خاص: إعداد- سماح عادل
“ثامر مهدي محمد” هو كاتب وناقد وسيناريست عراقي.
التعريف به..
من مواليد عام 1942 في بغداد، وتخرج في قسم الفلسفة بكلية الآداب/ جامعة بغداد عام 1964، وكان الأول في دورته، فعيّن معيدًا في الكلية، وحصل على الدكتوراه في الفلسفة في نفس الجامعة عن أطروحته “منطق الحكم الجمالي”. كما درس المسرح في معهد الفنون الجميلة، القسم المسائي، لكنه لم يكمل الدراسة من دون أن يتخلى عن ميوله الفنية. وكان قد تعرف إلى المخرج الراحل إبراهيم جلال، فاختاره ليكون مساعدًا له حين أخرج مسرحية “كاليغولا” لألبير كامو عام 1965، ثم أصبح عضوًا في فرقة المسرح الفني الحديث، وشارك مع جلال في تقديم مسرحية «فوانيس» لطه سالم. كما أدار فنيًا أول تمثيلية أعدها للتلفزيون عن مسرحية لبيرانديللو بعنوان “الفخ” وأخرجها خليل شوقي ومثلت بطولتها الفنانة الراحلة زينب.
كما كتب أيضاً مسرحيته الوحيدة «فائض عن الحاجة» وأخرجها للمسرح العمالي كتجربة أولى وأخيرة. لكنه قرر بعد ذلك الابتعاد عن المسرح.
الكتابة..
بدأ الكتابة في أوائل الستينات، ونشر بين 1963 و1966 مجموعة قصص في مجلة «العاملون في النفط» التي كان يرأس تحريرها الراحل “جبرا إبراهيم جبرا”. كما كتب مقالات نقدية عن المسرح وكان ينشرها في جريدة «الثورة العربية» البغدادية.
صدر له عام 1990 كتاب “من الأسطورة إلى الفلسفة والعلم” عن دار الشؤون الثقافية العامة في بغداد.
صدر له عن منشورات الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق كتابي: “التراجيديا فلسفة” و”منطق الحكم الجمالي”.
أعماله الفنية..
- إخراج مسرحية كاليغولا” لألبير كامو عام 1965.
- إعداد مسرحية لبيرانديللو بعنوان “الفخ” لتعرض في التلفزيون.
- كتابة مسرحيته الوحيدة «فائض عن الحاجة».
- كتابة سيناريو فيلم “الظامئون”، من رواية (الظامئون) للمؤلف عبدالرزاق المطلبي، والمخرج محمد شكري جميل.
- كتابة سيناريو وحوار فيلم “العاشق” من رواية (مكابدات عبد الله العاشق) للمؤلف عبد الخالق الركابي، والمخرج محمد منير فنري.
- كتابة سيناريو فيلم “السلاح الأسود”، للمخرج محمد شكري جميل.
- كتابة سيناريو فيلم “المسرات والأوجاع” من رواية فؤاد التكرلي، للمخرج محمد شكري جميل.
- كتابة مسلسل “حرب البسوس”، للمخرج عمانوئيل رسام.
- كتابة مسلسل ناظم الغزالي.
المعلم..
في مقال بعنوان (المعلم الدكتور ثامر مهدي) كتب “د. سالم شدهان” التدريسي في قسم الفنون المسرحية – كلية الفنون الجميلة – جامعة بابل: “المعلّم الدكتور ثامر مهدي تتألق الصورة بجمالها الأخاذ لتسكن في ذهن الطالب على اعتبارها بنية جمالية وفلسفية تستمد قوتها من شعور الكاتب بأنه فنان عالم بالحب المعرفي الثامن على اعتبار أن السينما هي الفن السابع, وهو الاسم الذي اطلقه عليها المنظّر(البطران) كانودو فالفنون السبعة عند ثامر مهدي أكملت اشتغالها في محاضراته ليمثّل لوحده جانب معرفي وجمالي وفلسفي يتم طرحه في مجموعة محاضرات يمكنها أن تكون دروسا مقروءة ومرئية معا.
فإنك حينما تجلس أمام هذا الرجل تشعر بأنك أمام موسوعة في جميع الفنون السبعة ويعبر بك حتما إلى صياغة نبوءات هامّة وخطيرة فتتصور أنك لا شيء أمام هذه القامة العتيدة المخيفة المرحة، فهو لا يخيفك رعبا بل يخيفك معرفيا وجماليا بطرح يبكيك أحيانا، ويضحك في كثير من الأحيان، بطرح يكاد يكون متفرّدا إن لم يكن كذلك”.
السرد المتفرد..
ويضيف: “كنّا نجلس منهزمين من هموم الحياة الدراسيّة في الثمانينات من القرن الماضي فيأتي ثامر مهدي ليلم شتاتنا المنهزمة في غرفة صغيرة ننسى فيها أنفسنا لنبحر في فنّه الثامن بإيقاع متصاعد كأننا نشاهد تشكيلة من الأفلام التي شاهدنا بعضها سابقا، لكننا نراها الآن بصورة أوضح وأرقى بقراءات مضيئة فيها قدر كبير من الاكتناز والامتلاء المعرفي، إذ يستعين ثامر بالسرد المتفرد فيطرح تجاربه اليوميّة مع مختلف القيم ويجعلها رموزا تعلو على أنفسها وتخلق كونا جديدا فيه من السخرية والجدّة والقوّة والحزم واللين أحيانا والضحك إلى حد القهقة فتدمع أعيننا ضحكا على حبكة كانت تبدو لنا في منتهى الحزن والرعب.
فهو مرّة يتحول أمامنا إلى كانت الفيلسوف، ومرة هيتشكوك المرعب، سارتر أحيانا وكوبولا وهيمنغواي وأجاثا كريستي وأرسطو، ورجل دين متزمت ولا يطيل في هذا كثيرا لأنه بدر شاكر السياب في جمال صوره ويردد (الظلام حتى الظلام في بلدي أجمل لأنه يحتضن العراق)، (هكذا أحب أنا أن أكتبها)، ويلوم الشاعرة نازك الملائكة لأنها لم تمت في عشق السيّاب وبأنه كان يستحق أن تموت كل النساء فيه حبا”.
خطاب معرفي..
ويواصل عنه: “شعر وفلسفة وسينما واجتماع وفن تشكيلي وووو، كل هذا نجده في درس تكتمل فيها الحبكة والشخصية بصور عدّة وكأنك تجلس في قاعة مظلمة تتوحّد فيها مع خطاب معرفي بالصورة واللون والفلسفة التي تحترمها جدا، لأنك تشعر حينها بأنك جزءا منها مهما اختلفت في فهمها وتفسيراتها، ومهما صعبت في فك تشفيراتها، لأن ثامر يجد لكل تلك المفاهيم التي قد تبدو مقفلة أمام ذهن الطالب، فيجد لكل واحد منّا أو لكل مجموعة من الأقفال مفتاح مناسب فتتقبل منه المعلومة وكأنه يزقّ لك الحب وسط الفكرة التي ينوي طرحها.
فتخرج وأنت متخم بمشاهدة لأفلام كانت مشاهدتها في منتهى الصعوبة، وتتشوق للبحث عنها دون أن يطلب منك ذلك.. تلك هي بعض من طرق ثامر مهدي في التدريس والتعليم الذي استحق عنه لقب معلّم، وهو اللقب الذي يعتز فيه أيما اعتزاز، ولعمري أنه يستحقه ومن الإجحاف أن يجلس في الغربة صامتا إلا من بعض أنفاس نسمع فيها ولا نراها بالرغم من الثورة الإعلامية العظيمة التي تغطينا وتكشف عن مكامننا دون أن نعلم”.
غياب..
وعن غيابه يقول: “لكن ثامرا غائب منذ عام 2008 بحجة أن لا جدوى من الكتابة! كيف أيها المعلّم وأنت من صنعت مجدا قوامه طلّابك الذي يقلّدون حتى طريقتك في سرد (النكتة)؟ كيف وأنت من تعيش مع طلبتك الأوجاع والمسرّات برواية فضائها أنت قبل أن يكتبها فؤاد التكرلي، وقبل أن يحوّلها محمد شكري جميل الى فيلم لم يرى النور للآن.. ذلك لأنك كتبت السيناريو لنا حينما كنّا أولادك في الصف وتسرد لنا أوجاع العالم ومسرّاته، ولم نكن نعلم بأنك ستكتبها ذات يوم بفيلم لا نحتاج إلى مشاهدته ولا نترقب ظهوره، لأننا شاهدناه مسبقا وكشفت لنا خفايا الموضوع وجمالياته، لكنك لم تكتب النهاية وتركتها مفتوحة لأن النهايات عندك صعبة، فالنهايات لا نكتبها نحن وقد تأتي بطريقة لم تكن متوقعة أو قد يمليها علينا شرطي قذر، أو متأشرط يهبط علينا من السماء ديكتاتورا لا يعرف ثامر مهدي ومن يكون، ولا يهمه زيد أو عمر، المهم أن يزهق الروح التي أشاعت الجمال في قلوب كثيرة “.
ويحكي عنه أكثر: “كان يوصينا أن نكلّمه حينما نجده واقفا مع امرأة وحتى لا نحييه لأنه سيكون مندمجا الى حد إلغاء الزمان والمكان والكيفيّة. اتركوني في هذه اللحظات الجميلة ولا تنغّصوا عليّ حتى أتيقن بأنكم تحبّوني. كنت أنا أبحث عن تلك اللحظات كي أحييه وأمعن في تحيّتي له بل اختلق الأسئلة والأفعال والحوارات التي لا أبغي منها إلا أن استفزّه فيتلاعب بعينيه إلى الأعلى والأسفل ويسحبني من يدي التي يحاول أن يقتلعها من مكانها: (ولك إنت شرطي لو بالأمن.. أنت عزرايين مسلطك عليّه.. ابتلي اسولف ويّه مره رأسا تطلعلي.. بس كلّي وين أروح منّك).. واختنق بضحكة واركض قبله إلى المحاضرة فيدخل منزعجا وهو ينظر لي غاضبا لكن غضبه يتحول إلى ابتسامة ساحرة منه وجملة ساخرة لا أجمل وأرق منها وهذا جزء من سبب استفزازي الدائم له. يمتدح من يستحق ويذم من يستحق دون خوفا أو وجل، يعلن عن مواقفه في منتهى الشجاعة، يطرح المعلومة في أكثر من صورة تتسابق مع بعضها كي تبني مساحات معرفية يسبح فيها كل من يسمعه مهما كان مستواه المعرفي لأنه معلّم قبل كل شيء”.
جمال الصورة..
وعن كونه كاتبا يقول: “أما كونه كاتبا ومؤلفا وسيناريست فتلك مسألة أخرى لا أراها مهمّة كثيرا لأنني أراه معلّما للفن والجمال أكثر من كونه فنّانا وما فنّه سوى أنموذج تطبيقي لما تم طرحه في محاضراته وحتى في أحاديثه الجانبية.. حينما يكتب فيلما أو مسلسلا أو تمثيلية فأنه يحاكي صورا وحبّا يسكن ذهنه المتربص لجمال الصورة والصورة الحسّية المعبّرة التي كان يؤكد عليها دائما، فذلك جموح الحصان الذي يمتطيه العاشق جواد الشكرجي في الفيلم الذي كتب له السيناريو ثامر مهدي عن رواية لعبد الخالق الركابي. الجموح للحصان الذي يعبّر عن دواخل شخصية العاشق الذي يمتطيه.
فتشعر حينها بأنك أمام روح متوحّدة قوامها كنية أو صفة أو شعور أو فكرة تشابه إلى حد بعيد شعور عطيل الشكسبيري المغربي في لحظة غضب غبيّة، يقررّ فيها أن يقتل حبيبته أثر سماعه خبر خيانته المزعومة، لكن النهاية مختلفة هنا لأن ثامر مهدي لا يريد أن يقول بأن أبطاله لا يمتلكون سوى العضلات في غياب كامل أو شبه كامل للوعي، كما فعل الحمار عطيل حينما قتل الجمال، بل أن ثامرا يعاقب من اغتصب الجمال فيبتر ذكوريته كما فعل مع السركال في فيلم العاشق، وهذه الرموز والصور الجميلة الممتلئة فلسفة وجمال، وتلك النهايات هي من تحاكي وتداعب شغاف قلب الثامر مهدي فيسبغ عليها البنى الجمالية التي يعشقها، ويتعامل مع أحداث الرواية كأنها أرضية أو مساحة من البنية الاجتماعيّة التي تختزن جمالا يحتاج الى باحث أو عالم أو معلّم كي يظهرها الى المتلقي السينمائي بصور جلية واضحة برموز تعلن عن السهل الممتنع.
وهذا ما عمل عليه أيضا في فيلم الظامئون الذي أخرجه محمد شكري جميل إذ بحث في الرواية عن الرمز الكبير (الجفاف) وجسّده في رسم صوري أخاذ لما يدور في خلد العراقي آنذاك وضميره، وتنبأ لما سيكون في المستقبل حينما يصل العراقي إلى حقيقة مفادها أن الجفاف حالة تسكن التربةـ والتربة تسكن القلب والضمير، لذا فإنها حالة لا يمكن لا لدجلة ولا للفرات أن يقضيان عليها، وما حلّها إلا مطر السماء، فالسماء اختارت الجفاف لهذه التربة وستبقى كذلك والدليل أن المسرّات والأوجاع مازالت مسيطرة رغم علو كعب الأوجاع على المسرّات لكنك في النهاية تتفاجأ بانك أمام فيلم، وعليك أن تخلق فسحة من الأمل فتمطر السماء لكنها حالة افتراضيّة ليس لنا قدرة على استحضارها مهما طالت وكثرت صلوات الاستسقاء فالجفاف مستوطن في أعماق أعماقنا”.
وفاته..
أعلنت نقابة الفنانين العراقيين، اليوم الأحد 9 يوليو 2023، وفاة “ثامر مهدي” في كندا عن عمر ناهز 81 عاما.