(( إعرف الحقَّ ، تعرف أهله ))
علي بن أبي طالب
الثابت العشائري
من هذه الثوابت هو الثابت العشائري الاجتماعي فحين تفشل القوى السياسية في ترسيخ مجتمع مدني ذي بنى تحتية مؤسساتية متينة سيلجأ الانسان او المجتمع الى نفسه او الى جماعته الاولى وهي العشيرة و لاسيما ان المجتمع العراقي هو مجتمع عشائري وقد كان للعشائر دور فعّـال في كل مراحل حياته السياسية او لنقل منذ تاسيس الدولة العراقية في عام 1921 وبقيت الحكومات والمحتلون والمجاورون وكل الاجندات تحسب حسابا خاصا لهذا المكوّن فهو الساتر الاخير للفرد العراقي حين تتهاوى من حوله السواتر الاخرى ففي التغيير الذي حصل عام 2003 وسقط النظام وغاب القانون نهضت العشائر بعبء حماية ابنائها ونفسها وبالمقياس الجماعي العام فان المجتمع العراقي حمى نفسه عشائريا بل نظّم نفسه لحين تأتيه الامدادات القانونية والمؤسساتية ، وفعلاً صمد الانسان العراقي حين غاب القانون والدولة واتــّكأ على مكونه الاول هو المكون الاجتماعي العشائري ..
الآن وبعد ان ضعفت ثوابت اخرى نهض العملاق العشائري من جديد حين أحــسّ بالخطورة السياسية فقدمت العشائر نماذجها الانتخابية وهذا ما لمسناه في انتخابات مجالس المحافظات السابقة ايضا .. ولكن بالمقابل بعض الاحزاب السياسية الفاعلة احست بعودة الثقل العشائري الى المشهد السياسي فاتكأت عليه هي الاخرى لتكون الطبخة الانتخابية عشائرية سياسية في جانب منها وهذا نوع من التدخل او التصحيح الاجتماعي للمشهد السياسي ، ولكن العشيرة العراقية التي واكبت المشهد السياسي منذ رحمه الاول في العصر الحديث عام 1921 لم يفتها ان تفرض شروطها على الجانب السياسي الذي لاذ بها حين تفتت كثير من مكوناته امام حرارة الشارع العراقي المطالب بالتغيير والاّ فانها اي العشيرة ستسير في الشارع العراقي الانتخابي بلا عباءة سياسية بل ان الواجهة السياسية الوحيدة لها هو اسم العشيرة نفسها والحق يقال ان العشائر قدمت نماذجها التي تراها الافضل عندها اي هي خلاصتها السياسية .. فالعشيرة كونها بؤرة اجتماعية مانحة للمجتمع تنطوي على الكثير من الكفاءات في مجالات الحياة كافة حتى في مجال السياسة نفسها ولكنها تحرص ان تقدم نفسها كعشيرة في حالة تآكل المجتمع مدنيا وتكالبه سياسياً ..
ثابت الدين
والثابت الآخر هو الدين الذي يحاول البعض من السياسيين ان يدفعه الى زاوية الطائفة لكي يثير الهاجس الطائفي عند بعض الناس الذين يخدعهم الخطاب السياسي الطائفي … ولكن الدين يتمثل بالمرجعيات الدينية الحكيمة التي كانت ولا تزال صمام الامان وفي احلك الظروف .. فالمرجعيات الدينية تمثل خلاصة المجتمع الدينية والايمانية والروحية ولكنها ليست واجهات سياسية بل هي دائما تحاول ان ترمم ما تصدعه السياسة في جسم المجتمع لذلك فقد اصطدم السياسي المتورط مع المرجعيات حين مال عن جادة الحق الشرعية ونسى الله الذي لا تنــام عينـــــــه :
تنام عينك والمظلوم منتبه .. يدعو عليك ، وعين الله لم تنم ِ
وزاد اصطدام المتورط ايلاما حين نزلت المرجعية بثقلها الايماني اكثر من قبل الى الشارع العراقي الغاضب من كثير من الممارسات وبرأت ساحتها وقدسيتها من هذه الممارسات ومن الاسماء التي تقف وراءها بل صارت خطب الجمعة تحمل بريدا روحيا خانقا للسياسي المتورط ، كما ان بيان المرجعية بوقوفها على مسافة واحدة من العراقيين في مشروعهم السياسي دفع السياسي المتورط والمتشبث بجبة المرجعية دفعه الى عراء الارض السياسية التي حاول ان يستظل بالظلال الكثيفة للمرجعية فقد وضّح البيان المرجعي المستمر ان هذه الظلال هي ملك العراقيين جميعا مثلما ان الطريق الى الله هو ملك الناس جميعا ..ففي السؤال الذي قدم الى المرجعية العليا في موضوع الموقف من المرشحين والكتل السياسية في الانتخابات جاء جواب المرجعية صريحا وواضحا بفتوى صدرت من مكتب آية الله العظمى السيد علي السستاني يوم 3- 4- 2014 ما نصّه :
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ان سماحة السيد دام ظله يحث المواطنين على المشاركة في الانتخابات واختيار الصالح الكفوء و لا يدعم اية قائمة او مرشح بخصوص ، وليس معنى كونه على مسافة واحدة من الجميع هو ان يساوي بين الصالح والطالح اي بين من بذل ما يستطيع في خدمة الناس و مكافحة الفساد وبين من لم يعمل الا لمصلحة نفسه وجماعته و …. بل معناه انه لا يدعم ايـّاً من المشاركين في الانتخابات ، فمسؤولية الاختيار انما هي على الناخب نفسه ، فليحسن الاختيار لكي لا يندم لاحقاً .