18 ديسمبر، 2024 11:08 م

هل يستطيع العراق انشاء جهاز تنمية من “القوات الامنية ” على غرار مصر ؟

هل يستطيع العراق انشاء جهاز تنمية من “القوات الامنية ” على غرار مصر ؟

هل تستطيع القوات الامنية “الجيش , الشرطة, والحشد ” انشاء جهاز تنمية أثناء الحياة السلمية في البلاد ؟ وخاصة بعد انتهاء عمليات التطهير من العصابات التكفيرية “داعش ” واعلان النصر قبل سنوات خلت , حيث تتلخص طبيعة مفهوم البناء والاعمار والتنمية لتشتمل كل من الحالة الاقتصادية , الاجتماعية , والامنية لخلق بيئة مستقرة واستتباب الامن والتخلص من الفوضى والانتقال الى حالة السلام الطبيعي للمجتمع , ويطلب في ذلك التعاون بين الاطراف المحلية والاقليمية والدولية والنهوض باستراتيجية شاملة متعددة المسارات لبناء مؤسسات الدولة, وبما ان القوات الامنية لها القدرة على احداث تغييرات في المشاركة بعملية البناء والاعمار والتنمية والاستثمار, وقد لمسنا وشاهدنا في أغلب جيوش العالم بان الروح المعنوية والعسكرية لتلك الجيوش تنسجم مع حجم الدور الاجتماعي , وقد لعبت المؤسّسة العسكرية في الكثير من الدول دوراً أساسياً في مجالات المساعدة الاجتماعية والإسكانية والصحية من خلال الحروب والكوارث الطبيعية أو في حالات النزاعات المسلحة, أما في وقت السلم كونه يساهم في الحدّ من التباين بين المجتمع العسكري والمجتمع المدني.

من الأمثلة البسيطة ما بناه الجيش العراقي بفتح قناة خففت فيضانات نهر دجلة عن بغداد عام 1960 وقد سميت فيما بعد بـ ” قناة الجيش ” نسبة الى الجيش العراقي الذي أنشأها وافتتحت في عهد الرئيس عبد الكريم قاسم, تبدأ القناة من شرق دجلة بين منطقة سبع ابكار ومحلة السيفية، وتُسمّى بدايتها صدر القناة، تُضخّ وتجري من هناك متجهةً نحو شرق بغداد ثم إلى جنوبها حيث تصبّ في نهر ديالى في منطقة الرستمية، كان المقصد الأول لحفر القناة هو لتقليل مياه دجلة إذا زادت لكيلا تفيض بغداد، وقد كان الماء من قبل يفيض من دجلة ويسيل إلى أراضي بغداد فتغرق المدينة ويُدمَّر كثير من بنيانها غيرَ أنّ عبد الكريم قاسم أعلن يوم افتتاحها أنها ليست قناة فحسب، بل مشروع إسكان كبير، وقد افتتحت بعد ذلك مدينة الثورة، شرق بغداد، وسكنها آلاف العوائل التي كانت تسكن في مساكن عشوائية بين مياه آسنة، وحدثت قفزة عمرانية في بناء أحياء سكنية جديدة على جانبي القناة. ومن الامثلة الاخرى عربياً هو التجربة المصرية في استخدام القوات المسلحة في البناء والاعمار من خلال شركاته في الاستثمار والمقاولات التي أنشئت وبنت السد العالي وقناة السويس , وبعدها فتح الجيش المصري أربعة أنفاق جديدة أسفل قناة السويس ضمن خطة لتنمية سيناء التي عانت التهميش منذ عودتها للسيادة المصرية والخطة التنموية ينفذها “جهاز تنمية شبه جزيرة سيناء” الذي تم إحداثه بعد ثورة 25 يناير، بدعم من الجيش واعتبار تلك الخطة هي بمثابت أمن قومي مصري , ويذكر ان الجيش المصري يساهم في بناء الجسور والانفاق والعمارات السكنية من خلال ما يمتلكه من كوادر هندسية وشركات مقاولات عملاقة وقد بنى ذلك الجيش أكبر مجمع لصناعة الأسمدة وتعتبر خطة بناء سيناء التنموية من الخطط العملاقة في التنمية المصرية على المستوى العربي والعالمي .

فهل تتبنى الحكومة العراقية مثل هكذا مشاريع استثمارية وتنموية تنهض بالبلاد بعمل تلك الجهات الامنية من الجيش والشرطة والحشد بالعمل المتواصل والإخلاص والاستقرار والسلام والجهد والعرق , وبهذا سيتحول العراق الى بلد تنموي متطور بفعل تلك التطورات والانجازات والحقائق على الأرض، وعلى المهام الأساسية للمؤسسة العسكرية ومكانتها وصورتها في الشارع العراقي وتتلخص تلك الفكرة إلى أن الدور الضخم الذي يجب ان تلعبه القوات الامنية وقت السلم في حلِّ مشاكل البلاد الاقتصادية والمعيشية، أمَّا على الصعيد السياسي، فإن هذا الدور من شأنه أن يكرِّس حقائق على الأرض تجعل من الصعب تجاوزها عند أي حديث مستقبلي محتمل في بناء مؤسسات دولة مدنية قوية وقادرة على القيام بمهامها. ولا شك أن هذا الوضع بقدر ما يحول دون أي تحول سياسي وديمقراطي حقيقي، فإنه يمنع إعادة بناء دولة مؤسسات حديثة.