باحث بـ”معهد شنغهاي” يقرأ .. دور “الصين” في الشرق الأوسط !

باحث بـ”معهد شنغهاي” يقرأ .. دور “الصين” في الشرق الأوسط !

خاص : ترجمة – د. محمد بناية :

أثارت جهود “الصين” للتوسّط في استئناف العلاقات الدبلوماسية “الإيرانية-السعودية”، جولة أخرى من المناقشات المتعلقة بالدور الصيني في الشرق الأوسط؛ بحسب ما أستهل “جين ليانغ شيانغ”، زميل باحث أول، معهد “شنغهاي” للدراسات الدولية تقريره الذي نشرته “مؤسسة الدراسات الإيرانية-الأورآسيوية”؛ (إيراس)، نقلًا عن (China-US Focus).

وأفضل دليل على ذلك مقال (ميل إيست آي-Middle East Eye)؛ تحت عنوان: “المصالحة السعودية-الإيرانية: كيف تُعيد الصين تشكيل الشرق الأوسط ؟”. ويبدو أن منظور الكاتب صحيح؛ لكنه لا يُقدم تنبؤًا دقيقًا.

ولا ينبغي المبالغة في تقدير دور “الصين” بالمنطقة. فسيظل دور “الصين” تسّهيل تهدئة التوترات الإقليمية، وستواصل إقناع الأطراف والضغط عليها لتضييق خلافاتها.

دورًا يتسّم بالسلبية..

وقد شهد العقدان الماضيان تنامي دور “الصين” في قضايا الشرق الأوسط. ولقد كان هذا البلد من أشد المعارضين للحرب الأميركية على “العراق”؛ عام 2003م. كما عارضت الإفراط في استخدام الأدوات العسكرية بـ”أفغانستان وليبيا”؛ عام 2011م، وكذلك عارضت التدخل العسكري في الشؤون الداخلية السورية؛ عام 2012م، في سّياق “الربيع العربي”.

وتؤيد “الصين” بقوة؛ جهود الفلسطينيين في الحصول على حقوقهم الوطنية، لدرجة أن المبعوث الصيني يزور المنطقة بشكلٍ متكرر للوسّاطة بين “فلسطين” و”الكيان الإسرائيلي”.

مع هذا فلقد كان الدور الصيني في جميع هذه القضايا محدود، بسبب سلبية ردود فعل “بكين” على السياسات التدميرية للجهات الخارجية الفاعلة في الشرق الأوسط، سواءً خلال فترة ما قبل حرب “العراق” عام 2003م، أو في غيرها من الموضوعات الأخرى المذكورة سلفًا، ولذلك فشلت في عكس الاتجاهات التدميرية رغم جهودها للمحافظة على السلام والاستقرار في هذه المنطقة.

تغيير في سياسات “بكين” تجاه المنطقة..

وانخرطت “الصين”؛ بشكلٍ فعال طوال العامين الماضيين، في قضايا أمنية بالشرق الأوسط، وتكررت زيارات “وانغ يي”؛ عضو مجلس الدولة ووزير الخارجية السابق، منذ العام 2021م، إلى الدول الكبرى في المنطقة مثل: “السعودية وإيران”، واستقبل في العام 2022م؛ وزراء خارجية الدول الكبرى بالشرق الأوسط.

وأوضح موقف بلاده تجاه قضايا الأمن الإقليمي وفق المفاهيم الأمنية الجديدة. والجسّر الناجح الذي أنشأته “الصين” بين “إيران” و”السعودية”، وأدى إلى استئناف العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، ليس فقط إنجازًا لمفاوضات “بكين” التي استمرت خمسة أيام، بل هو أيضًا نتيجة الدبلوماسية الصينية في المنطقة في العامين الماضيين لتعّزيز مفاهيم أمنية جديدة.

وهذا مؤشر على التغيير في سياسة “الصين”؛ (من السّيطرة على الأضرار إلى تسّهيل تخفيف التوترات)، بهدف إعادة بناء النظام الإقليمي.

وسابقًا كانت سياسة “الصين” تهدف للحيلولة دون تدهور الوضع الأمني الإقليمي؛ بسبب سلوكيات الجهات الفاعلة والعناصر الخارجية في المنطقة. وهي الآن تُسّهل الاستقرار في المنطقة من خلال التوسّط بين مختلف الأطراف.

خطوة أولى تعقبها خطوات..

ومن المُرجّح أن يزداد دور “الصين” مستقبلًا في تسّهيل السلام والاستقرار بالمنطقة؛ حيث تعتبر أن الشرق الأوسط مرتبط بقوة بأمنها الاقتصادي والقومي. وهي تتعامل كذلك مع مسألة نزع الخلافات في المنطقة، كوسيلة لإثبات شعورها بالمسؤولية كلاعب دولي رئيس.

والحد من التوتر ليس سوى الخطوة الأولى. وهناك طريق طويل بين الحد من التوتر إلى بناء نظام الهادف، وتميل “الصين” بالتأكيد للمساعدة في ذلك، مثل تسّهيل التعاون الاقتصادي، ووضع قواعد لإعادة الإعمار.

من جهة أخرى؛ لا ينبغي المبالغة في الترويج للدور الصيني بالمنطقة. صحيح أنه ما كان لـ”السعودية” و”إيران” الوصول إلى اتفاق بشأن استئناف العلاقات الدبلوماسية دون وسّاطة “بكين”، لكن هذا لا ينفي وجود مفاوضات سابقة بين الجانبين في “العراق” و”عُمان”.

بعبارة أخرى؛ سّهلت “الصين” المسّار الدبلوماسي لكن الزخم جاء بشكلٍ أساس من داخل المنطقة. فلو لم تتغير الأوضاع بالمنطقة، لن تنجح “الصين” في إجراء أي تغيير بالمنطقة. والوسّاطة الصينية الناجحة تُثبّت فهم “بكين” طموحات التنمية بهذه المنطقة على نحو صحيح، ومن ثم فقد عّززت الاتجاه العام نحو خفض التوتر والتصعيد بالمنطقة؛ في حين فشلت بعض الجهات الفاعلة الخارجية الأخرى في القيام بذلك.

والمتوقع أن تكون “الصين”، بوصفها جهة خارجية فاعلة ومسؤول رئيس، أن تميل بشكلٍ كبير للمساعدة في رأب الصدع بالمنطقة، لكن النجاح مرهون برغبة الأطراف. والنجاح في حالة واحدة لا يعني تلقائيًا النجاح في حالة أخرى.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة