولاً. أم بتجزئة هذه القضية وعزلها عن قضايا التحرر السياسي مثلاً: “أعتقد التحرير يبدأ بحصول تحول في المجتمع، فمثلاً نجد أن المجتمع قد تطور وأصبح يتطلب أن تشارك المرأة في الحياة العامة فتجاوز دورها نطاق العائلة انسجاماً مع هذا التطور الذي أصبح المجتمع بموجبه بحاجة لأن تلعب المرأة دورها وهو لم يفعل ذلك بسبب الضغط إنما بسبب الوظائف الجديدة التي توافرت. ‏

من هذه الناحية، اكتسبت المرأة قوة معنوية، ولكن أيضا بنشوء الوعي في الكتابات التحليلية ظهر أن المرأة تاريخيا في الثقافة العربية كانت معزولة ومضطهدة إلى حد بعيد، والقوانين القائمة إن كانت مستمدة من الحياة العائلية القبلية أم من الدين والمؤسسات الدينية، كانت تعطي للرجل هذه الأولوية والهالة وتحجب الاعتراف بها علناً. ‏

إذا، حدث تحول في البنى الاجتماعية أدى لأن تلعب المرأة دورها كما حدث وعي جديد ليس فقط بسبب التعامل مع الخارج بل بالتحول الذي بدأ يظهر في المجتمع. هناك تفسير اجتماعي وهناك تفسير نفسي سيكولوجي، في كل الأحوال. لقد نشأ وعي جديد لكنه جاء نتيجة لوجود تحولات اجتماعية على صعيد البنى الاجتماعية فأصبح للمرأة هذا الدور، وأعتقد أن هذا مستمر لذلك فإن الدعوة لمساواة المرأة هي دعوة مرافقة للتحولات الاجتماعية التي تحدث”. ‏

مشروع النهضة العربية..

وعن مشروع النهضة العربية يقول: “الفكر العربي منذ منتصف القرن التاسع عشر بدأ يثير أسئلة هامة تتعلق بهذه المسألة، ابتداء من تعريف المجتمع وتعريف علاقة الإنسان بمحيطه، فأصبح من الضرورة تحديد الإصلاح الاجتماعي والنفسي والسياسي. الآن نجد الإنسان عضوا في مؤسسات عديدة ويعمل ضمنها إن كانت سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية وهو ما رسخ الوعي بضرورة الإصلاح الذي يمكن أن يبدأ بشكل تدريجي وجزئي ثم يتحول إلى إصلاح شامل. التغيير لا يشمل سلوك الفرد فقط بل سلوك المؤسسات أيضا، هذا التغيير في رأيي يجب أن يكون تجاوزيا للواقع المعيش، مما يقتضي تغيير المؤسسات التي نعمل من ضمنها، وهذا التغيير التجاوزي أصبح يحتم تغييرا في البنى الاجتماعية ابتداء من العائلة والمؤسسات الأخرى السياسية والدينية وسواها. ‏

لقد تحول التغيير من المطالبة بتغيير العقلية إلى تغيير البنى الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، وأعتقد أنه لا بد من البدء بالبنى الاجتماعية لينعكس ذلك على صعيد الوعي، وألا تكون العملية مجرد إصلاح جزئي يطول جانبا معينا دون غيره”. ‏

الرواية..

وعن الرواية وهل انتشارها بشكل متعاظم يرتبط بأوضاع اجتماعية معينة يقول: “يقال إن نشوء الطبقة الوسطى أو البرجوازية هو سبب ظهور الرواية ولكن أعتقد أن البرجوازية لم تقتصر على الرواية، بل أحدثت تغيرا في الوعي، ولكن هناك عوامل خارجية أثرت في هذا الموضوع على اعتبار أن الرواية نجحت في العالم فأصبح هناك شعور بضرورة وجود رواية عربية شبيهة. ‏

الرواية لا تتكلم عن المشاعر، بل عن الوعي وعن معرفة الواقع الاجتماعي، معرفة العائلة وكيف تؤثر بالأفراد وكذلك معرفة الطبقات الاجتماعية والمؤسسات الدينية. لا يستطيع العربي أن يكتب دون أن يتوسع أفقيا وعموديا في فهم المجتمع، وأنا أعتقد أن الرواية تتبدل وتتغير، أحيانا تركز على الفرد وأحيانا على المجتمع؛ ولكن أصبح تعدد الشخصيات في الرواية مهم جداً ولا أظن أن الرواية تعاني أزمة بهذا المعنى، بل إنها مستمرة في الأدب العربي وقد فرضت نفسها ولعبت دورها في توسيع الأفق عند القارئ، بالنسبة لي عندما أريد أن أدرس العائلة أو الدين فإني أجدهما في الرواية، إذا الرواية تستطيع أن تتناول المجتمع بشمولية بينما الفنون الأخرى ينقصها هذا النوع من الاهتمام. ‏أنا متفائل باستمرار تعميق التجربة الروائية العربية وتزايد الاهتمام بها وهي مسألة ترتبط أيضاً بجدية الروائي وإمكاناته الإبداعية”.

وفاته..

كان “حليم بركات” يقيم في مصحة خاصة بعد إصابته بمرض ألزهايمر، وتوفى هناك عن عمر 90 عاما.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة