تستمر حماقات بعض الدول الغربية في السماح لبعض مسؤوليها ومواطنيها واحزابها السياسية اليمينية المتطرفة ومؤسساتها الاعلامية بالاعتداء على المقدسات الاسلامية ، تارة من خلال رسم صور مسيئة للنبي الاكرم (ص) ، وتارة اخرى من خلال الانتهاك الصارخ لحرمة القرآن الكريم مرارا وتكرارا عبر فعاليات عدوانية متطرفة كحرق نسخ منه او تمزيقها وغير ذلك من الافعال الوضيعة التي تهدف الى استفزاز مشاعر أكثر من مليار وسبعمائة مليون مسلم في العالم من خلال اهانة أقدس مقدساته وأجل رموز الاسلام ، ويتبجح الغرب بمشروعية تلك الانتهاكات بداعي حرية التعبير عن الرأي وموافقة تلك الافعال العدوانية للحريات الشخصية والفكرية .
ورغم ان ردود الافعال كانت دائما حاضرة في العالم الاسلامي للرد على تلك الانتهاكات الغربية والاساءات المتكررة الا انها لم تخرج عن اطار الاستنكار الرسمي والاحتجاج الشعبي وربما تتطور تلك التحركات الشعبية الانفعالية في بعض الاحيان لتتحول الى ردود افعال سلبية لا تمثل التعاليم الاسلامي في التعامل مع تلك الاستفزازات ، الا ان كل تلك ردود الافعال السابقة بقيت محدودة على نطاق التأثير ولا يتعدى مفعولها مرحلة زمنية قصيرة في حدود زمان تلك الانتهاكات ، و لا تتحول الى مواقف مؤثرة على الصعيد الاسلامي الرسمي لتحد من جنوح وجموح الغربيين في اثارة مشاعر المسلمين وانتهاك مقدساتهم .
ان ردود الافعال النخبوية والشعبية الاسلامية وأن لم ترتقي لمستوى التحديات والطموحات لاقتصارها على الاستنكارات والاحتجاجات الا انها ضرورية لتأكيد هوية مجتمعاتنا الاسلامية من جهة ، ولإيصال رسائل الى الآخر بضرورة التوقف عن مثل هذه الممارسات العدوانية باتجاه الاسلام والمسلمين ، فلقد كان موقف بابا الفاتيكان زعيم المسيح الكاثوليك في العالم جريمة حرق القرآن وعبر عن غضبه واشمئزازه من هذا الفعل المرفوض والمدان بحسب تعبيره ، كما ان تأثير المواقف الرسمية كان اكثر نجاعة على الصعيد الدولي ، ففي حادثة الاحراق الاخيرة للقران في السويد كان الموقف الرسمي للحكومة السويدية في البداية هو تبرير ذلك الفعل العدواني بالحرية الشخصية وحرية التعبير عن الرأي ، الا ان مساحة الاحتجاجات الرسمية للحكومات الاسلامية وتوجيهها برقيات احتاج وتحذير الحكومة السويدية بإجراءات سياسية واقتصادية أجبر الحكومة السويدية عن التراجع عن تصريحاتها السابقة وتقديم اعتذار للمسلمين وادانة حرق القرآن معتبرة هذا العمل معادياً للإسلام ومسيئاً للمسلمين .
كما يمكن لموقف اسلامي رسمي على مستوى المؤسسات التجمعات الاسلامية الدولية ان يكون له حضور فاعل على الاقل على المستوى الاعلامي يكون سببا في ادانة عمليات الاعتداء المعنوي لمقدسات المسلمين كما جرى مؤخرا عندما تم توجيه صفعة الى وجه الدول الغربية الراعية للكراهية الدينية بعد تبني مجلس حقوق الانسان في الامم المتحدة قرارا قدمته منظمة التعاون الاسلامي التي تضم (57) دولة يدعو المفوض السامي لحقوق الانسان في الامم المتحدة الى نشر تقرير عن الكراهية الدينية الى الدول لمراجعة قوانينها وسد الثغرات التي تعرقل المنع ومقاضاة الافعال والدعوة الى الكراهية الدينية ، ولم يشكل رفض الدول الغربية الراعية للكراهية الدينية لهذا القرار أي اهمية بعد حصوله على أكثرية الاصوات ليشكل هزيمة كبرى لها على الصعيد السياسي والاعلامي الدولي ..
من المفروض ان لا ينظر الى تلك الانتهاكات للمقدسات الاسلامية على انها افعال فردية وقانونية كما يحاول الغرب الايحاء بذلك لامتصاص ردود افعال المسلمين ، وإنما يمكن وصفها بالاستراتيجية الغربية المستمرة لمحاولة تشوية صورة الاسلام وترويج ” الإسلاموفوبيا ” لأسباب عديدة وأهمها محاولة الحد من تأثير الاسلام وشخصية رسوله الاكرم وكتابه الاعظم في انتشار الاسلام بصورة ملفتة للنظر في اوساط المجتمعات الغربية عموما وعلى وجه الخصوص الاوربيين الذين يواجهون مرحلة من الفراغ وحالة من الضياع على صعيدي الدين والاخلاق أدت الى انتشار مظاهر العلمانية والالحاد والشذوذ وسط تراجع حضور وتأثير الديانة المسيحية في المجتمعات الاوربية .