( ليس كل ما يتمناه المرء يدركه ، تجري الرياح بما لا تشتهي السفن ) هذا بيت من قصيدة للشاعر الحكيم ( ابو الطيب المتنبي ) ، والذي يصف فيه ظروف الانسان التي قد تأتي معاكسة لما يتمناه مثل السفن ، وذلك يكون كناية عن قبطانها وركابها ، فهي أن تكون الريح مواتية وسهلة ، و تكون الرياح في اتجاه سير السفنية لكي تدفعها للامام .. لكن دائما ما تكون الرياح بالعكس فتعيق مسيرتها وفي بعض الاحيان تكون عاتية ومهاجمة قد تصل الى تحطيمها … فعلى المرء ان يتسم بالصبر ، ولا يخلو من الابتسامة كون الحياة تستحق ذلك ، ويجعل من نفسه ان لا يخاف من الفشل فهو ليس نهاية الحياة .
هذه حكاية لزوجين سعيدين في حياتهما ولكن لم يتحقق حلمهما للمرة السادسة ، ومع ذلك استمرت بهم الحياة دون وجل ، ونجد فيهما المعنويات القوية والعالية رغم المعاناة التي المت بهما طوال سنوات عمرهما ، ولم تتبدد أحلامهم البسيطة ، فالاحلام باقية ما دامو يتنفسون … واليكم الحكاية الجميلة في هذه القصة القصيرة :
يقال أن رجلا عراقيا مكافحا يعمل في مجال التأسيسات الكهربائية وتصليح العطلات للدور السكنية والمحال التجارية في عموم مدينة بغداد … رزق هذا الرجل بخمسة فتيات على التوالي خلال العشرة سنوات من زواجه , لكن كان حلمه ان يرزقه الله تعالى ( صبيا ) من اجل اعانته على المشاكل الحياتية اليومية الصعبة , وان يتعلم هذا الصبي مهنة الكهرباء ويكون ساعده الايمن في عمله اليومي , وان يصبح الحامي الامين والعين الساهرة على أخواته الخمسة في فترة شيخوخة الاب .
ذات يوما سمع الاب من بعض الاشخاص ان احدى الطبيبات في بغداد تستطيع تحديد نوع جنس الجنين من خلال اعطاء بعض العقاقير والادوية والتحاليل الطبية للزوجة , وايضا ترافقها بعض الحسابات الخاصة بخبرة الطبيبة … وبعد طرح هذه الفكرة على الزوجة اعلنت موافقها فورا وبدون اي تردد ، كونها ايضا كانت تحلم ان يكون لها (صبيا ) يملىء البيت بالسعادة وسط هذه العائلة ، وبين البنات الخمسة , وبعد هذه المشاورات مع الزوجة والاهل قرر الاب الذهاب الى هذه الطبيبة وانه على استعداد تام لدفع اي مبلغ من المال من اجل احتضان الصبي ورعايته والاهتمام به كونه الولد الوحيد في العائلة .
كان الاب على موعدا مع الطبية مصطحبا زوجته من اجل اجراء الفحوصات الطبية ، للتخلص من هذه العقدة التي سببت لهما غصة كبيرة في نفوسهم ، وذلك من اجل قدوم الصبي الموعود الذي سوف تتكحل عيونهما به … وبعد اجراء الفحوصات للزوجة وتقديم الارشادات والتعليمات الطبية لها من قبل الطبيبة المشرفة ، وشرح ما سيتم استعماله خلال الايام والاشهرالمقبلة ، وبعد اخذ بعض الجرعات المقررة من الادوية التي تم تثبيتها في الوصفة الطبية ، كانت الطبيبة تؤكد عليهما بأنه وبعون الله تعالى سيكون صبيا هذه المرة ، حيث كانت فرحة الزوج والزوجة لا توصف ، وتم دفع المبلغ كاملا الى الطبيبة .
بعد مرور ثلاثة اشهر شعرت الام بأنها ( حاملا ) وابلغت زوجها بهذا الخبر المفرح ، فقرر الزوج الذهاب الى الطبيبة نفسها للفحص وتقديم الشكر والامتنان لها وعلى مجهودها الكبير ، وحينما بدأت الطبيبة بالفحص من خلال الاجهزة الطبية لديها صرخت بأعلى صوتها ، مبروك لكم !!! سوف يأتيكم الصبي الجميل ( حمودي ) … الاب والام لم يستوعبو
هذه الخبر من شدة الفرح ، انهالت الزوجة بالقبلات على الطبيبة دون شعور يذكر ، واخذ الاب يوزع المبالغ النقدية على الحاضرين في غرفة الانتظار والسعادة تلمىء قلبه ، وبعدها غادرا العيادة على امل العودة مرة اخرى للفحص بعد ان يكون عمر الجنين سبعة اشهر .
الام وخلال فترة الحمل شعرت بأن هذا الحمل لا يختلف تماما عن سابقاتها حينما انجبت البنات الخمسة وابلغت الزوج بذلك ، وقال لها ان الطبيبة اكدت لنا بأنه صبيا واطلقت عليه اسم ( حمودي ) وان شاء الله سيأتي ( حمودي) وهوقادم الينا لا محال ، ولا تخافي وكوني قوية وشجاعة وتوكلي على الله تعالى ، واخذ الاب يصبر زوجته ويعطيها الامل الجميل بأن القادم هو ( حمودي ) … وبعد ايام قلائل قرر الاب اصطحاب الزوجة الى احدى المختبرات القريبة من بيته لعمل السونار والتأكد من نوع الجنين ، وبعد دخول الزوجة لغرفة السونار والمباشرة بالفحوصات ابلغت الممرضة هذه الزوجة بأن الحمل هي ( فتاة) وليس ( صبيا ) !!!!! هنا كانت الصدمة والكارثة ، وقد أغمى على الام ، وبعد ابلاغ الاب بأن زوجته تم الاغماء عليها ، وحينما علم بأن الحمل هي ( فتاة ) ، أغمى عليه هو الاخر فكانت مفاجئة كبيرة عليهما افقدتهما شعورهما وخابت امالهما بالصبي .
في اليوم التالي ذهب الاب الى الطبيبة ( غاضبا ) ومهددا لها صارخا أن الحمل هي ( فتاة ) وليس ( صبيا ) كما تدعين ، وانك غير دقيقة في عملك ، وغير صادقة في كلامك … ومن اجل امتصاص غضب الاب كانت الطبيبة ( تتوسل ) بعدم ابلاغ الشرطة ، وان المبلغ سيتم اعادته كاملا … ولكن وبعد استلام الاب المبلغ استغفر ربه وغادر العيادة دون ان يخبر احدا ، وقال انها قسمتنا من الله تعالى ، ولا احد ان يستطيع الاعتراض على مشيئة الله .
وبعد مرور تسعة اشهر انجبت الام ( الفتاة ) وهي البنت السادسة في العائلة ، وقرر الاب ان يطلق عليها اسم ( حمودي ) ، حتى يبقى الاب على فرحته وحلمه بالصبي ، وحينما كبرت ( حمودي ) وهي الان تدرس في المرحلة المتوسطة ، بادر الاب في تعليمها وتدريبها على عمل التأسيسات الكهربائية كمساعده له في عمله الشاق ، واخذت ( حمودي ) تمارس هذه المهنة التي يمتهنها الرجال ، وكانت فعلا الساعد الايمن للاب وتشاركه في عمله ايام العطل الرسمية واحيانا بعد انتهاء الدوام المدرسي ، كما انها الان تشعر بالسعادة لثلاث مرات ، اولا لمساعدة والدها في عمله في مجال الكهرباء ، وثانيا ان تعليمها لهذه المهنة سيكون حافزا لها بدخولها في احدى المعاهد الخاصة بالكهرباء وتحديد مستقبلها العلمي في هذا المجال ، وثالثا انها تجني بعض المبالغ البسيطة من الناس حينما ترافق والدها في عمله ليضاف الى مصروفها اليومي … هكذا كانت حكاية الفتاة الجميلة التي أسمها ( حمودي ) ، وهكذا كان صبر الزوجين ورضاهم بما انعم الله تعالى بهما من ذرية صالحة ، ومواجهة الحياة بكل اشكالها دون خوف او فشل فهي ليست نهاية الحياة.