23 نوفمبر، 2024 2:04 م
Search
Close this search box.

اصوات للبيع

كان مهتما باستنساخ المستمسكات الاربعة ، ووضعها في فايل ورقي “مانيلا” ثم التفت اليّ وقال :سابيعها بـ”مليونين دينار”.
ضحكت بوجهه ، وسألته : تقصد هذه المستمسكات ؟.
اجابني : لا ، وانما البطاقة الإنتخابية الالكترونية.
اصابني بخيبة امل ، ثم انتابني فضول للتساؤل : من يشتريها منك يا ترى؟.
قال : الدلالون ، الا تعرف؟.
زادني غما على غم، وقتامة في صورة المشهد، لكني بادرته : تقصد المرشحين للانتخابات؟.
قال وقد علته ضحكة مفتعلة : ها قد عرفتهم.
تمالكت نفسي قليلا، ثم اعدت توزاني، لأعود به الى جوهر الموضوع : لكن كيف تبيع صوتك، حقك في اختيار من يمثلك؟.
ضحك هازئا، وقال في حالة من اليأس : انت تتصور ان بامكاني ان اغيّر شيئا؟.
اجبته : بالتأكيد صوتي مع صوتك، سوف نصنع التغيير، اما ان تكون بهذا الوضع فلا تلومن الا نفسك.
قال : دع عنك هذه الاوهام، وعصفور باليد خير من عشرة على الشجرة.
هنا تدخل آخر ، وبدأ بكلمة “لكن” الاستدراكية ، فظننت اول وهلة انه يحمل رأيا مثل رأيي ، الا ان ما جاء بعد “لكن” مخيبا للآمال ايضا، حيث رأيته يفاصل في “العِملة” قائلا: “بس آني سمعت ان سعر البطاقة بنصف مليون؟!”.
فرد عليه الأول : ما نختلف ، المهم “شعراية من …..”.
هالني الوصف ، واردت ان استفز الاثنين ، فقلت لهما : هل تقبلان لانفسكما ان تعرضا الى البيع في سوق النخاسة ، كما كان يباع العبيد؟.
فرد احدهما : يا فستق عبيد ، انت هوايه متفائل؟.
اجبته : صوتك هو ما تبقى من انسانيتك .. حريتك ، فلماذا تفرط به لصالح جهات اذلتك، وحرمتك من ادنى حقوقك البشرية؟.
سكت بطريقة اراد بها ان يعبر عن امتعاضه مما اقول ، ونظر اليه نظرة رأفة ، كأنه يحاول ان يقول : هذا “مصدك اكو انتخابات واكو تغيير .. خطية ما يدري شي”.
تركتهما ، وانا انظر الى واقع سوداوي للقابل من الايام، لكني انتقلت الى الجانب الاخر  من المعادلة الإنتخابية وهو المرشح ، سألت وتساءلت مع نفسي : كم يملك هذا المرشح ، وكم عنده من اموال .. بل من اين له كل هذه الملايين، ومن يدفع عنه ليشتري هو بها ذمم الناس، بل اصواتهم ؟ .
قضية اخطر من الاولى ، فالناخب ربما يتحدث عن حالة يأس ، اما المرشح ، فانه تحول الى تاجر نخاسة ، بضاعته اصوات الناس، وحياتهم حاضرا ومستقبلا.
ثم تعالوا الى هذه المشكلة المستجدة، البطاقة الالكترونية، التي اصبحت عرضة للبيع ، انها نمط آخر من التزوير، ولعلها تعد اكثر ضماناً للصعود الى دورة تشريعية جديدة، بطريقة آمنة ، لكني لا ادري طبعا حتى الآن من سيمنع عملية البيع ، ومن سيقطع الطريق امام تجار الاصوات للوصول مرة اخرى الى قبة البرلمان والحكومة.
لاشك اذا غاب الوازع الوطني ، وغيب الضمير ، وشاع فساد الذمم .. تتحول الانتخابات الى نكتة .. والديمقراطية الى “شيل .. وبيع”.
ربما هناك تدابير تضعها مفوضية الانتخابات ، لانعلم ، لكن الكارثة أن تكون هي لاتعلم مايجري خلف الكواليس، والأدهى من ذلك أن تفتح هي المزاد وتنادي بين الناخبين “الا دونه الا تري” وخلي اللي يشتري يتفرج”.

أحدث المقالات

أحدث المقالات