لا شكّ أنّ القرار الذي اتخذه زعيم تيّار الأحرار السيد مقتدى الصدر باعتزاله السياسة والتوّجه نحو إكمال دراسته العلمية والحوزوية , كان قرار مفاجئا لكل الأوساط السياسية , بالرغم من أنّه كان قرار صائبا و صحيحا, حيث استقبلته هذه الأوساط بدرجات متفاوته من اليقين , بل كان هنالك شبه إجماع على عدم جدّية هذا القرار وحتميّة التراجع عنه , لكنّ الشئ الذي لم يكن متوّقعا هو سرعة التراجع عن هذا القرار , ويبدو أنّ اللقاء الذي جمع مقتدى الصدر بعمار الحكيم في طهران , قد أنهى موضوع اعتزاله للعمل السياسي وإقناعه بضرورة العودة سريعا لممارسة دوره الناشط والمؤثر , ولربما أقنعه أيضا بأهمية عودته من أجل قطع الطريق على نوري المالكي الزاحف نحو الولاية الثالثة بقوة .
وبغض النظر عن أسباب ومسببات هذا التراجع السريع , فإنّ عودة مقتدى الصدر للحياة السياسية وبهذه القوة , ستشّكل عامل إزعاج حقيقي أمام مساعي رئيس الوزراء نوري المالكي للفوز بولاية ثالثة , وبكل تأكيد فإنّ زيارة عمار الحكيم إلى طهران ولقائه مقتدى الصدر , ترتبط ارتباطا وثيقا بالزيارة التي قام بها عادل عبد المهدي و أحمد الجلبي إلى أربيل ولقائهم بمسعود البارزاني , فكل المؤشرات تؤكد أنّ تحالفا باتت ملامحه واضحة , يجمع الأحرار والمواطن ومتحدّون والديمقراطي الكردستاني والوطنية بزعامة اياد علاوي , أي أنّ هذا التحالف سيكون تحت عنوان ( يا أعداء نوري المالكي اتحدوا ) .
وخطورة هذا التحالف لا تتعلق بقطع الطريق أما نوري المالكي بتوّلي رئاسة الحكومة القادمة , بل أنّ خطورة هذا التحالف تكمن في الثمن الذي سيدفعه الوطن العراقي مقابل قطع الطريق على نوري المالكي ومنعه من توّلي رئاسة الحكومة القادمة , فمن المؤكد أنّ مبررات كل طرف من هذه الأطراف باستبعاد نوري المالكي , تختلف عن مبررات الطرف الآخر , فكل طرف له قصة مع نوري المالكي , وإزاحته عن الحياة السياسية العراقية , بات هو القاسم المشترك لكل هذه الأطراف , فهي جميعا موتورة منه , لكنّ أخطر هذه المساعي تلك المتمثلة بالحلم التاريخي لمسعود في إنشاء الوطن القومي للأكراد , فمسعود لا يهمه أن يتحقق حلمه على أنقاض الوطن العراقي , ونوري المالكي قد أصبح حجر عثرة أمام تحقيق هذا الحلم , ولا بدّ من إزاحة هذا العائق لتحقيق أولا الاستقلال الاقتصادي الذي هو عماد الاستقلال السياسي , فوقوف نوري المالكي أمام مساعي مسعود البارزاني بالسيطرة على نفط حقول كردستان و إنتاجه وتصديره , أصبح يؤرق مسعود ولا بدّ من إحياء تحالف أربيل .
فعودة مقتدى الصدر القوية قد أنعشت الآمال مجددا بعودة الحياة لتحالف أربيل , سيّما وأنّ الأطراف الأخرى غير قادرة على زعزعة الاستقرار بنفس الإمكانات التي يمتلكها تيّار الأحرار , والدليل على ذلك هذه الدعوة للتظاهر في ما يطلق عليه بيوم المظلوم , فمن يعتقد أنّ مقتدى الصدر سيترك العمل السياسي يوما , واهم تماما , بالرغم من أن مواضبة الدرس واستكمال الدراسة الحوزوية هي ميدانه وميدان آبائه و أجداده الذين أبدعوا فيه , و استحوذوا من خلاله على قلوب مقلديهم و أتباعهم , لكنّها السياسة والمصالح , فمغرياتها باتت اليوم أكبر من مغريات العلم والاجتهاد .