زيارة الرئيس الاوكراني فلاديمير زيلينسكي الى تركيا ، كانت زيارة المفاجآت للأوساط السياسية منها والبرلمانية والاجتماعية الروسية ، فقد كانت مليئة بالقرارات والتصريحات التي أطلقها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ، بعد لقاءه ( بالمهرج الأوكراني ) في انقره ، والتي استقبلتها موسكو بتنديد شديد ، لأن أردوغان بخطوة كهذه ، قد ” نكث ” مرة أخرى بروسيا ، وخالف جميع الاتفاقات الموقعة بين البلدين .
الرئيس التركي أراد أثبات الكرم التركي لضيفه الاوكراني، دون الالتفات للمشاعر الروسية ، وتداعيات خطوته “المفاجأة ” على مسار الوضع السياسي والعسكري في الازمة الأوكرانية والعلاقات بين البلدين ، وقام أردوغان ، بأتخاذ قرار تسليم قادة الكتيبة الوطنية “آزوف” النازية ( منظمة إرهابية محظورة في روسيا ) ، دينيس بروكوبينكو وسفياتوسلاف بالامار وسيرجي فولينسكي وأوليج خومينكو ودينيس شليغا ، إلى زيلينسكي ، الذي التقى بالنازيين شخصيا ، ووضعهم على متن طائرة متجهة إلى كييف .
قرار أردوغان خالف الاتفاقات الموقعة بين روسيا وأوكرانيا وتركيا ، والتي كانت تنص على إبقاء هذه العناصر التي تصفهم موسكو ” بالنازيين الجدد ” في تركيا حتى نهاية الصراع ، وأثار هذا القرار سخطا كبيرا في الأوسط الروسية ، على اعتبار أن من أطلق سراحهم هم مستعدون لقتل الروس مرة أخرى ، واعتبروا هذه الخطوة إنها بمثابة بصاق آخر ضد روسيا ، أو كبادرة مخزية من حسن النية ، بالإضافة الى ذلك قرر الرئيس التركي تزويد أوكرانيا بالسلاح ، والتصريح بضرورة ضم أوكرانيا الى حلف شمال الأطلسي ، بالإضافة الى أعلان وزير الصناعات الاستراتيجية الأوكراني، ألكسندر كاميشين، عن توقيع كييف وأنقرة مذكرة بشأن تطوير إنتاج الطائرات المسيرة في أوكرانيا.
وفي الوقت الذي أعرب فيه الكرملين، في تعليقه على قرار الرئيس التركي ، عن تفهم موسكو للضغوط التي تتعرض لها تركيا في سياق الاستعداد لقمة الناتو المزمعة في فيلنيوس ، ، فإنه شدد في الوقت نفسه على إن هذا الانتهاك للاتفاقيات القائمة، مرتبط بشكل مباشر بفشل الهجوم المضاد الأوكراني، وبأن قوات نظام كييف تواجه الفشل كل يوم ، وأكد المتحدث باسم الكريملين ديميتري بيسكوف ، أن هذا يعد انتهاكا لبنود الاتفاقيات القائمة، و أن شروط العودة قد انتهكت من الجانبين التركي والأوكراني، وهو تصرف لا يضع منفذيه في موقف يمدحون عليه، في حين لفت وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، نظيره التركي، هاكان فيدان أيضا ، في مكالمة هاتفيه معه ، إلى التأثير المدمر لمسار مواصلة تسليم المعدات العسكرية إلى كييف ـ، وأعتبر لافروف هذه الخطوات، “لا يمكن إلا أن تؤدي إلى عواقب سلبية”.
قادة الكتيبة الوطنية الأوكرانية “آزوف” المفرج عنهم ، هم نفس المسلحين الذين أسرهم الجيش الروسي أثناء تحرير ماريوبول واستبدلوا بفيكتور ميدفيدشوك ، وكذلك بالجنود الروس الأسرى ، وكشف سيرغي فولينسكي ، الذي عاد لتوه من “الأسر التركي” ، المعروف أيضًا باسم فولين ، حقيقة احتجازهم ” للدعاية “لمدة شهر تقريبًا في سراديب الموتى تحت مصنع آزوفستال ، وفقدانهم المئات من مقاتليهم بلا معنى ، وقال ” وربما كان كل شخص تقريبًا سيموت هناك لولا تدخل الأمريكيين ، الذين وافقوا مع الروس على سحب ضباطهم رفيعي المستوى من المنشأة مقابل استسلام الحامية “.
لقد نشأ جراء هذه الخطوة التركية ، تساؤلات عديدة حيرت الأوساط الروسية ، وفضولهم لمعرفة سبب اتخاذ الزعيم التركي لمثل هذه الخطوة، فمنهم من وضعها في خانة ” الخيانة التركية لحسن النوايا الروسية ” ، ومحاولة لتأطير روسيا ، على الرغم من حقيقة أن موسكو أثنت في السابق على أنقرة لمحاولاتها لحل النزاع ، وفي هذا ، يختلف اختلافًا جوهريًا عن الدول الغربية ، التي تغرق كييف بالأسلحة ببساطة ، وتحلم بانتصارها ، ويُذكر أندريه بيرلا ، المراقب السياسي في تسارغراد ، كيف ساعدت روسيا ، في مايو الماضي ، الرئيس التركي على إعادة انتخابه لولاية ثانية ، ثم مددت موسكو صفقة الحبوب ، والتي كان من الواضح أنها غير مواتية لها ومفيدة لتركيا ، وبالتالي أنقذت تصنيف أردوغان ، الذي كان قد غرق بالفعل كثيرًا ، بعد الزلزال المدمر الذي كشف عن وجود مساكن رديئة في تركيا ، ولا يمكن لتصنيف الزعيم التركي أن ينجو من فشل صفقة الحبوب ، مشيرا الى أن انتهاك أردوغان للاتفاقية لا يمكن فهمها ، الا انه أراد ( أردوغان ) ليبين أنه يفعل شيئًا حقيقيًا لأوكرانيا ، وحلف شمال الأطلسي وزيلينسكي ، ومؤكدا في الوقت نفسه أن هذا التصرف لا ينبغي أن يكون مفاجأة لروسيا ، لطالما كان من الواضح أنه من المستحيل الاعتماد على كلمة الرئيس التركي.
ولفت الخبير السياسي والمستشرق فلاديمير أفاتكوف بدوره ، الانتباه إلى هدوء أنقرة ، ففور لقائه مع زيلينسكي وتسليمه المسلحين له ، أعلن أردوغان رغبته في تمديد صفقة الحبوب واللقاء مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ، واعتبر ذلك بأنه يبدو وكأنه“ وقاحة صارخة من جانب الزعيم التركي ” ، في حين أعرب العالم السياسي مارات بشيروف ، عن اعتقاده ، أن نقل الآزوفيين إلى أوكرانيا ، قد يكون بمثابة صدقة صغيرة لزيلينسكي لاسترضائه قبل إبرام نوع من الاتفاق ، وبالنسبة لنظام كييف ، مثل هذا “النصر” هو احتفال حقيقي على خلفية هجوم مضاد فاشل ، لكن “هذا لا يغير حقيقة أن أردوغان خدع روسيا“، وانه من الواضح أن إطلاق سراح النازيين لا يمثل تهديدًا متزايدًا للجيش والمدنيين الروس فحسب ، بل يمثل أيضًا ضربة قوية لسلطة روسيا ، التي أعلنت رسميًا أن أحد الأهداف الرئيسية لـ NWO هو تقويض أوكرانيا.
والسؤال الأهم – بعد هذه الخطوة ، هل ستذهب موسكو لتمديد آخر لصفقة الحبوب ، التي هددت مرارًا بتعليقها؟ علما أن الصفقة أبرمت قبل عام ، ولكن منذ ذلك الحين لم يتم تنفيذ الجزء الروسي من الاتفاقية (رفع العقوبات عن صادرات روسيا من الأسمدة) ، والآن ، وبعد الخطوة التركية ، هناك المزيد من الأسباب لعدم تجديد الصفقة ، ومن المفارقات أيضًا ، ووفقًا للشائعات ، فأن رومان أبراموفيتش يتخبط الآن بشأن تمديد الاتفاقية – وهو نفس الشخص الذي نقل مقاتلي( آزوف ) من ماريوبول إلى تركيا .
وظهرت معلومات غير مؤكدة أن الأوليغارشية الروسية ، قدمت عرضًا جديدًا إلى وزارة الخارجية الروسية ، وهو السماح لروسيا بتصدير 30٪ من الحجم المطلوب من الأسمدة المعدنية (على الرغم من أنها ملزمة بالسماح بالتصدير بنسبة 100٪) ، كما سيسمح لها بنقل الحبوب إلى الدول الأفريقية مجانًا حتى نهاية العام ، أما بالنسبة لمسألة فك الحظر عن نظام SWIFT للمصارف الروسية وإطلاق خط أنابيب الأمونياTogliatti-Odessa ، فيمكن نسيانه ، وهذا يعني ، في الواقع ، أن روسيا عُرضت على نسخة مختصرة من الاتفاقية الأولى.
والغريب في كل هذا ، هو ذلك الصمت لدى الإعلام التركي حول هذه القضية ، والذي يعتبر من وجهة النظر الروسية يبدو غريباً جداً ، رغم انه يبدو حدث رفيع المستوى ، ولكن بعد اجتماع الزعيمين ، لم تبث الصحافة سوى ما قاله أردوغان ، كما يقولون ، “أوكرانيا تستحق أن تصبح عضوًا في حلف الناتو العسكري” ، كما ورد ذكر أمل الزعيم التركي في تمديد اتفاق الحبوب ، الذي ينتهي في 17 يوليو ، ودعوة أنقرة المتكررة لموسكو وكييف للعودة إلى محادثات السلام .
وترى الأوساط الإعلامية الروسية ، انه قد يكون هناك عدة أسباب لذلك، أحدها هو أن أوكرانيا طلبت أسلحة ، حيث ذكر الجانب الأوكراني أنه سيتلقى مدافع هاوتزر T-155 ذاتية الدفع من تركيا ، ( تم التعبير عن رأي مفاده أن أنقرة ربما لم تقدم مدافع الهاوتزر هذه )، مدركة أن هذا من شأنه أن يؤدي إلى تفاقم العلاقات مع روسيا ، لكنها في الوقت نفسه قدمت لفتة إلى زيلينسكي (منذ وصوله بالفعل) وسلمت قادة الكتيبة الوطنية ، ويرى محرر صحيفة موسكوفسكي كمسموليتس يشار نيازباييف ، انه يمكن القيام بذلك من أجل إظهار حلفائها في الناتو ، بأنها ليست موالية لروسيا ، وقد تنتهك بعض الاتفاقيات معها من أجل دعم أوكرانيا ، وعشية قمة الناتو ، من المهم للغاية إثبات ذلك ، حيث سيكون هناك الكثير من الادعاءات ضد تركيا.
والخيار الآخر ، هو أن عمليات القوات الجوية الروسية في منطقة إدلب وحلب وما إلى ذلك قد تكثفت كما يُزعم ، وربما كان لذلك تأثير ،لكن أهم شيء يجب فهمه هنا هو أن تركيا لا تنوي إفساد العلاقات مع روسيا ، وتدرك أن رسائلها ستصل إلى الاتحاد الروسي ، وبمعنى أنه إذا تم ذلك من أجل الناتو ، فيمكن لروسيا أن تفهم ذلك (لدى تركيا مثل هذه التوقعات) ، ولكن أصبح من غير المربح الآن لروسيا أن تصعد علاقاتها مع جمهورية تركيا ، لأن أنقرة تفهم ذلك ، وتعرف تركيا هذا السعر ، وربما تعرف حتى حدود المدة التي يمكنها فيها رفع أسعار الفائدة.
المعلقون في الحقيقة لا يتطرقون إلى هذه القضية ، لأنهم أنفسهم لا يفهمون ما هو المقصود ، بالإضافة إلى ذلك ، بالنسبة للمواطنين الأتراك ، هذه ليست قضية مهمة وحساسة مثل المواطنين الروس ، وأوضح عالم السياسة التركي إقبال دوري أن أردوغان “يلعب لعبته الخاصة” وغالبًا ما يتخذ قرارات لا تحبها روسيا ، وأن الجمهورية ، مع ذلك ، تعمل في كثير من الأحيان لصالح الاتحاد الروسي ، وتحقيق التوازن بين الغرب وموسكو ، كما ان تركيا تفعل الكثير من الأشياء التي لا تحبها روسيا في سياق الأزمة الأوكرانية ، لكن هناك المزيد من الإجراءات التي تتخذها تركيا والتي تحبها روسيا أكثر من تلك التي لا تحبها ، لكن انقرة في هذا تلعب لعبتها الخاصة ، وهناك مشاكل مع الناتو والغرب تحتاج إلى حل ، وهناك مشاكل مع أوكرانيا ، لذلك تحاول انقرة رفع مكانتها ونفوذها في المنطقة ، فإذا رأى أردوغان نوعًا من المكاسب في شيء ما ، فلن ينتبه إلى استياء شخص ما ، وأن سياسة تركيا تزعج الولايات المتحدة أكثر من روسيا.
كما انه يجب أن يؤخذ على محمل الجد ، ان تركيا تدرك أن العلاقات مع روسيا أكثر أهمية ، لذلك يوازن أردوغان بين الغرب وروسيا ، ولا يفرض عقوبات ، ويحتفظ بجميع المشاريع مع الاتحاد الروسي ، وهذا هو أهم شيء بالنسبة لروسيا ، لكن في نفس الوقت ، يتصرف أحيانًا بهذه الطريقة ، ولا نعتقد أن الإجراء الأخير سيؤثر بشكل كبير على العلاقات بين تركيا وروسيا ، ولكن يبقى رأي الكرملين واضحا حول الموضوع ، فقد اعتبر عودة قادة كتيبة “آزوف” من تركيا إلى أوكرانيا بانه انتهاك للاتفاقات، وأن موسكو ستبحث هذه المسألة مع أنقرة وتنتظر توضيحها.