كان مهتما باستنساخ المستمسكات الاربعة ، ووضعها في فايل ورقي “مانيلا” ثم التفت اليّ وقال :سابيعها بـ”مليونين دينار”.
ضحكت بوجهه ، وسألته : تقصد هذه المستمسكات ؟.
اجابني : لا ، وانما البطاقة الإنتخابية الالكترونية.
اصابني بخيبة امل ، ثم انتابني فضول للتساؤل : من يشتريها منك يا ترى؟.
قال : الدلالون ، الا تعرف؟.
زادني غما على غم، وقتامة في صورة المشهد، لكني بادرته : تقصد المرشحين للانتخابات؟.
قال وقد علته ضحكة مفتعلة : ها قد عرفتهم.
تمالكت نفسي قليلا، ثم اعدت توزاني، لأعود به الى جوهر الموضوع : لكن كيف تبيع صوتك، حقك في اختيار من يمثلك؟.
ضحك هازئا، وقال في حالة من اليأس : انت تتصور ان بامكاني ان اغيّر شيئا؟.
اجبته : بالتأكيد صوتي مع صوتك، سوف نصنع التغيير، اما ان تكون بهذا الوضع فلا تلومن الا نفسك.
قال : دع عنك هذه الاوهام، وعصفور باليد خير من عشرة على الشجرة.
هنا تدخل آخر ، وبدأ بكلمة “لكن” الاستدراكية ، فظننت اول وهلة انه يحمل رأيا مثل رأيي ، الا ان ما جاء بعد “لكن” مخيبا للآمال ايضا، حيث رأيته يفاصل في “العِملة” قائلا: “بس آني سمعت ان سعر البطاقة بنصف مليون؟!”.
فرد عليه الأول : ما نختلف ، المهم “شعراية من …..”.
هالني الوصف ، واردت ان استفز الاثنين ، فقلت لهما : هل تقبلان لانفسكما ان تعرضا الى البيع في سوق النخاسة ، كما كان يباع العبيد؟.
فرد احدهما : يا فستق عبيد ، انت هوايه متفائل؟.
اجبته : صوتك هو ما تبقى من انسانيتك .. حريتك ، فلماذا تفرط به لصالح جهات اذلتك، وحرمتك من ادنى حقوقك البشرية؟.
سكت بطريقة اراد بها ان يعبر عن امتعاضه مما اقول ، ونظر اليه نظرة رأفة ، كأنه يحاول ان يقول : هذا “مصدك اكو انتخابات واكو تغيير .. خطية ما يدري شي”.
تركتهما ، وانا انظر الى واقع سوداوي للقابل من الايام، لكني انتقلت الى الجانب الاخر من المعادلة الإنتخابية وهو المرشح ، سألت وتساءلت مع نفسي : كم يملك هذا المرشح ، وكم عنده من اموال .. بل من اين له كل هذه الملايين، ومن يدفع عنه ليشتري هو بها ذمم الناس، بل اصواتهم ؟ .
قضية اخطر من الاولى ، فالناخب ربما يتحدث عن حالة يأس ، اما المرشح ، فانه تحول الى تاجر نخاسة ، بضاعته اصوات الناس، وحياتهم حاضرا ومستقبلا.
ثم تعالوا الى هذه المشكلة المستجدة، البطاقة الالكترونية، التي اصبحت عرضة للبيع ، انها نمط آخر من التزوير، ولعلها تعد اكثر ضماناً للصعود الى دورة تشريعية جديدة، بطريقة آمنة ، لكني لا ادري طبعا حتى الآن من سيمنع عملية البيع ، ومن سيقطع الطريق امام تجار الاصوات للوصول مرة اخرى الى قبة البرلمان والحكومة.
لاشك اذا غاب الوازع الوطني ، وغيب الضمير ، وشاع فساد الذمم .. تتحول الانتخابات الى نكتة .. والديمقراطية الى “شيل .. وبيع”.
ربما هناك تدابير تضعها مفوضية الانتخابات ، لانعلم ، لكن الكارثة أن تكون هي لاتعلم مايجري خلف الكواليس، والأدهى من ذلك أن تفتح هي المزاد وتنادي بين الناخبين “الا دونه الا تري” وخلي اللي يشتري يتفرج”.