16 نوفمبر، 2024 2:32 ص
Search
Close this search box.

رواية “بر الحبش”.. كشفت زخم المجتمع الليبي وتأثير الحروب المتوالية عليه

رواية “بر الحبش”.. كشفت زخم المجتمع الليبي وتأثير الحروب المتوالية عليه

خاص: قراءة سماح عادل

“بر الحبش” للروائي والقاص الليبي “محمد مفتاح الزروق” رواية بارعة تحكي عن تاريخ ليبيا قبل وأثناء الاحتلال الإيطالي، وأيضا عن الحكم الذي تلى ذلك الاحتلال والذي زج بالليبيين الى أتون الحرب الحارقة وجعلهم يعيشون حياة قاسية وصعبة.

الشخصيات..

تعتمد الرواية على شخصيتين رئيسيتين هما “أحمد” البطل والراوي، و”سي عبد الرازق” الذي يحكي عنه البطل “أحمد” والذي يستلهم حياته ويحكي تفاصيلها كشاهد على تاريخ ليبيا، وهناك شخصيات أخرى ثانوية ثرية أيضا بالتفاصيل والأحداث والتنوع، حيث ترصد كيف كان المجتمع الليبي.

الراوي..

الراوي الرئيسي هو البطل “أحمد” الذي يتقرب من “سي عبد الرازق” في مرحلة مراهقته ويستقى منه خبرات وحكايا وآراء ووجهة نظر لما يحدث في بلاده، ويحكي “أحمد” عن نفسه وعن مدينته “بنغازي” بضمير المتكلم، ويحكي عن حياة “سي عبد الرازق” منذ أن كان طفلا حتى كبر وأصبح كهلا بضمير المخاطب، كما يحكي عن باقي الشخصيات من خلال ما عرفه عنهم أو من حكايا باقي الشخصيات عنهم.

السرد..

تدور الرواية في الفترة الزمنية ما بين منتصف الثلاثينات ومنتصف الثمانينات، مركزة بشكل أساسي على الحرب التي أجبر الليبيين على الانخراط فيها دون إرادتهم، سواء من قبل الاحتلال الإيطالي القاسي أو من خلال سلطة حكمت ليبيا ويسميها البعض انقلاب سبتمبر 69. وهذه السلطة أجبرت الليبيين على الانخراط في حرب لا تخصهم ولن يجنون منها سوى الخراب والفوضى والعذاب.

تتنقل الرواية بين حاضر الرواية وبين ماضيها بشكل سلس معتمدة على عناوين فرعية معبرة، وتنتقل أيضا ما بين حكي “أحمد” عن نفسه وعن مدينته وأهلها وما بين حكيه عن “سي عبد الرازق”.

الإجبار على الحرب..

تركز الرواية على فكرة رئيسية وهي إجبار الشعب على خوض الحرب كوقود لها، تشير إلى الفترة التي سبقت الاحتلال الإيطالي حيث حارب ببسالة عمر المختار وأعوانه، لكنه انهزم تحت وطأة وقوة الإيطاليين، وبدأ زمن الاحتلال الإيطالي لليبيا، حيث عانى الليبيون من الفقر والاضطهاد واضطر بعضهم نتيجة موت كثير من الرجال إلى تشغيل الأطفال لأن العائل اختفى وقتل كثير من الإباء والأعمام والأخوة.

ولم يكتف الإيطاليون باحتلال ليبيا ونهب خيراتها والتعامل بعنصرية مع شعبها وإقفارهم، إلا أنهم أيضا زجوا بهم في حربهم مع أثيوبيا وأرسلوا الجنود الليبيين إلى “بر الحبش” كما يسميها “سي عبد الرازق” وهي منطقة في إفريقيا تجمع أوغندا وتشاد وأثيوبيا، أرسلوهم الى أدغال إفريقيا دون خبرة أو علم بما يجري هناك، ليموت الليبيين ليس فقط بأيدي الجنود، وإنما بالتهام التماسيح وقرصات الأفاعي ونتيجة لباقي ظاهر الطبيعة الخطيرة التي لم يعتادوا عليها ولم يعرفوا كيف يتعاملون معها. جنود يذهبون ليموتوا بأعداد كثيرة فقط إرضاء لإيطاليا وقائدها العنصري.

ولم يقف الأمر عند هذا الحد، وإنما استمرت الحرب في أدغال إفريقيا بعد وجود سلطة المفترض أنها من الشعب وتنتمي له، لكنها أيضا كان لها أهدافها ومصالحها، حيث كانت تدافع عن أفكار القومية العربية التي كانت سائدة في ذلك الوقت، وكانت تدافع عن مصالح دولة أخرى. وكان الليبيين يحاولون بشتى الطرق الهرب من تلك الحرب، ومن لم يستطع الهرب كان يذهب إلى الحرب ليقتل أو يفقد جزء من جسده أو يمر بتجارب قاسية تنحفر عميقا في نفسه وتترك ندوبا. كل الشباب في ذلك الوقت لم يسلموا من أن يتم ترحيلهم إلى أرض المعركة ومن يتهرب يلقى عقوبة قاسية ويصبح مطاردا.

الاشتراكية..

انتقدت الرواية أيضا سعى السلطة إلى تطبيق ما أطلقت عليه “الاشتراكية” حيث أفسدت الملكيات الصغيرة للشعب واتجهت لعمل احتكار للاقتصاد ليصبح بيد القائمين على حكم الدولة، وهذا الاحتكار أضر بالناس ولم ينفعهم لأنه أصبحت لديهم النقود لكنهم لم يكونوا يجدون السلع لشرائها.

فسياسية السلطة الجديدة لم تخرب البلاد بالحروب المتوالية والتي لن تسفر عن نتائج جادة فقط وإنما احتركت البلاد، ومنعت الحرية، وأصبحت تلاحق كل من يبدي أقل اعتراض على سياستها. خربت البلاد وأرعبت الناس.

الانبهار بإيطاليا..

رغم أن الرواية رصدت كيف كان الاحتلال الإيطالي قاسيا وحشيا مع الليبيين لكن ذلك لم يمنع وجود بعض المواطنين الليبيين الذين كانوا ينبهرون بالإيطاليين وتقدمهم الحضاري، وكانوا يثنون على التغيير والتطوير الذي قام به الإيطاليون في الأماكن والمناطق، وكانوا يقلدون النمط الإيطالي في الملابس والسلوك.

كما رصدت الرواية وجود بعض الإيطاليين الذين لم يكونوا قساة مثل السيدة “فسكونتي” التي كانت تريد طفلا ليعمل معها ويسليها لأنها لا تنجب الأطفال، وعملت على رعاية “سي عبد الرازق” وهو طفل وكانت بمثابة أم حنون له، وحرصت على التحاقه بالتعليم وعلى إكسابه أفكار إنسانية هامة، وظل يتذكرها طوال حياته ويشعر بالامتنان تجاهها، في محاولة من الرواية لترسيخ فكرة الإنسانية وأن الناس ممكن أن يجتمعوا على قيم وأفكار إنسانية بعيدا عن العنصرية والحروب والاستعمار والمصالح الطبقية الضيقة.

الاحتفاء بالمكان..

احتفى الراوي “أحمد” بمدينته احتفاء كبيرا وكان يناجيها في أثناء سرده ويروي التغييرات التي حدثت لها وعلى أهلها، مما يعكس أهمية المكان بالنسبة لكاتب الرواية، ولم يمنع ذلك من رصد التخبط في الهوية الذي يعاني منه معظم الليبيين، والذي نتج عن بطش وقوة السلطة سواء المستعمرة أو الوطنية مما أحدث اغترابا شديدا لدى الليبيين.

فخ العنصرية..

أثناء رحلة الكاتب في رصد عنصرية الإيطاليين وعنصرية الأفارقة الذي ذهب الليبيين لمحاربتهم، والذين كان يستعين بهم الاحتلال الإيطالي في ليبيا كأعوان ومساعدين، فكانوا يبطشون بالليبيين ويقتلونهم، وكانت دعاية الاحتلال الإيطالي لتشجيع الليبيين على الذهاب إلى “بر الحبش” بدعوى الانتقام من هؤلاء الأفارقة ذوي البشرة السوداء الذين قتلوا ذويهم. رصد أيضا الكاتب عنصرية الليبيين أنفسهم تجاه ليبيين أخرين، لكنهم من أعراق أخرى كالامازيغ، والذين لا ينطقون العربية، فالعنصرية متفشية بكافة صورها ودرجاتها، لكن هل وقع الراوي “أحمد” نفسه في فخ العنصرية البغيض، حين كان يتحدث عن أبناء البلدان الأخرى الذين كانوا يذهبون إلى العيش في ليبيا؟

الرواية ثرية وبارعة واستطاعت تصوير زخم المجمع الليبي ممثلا في مدينة بنغازي ومنطقة منها في فترة هامة جدا من التاريخ الليبي امتدت من بداية الاستعمار الإيطالي وحتى فترة حكم السلطة التي انتهت في عام 2011، وكقارئة غير ليبية أفادتني الرواية كثيرا في تسليط الضوء على المجتمع الليبي من الداخل، وعلى أحداث تاريخية هامة شكلت وعي ووجدان الشعب الليبي.

الكاتب..

“محمد مفتاح الزروق”، مواليد  المرج 6 أبريل 1968ليبيا، يحمل الماجستير في الإدارة الهندسية ويعمل بالشركة العامة للكهرباء. بدأ الكتابة في فترة الدراسة في الثمانينيات، واشترك في عدة مسابقات طلابية وتحصل على عدة جوائز فيها. بدأ الكتابة بصفة رسمية منتظمة في الصحف المحلية عام 1994. تنوعت كتاباته من المقالة إلى القصة والرواية. وأصدر أول كتاب له في عام 2007 وكانت مجموعة قصصية حملت اسم “وجهان في الصقيع”. نشر نتاجه الأدبي في عدة صحف عربية ومحلية، وشارك بمنشوراته في عدة معارض عربية للكتاب.

أخبار ذات صلة

أخبار ذات صلة