خاص: إعداد- سماح عادل
“خالد القشطيني” صحفي وكاتب وعراقي. كتب عدة مسرحيات وكتب باللغتين العربية والإنجليزية، ومسرحيته «تحت ظلال البطالة» عُرضت في بغداد عام 1959. فاز بجائزة العامود الصحفي المقدمة من جائزة الصحافة العربية في الإمارات عام 2015. أقام في المملكة المتحدة، وعمل في صحيفة الشرق الأوسط اللندنية.
حياته..
ولد في الكرخ من بغداد في 1929، وكان والده معلما، قام بتعليمه وتثقيفه. تخرج من كلية الحقوق في 1953، وفي معهد الفنون الجميلة قسم الرسم في 1952، ثم نال بعثة حكومية لدراسة الرسم والتصميم المسرحي في بريطانيا، ودرس هاتين المادتين حتى 1957. عاد بعدها إلى العراق للتدريس في معهد الفنون الجميلة، ثم غادر العراق في 1959، والتحق بالإذاعة البريطانية وبقي بها حتى 1964.
عندما استقال، تفرغ لكتابة المسرحيات وكتب عدة مسرحيات باللغتين العربية والإنجليزية، وعرضت مسرحيته «تحت ظلال البطالة» في بغداد عام 1959. امتاز أسلوبه في الكتابة بالسخرية والفكاهة، وكثيرًا ما تناول المواضيع الاجتماعية والسياسية. دراسته المزدوجة أعطته ازدواجية في اهتماماته الفكرية، حيث نشر عدة كتب سياسية بالعربية والإنجليزية منها: «الحكم غيابا» و«فلسطين عبر العصور» و«نحو اللاعنف» وقدم أيضا مساهمات عدة في المجال الأدبي والفني حيث كتب عدة كتب باللغتين منها: «الساقطة المتمردة». وله أيضا بعض المسرحيات في اللغتين منها: «نقطة عبور جسر اللنبي» و«البرميل».
نشرت له عدة مقالات تتميز بالسخرية والفكاهة منها: «هموم مغترب» و«عالم ضاحك» و«سجل الفكاهة العربية» و«صباح الخير» ونشر أيضا قصص قصيرة بنفس الأسلوب. اشتهر في سنواته الأخيرة بزاويته الساخرة في صحيفة “الشرق الأوسط” المعروفة باسم «صباح الخير» و«أبيض وأسود»، وله أيضاً عدة ترجمات لكتب سياسية مختلفة. صدرت له رواية في بريطانيا عام 1997 باللغة الإنجليزية باسم «حكايات من بغداد القديمة- أنا وجدتي»، وبعدها أصدر أيضاً مجموعة قصص باللغة العربية باسم «من شارع الرشيد إلى أكسفورد استريت – حكايات للضحك والبكاء».
كتب عدة مقالات في صحف ومجلات منها: صحيفة الشرق الأوسط، وصحيفة اللواء، وصحيفة الوفد، ومجلة المجلة، وصحيفة العربية، وصحيفة القوات اللبنانية، وصحيفة الأمواج، ومجلة الآداب، ومجلة آفاق عربية، ومجلة العربي، ومجلة القاهرة، ومجلة الناقد، وصحيفة يورو تايمز وصحيفة اليوم. أقام في بريطانيا.
أعمدة صحفية..
كان واحدا من أبرز أعمدة صحيفة “الشرق الأوسط” اللندنية التي التحق بها منذ بداية صدورها في الثمانينات وكتب عموده الساخر “صباح الخير” ثم “أبيض وأسود” لاحقا، والذي كان يتناول فيه مواضيع اجتماعية وسياسية وشؤونا يومية تهم المواطن العربي عموما بأسلوب مبسط، وحكائي، بعيدا عن التنظير والتعقيد، بل مادة صحفية مركزة وغنية بالمعلومات، وتتضمن حدثا وتاريخا وعبرا غير مباشرة. وكان قراء الصحيفة يستهلون تصفحها من الصفحة الأخيرة لقراءة عمود “القشطيني” قبل قراءة مانشيتات الصفحة الأولى.
الناقد المصري “محمد مندور”، الملقب بـ”شيخ النقاد العرب”، كتب مراجعة نقدية لأحد أعداد مجلة “المجلة” التي تضمنت مقالاً للقشطيني قال عنها: “إن مقالة القشطيني يجب أن تكون مثالا يحتذي به الكتاب والنقاد العرب الآخرون”، وهو العمود الذي قاده للفوز بجائزة الصحافة العربية في دبي عام 2015 وهو فوز أعد متأخرا بالنسبة لبداياته.
أستاذ وأب..
في مقال عنه كتبها “معد فياض”: “تعرفت على خالد القشطيني قبل أن التقيه شخصيا وذلك عن طريق ما كان يسرده والدي عنه، حيث كان صديق طفولته وفتوته وشبابه، ذات الجيل والمدرسة والجامعة، بغداد، سوى أن القشطيني درس الحقوق ووالدي درس الآداب، كما درسا سوية في معهد الفنون الجميلة، مسائي، هو اتجه للفن التشكيلي ووالدي للموسيقى. لكنني التقيته للمرة الأولى عام 1988 ببغداد عندما جاء مدعوا لمهرجان المسرح العربي وعرض على العمل كمدير لمكتب صحيفة “الشرق الأوسط” في العراق بناء على طلب رئيس تحريرها وقتذاك الصحفي السعودي المعروف عثمان العمير، قبل أن يعرف بأني ابن صديق حياته، وكان لقائهما، هو ووالدي، مصادفة في منتدى المسرح بعد ما يقرب من 30 سنة من الفراق.
عندما التحقت بمكاتب جريدة “الشرق الأوسط” في لندن، أواسط التسعينيات، كان القشطيني أول من استقبلني وتعامل معي كأستاذ وأب إذ أرشدني للتعرف على الحياة اللندنية وأشهر شخوصها الصحفية والثقافية من العرب والإنجليز”.
عبوسا..
ويضيف: “لم يوح وجه خالد القشطيني بأن روحه تنطوي على كم هائل من السخرية، بل على العكس من ذلك، وجهه يبدو عبوسا، وتفكيره منشغلا بفكرة لكتابتها لعموده اليومي الذي كان القراء ينتظرونه على أحر من الجمر، لكنه ما أن يدخل قاعة الأخبار ويقف أو يجلس عند هذا الزميل أو ذاك حتى تتعالى الضحكات إثر نكته ساخنة يبثها في الأثير مثل خبر عاجل، حتى ينتهي به المطاف قرب مكتبي ليسألني عن أحوال العراق: “ها..شكو ماكو؟”، خاصة عندما أكون قد عدت توا من بغداد أو أربيل في مهمة صحفية، وقبل أن يغادر يعلمني بوجود ندوة أو مسرحية جديدة أحضرها معه. كانت رفقته عبارة عن معلومات ومحاضرات مهنية غنية للغاية، وكان يتمتع بنشاط وحيوية وبذاكرة متقدة وذكاء مدهش، حيث بقي مواظبا على كتابة عموده الصحفي وتأليف الكتب دون عناء يذكر”.
زمن في العراق وإنجلترا..
ويواصل: “إضافة إلى كل هذا نشر خالد القشطيني في السنوات الأخيرة كتاباً عن سيرته بعنوان “زمن في العراق وإنجلترا”، تحدث فيه عن شخصيته منذ ولادته ونشأته في بغداد. وهو يقول فيه إن زوجته الإنجليزية قد شاركت الكثيرين في التساؤل عن هذا الرجل الذي جاءها من بلاد ألف ليلة وليلة وتزوجها وأنجب منها ولدين، دون أن تلم بكل جوانب حياته وحياة أسرته في العراق. ولذلك دعته لكتابة بضع صفحات للأولاد يشرح فيها خلفيته وهويته ومنشأه. فعل ذلك، ولكنه لاحظ أن ما كتبه لم يكن مجرد عرض لحياته، وإنما عرض لحياة المجتمع العراقي والعراق ككل.
يقول: “إذن، لم لا أتوسع في الموضوع ليكون كتاباً للجميع”، وهذا ما فعله. السيرة مكتوبة باللغة الإنجليزية، وتضمنت الكثير من الطرائف والمفاجآت. وكان فيها القشطيني جريئاً، كما في عموده الصحافي وكتاباته الأخرى، فهو لم يتردد في ذكر “الحقائق الصعبة والمرة” حتى عن حياته الشخصية”.
رائد الكتابة الساخرة..
في مقالة بعنوان (شجرة الإبداع العراقي تودّع رائد الكتابة الساخرة القشطيني) كتب: ” يؤكد المتابعون والعاملون معه من كبار الصحفيين العرب عن عطاءاته الإبداعية الثرية لاسيما على صعيد الكتابة الساخرة أنه “ركز على دراسة السخرية وتحليلها كما اهتم بكتابتها، إذ كتب الظُرف في بلد عَبوس، ومن جد لم يجد، فكاهات الجوع والجوعيات، وعالم ضاحك. فكاهات الشعوب ونكاتها، والسخرية السياسية العربية، وأن قفشاته ونكاته المميزة ستبقى “حاضرة ونابضة”.. كما تميز”
وبروح الدعابة والسخرية التي لازمته واقعاً وكتابة يقول القشطيني: “أعتقد أن أمي حينما أنجبتني كنت أحمل جريدة تحت إبطي! كما أن الفكاهة والسخرية تسريان في دمي منذ الطفولة”.. وبقي يفتخر دائماً بـلقب “برنارد شو العرب” الذي أطلقه عليه هشام الحافظ، أحد مؤسس جريدة الشرق الأوسط”.
فشل في الحب..
في مقالة بعنوان (فشلت في الحب والتجارة) كتبها “خالد القشطيني” يحكي فيها عن حياته بشكل ساخر: “المحطة الأولى كانت، وكما نتوقع، فشلا في الحب. أحببتها وأنا تلميذ في كلية الحقوق في بغداد، ولكنها لم تحبني، بل ولم تعبأ بي، لقد كانت جميلة جدا، وكانت ذكية بدليل أنها عرفت هذا الكنز المكتنز في جسمها، فلم تشأ أن تضيعه على واحد فنان ضايع صايع، أحببتها ولم تحبني. مأساة؟ كلا. فما من شيء أشكر الله عليه أكثر من هذا الفشل. فلو أنها أحبتني لخطبتها من أهلها، ولو أنني خطبتها لأعطوها لي ولو أعطوها لي، لتزوجتها وخلفت منها شلة من العيال وبقيت في العراق، وعشت في ظل صدام حسين وشهدت أولادي يبعث بهم صدام حسين لمحاربة إيران والكويت والأكراد وكل من ليس لي أي شيء ضده، أشكر الله على ذلك الفشل الذي أوحى لي بالخروج من العراق. أشكر الله على ذلك الفشل، فبعد سنوات عدة تزوجت تلك الفتاة بضابط كبير في الجيش، قضى معها بضع سنوات ثم حصلت له جلطة ومات. أشكر الله وأحمد على ذلك الفشل فلو أحبتني وتزوجتها لكنت أنا ذلك الرجل الذي مات، أنا الأن مدين لها بحياتي”.
ويكمل: “المحطة الثانية للفشل كانت أيضا مرتبطة بالحب، ولكنه لم يكن فشلا على الدرجة نفسها من النجاح، فهذه الفتاة الألمانية التي أحببتها في لندن فاجأتني بأن أحبتني، فتزوجتها تحت وقع المفاجئة، ولهذا أقول لم يكن هذا الفشل على الدرجة نفسها من النجاح، عشت معها ردحا من الزمن، ثم أحبت رجلا آخر فرحلت عني، أتذكر أنني تذكرت عندئذ كلمات بيرم التونسي رحمه الله فرددتها: مية هم يرحل ألف هم يدوم. دخلت البيت مع صديقي الإذاعي فؤاد الجميعي فوجدت أنها قد لملمت ثيابها ومتاعها وتركت البيت، انطلقت أرقص من غرفة إلى غرفة وأنا أردد لصديقي: أنا حر يا فؤاد.. حر! تفهم أنا حر؟! خلاص! ابتدي من جديد لا شيء يعلم الإنسان أكثر من الزواج الفاشل، ولكن يؤسفني أن أقول إنني فشلت أيضا في تعلم هذا الدرس، فقد تزوجت مرة ثانية!”.
ويواصل في سخريته: “المحطة الثالثة من الفشل أخذت شكل خسارة مالية، وهي طبعا أبشع من خسائر الحب، فالنساء موفورات والحمد لله، حتى الشحاذ على الرصيف يستطيع أن يجد لنفسه شحاذة يتزوجها، ولكن من أين تأتي بالفلوس إذا هلكت؟ وفي هذا الفشل درس بليغ للمتعاطين بالأدب والفكر والفنون، فلا يجمع الله بين العقل والمال، ولكننى تجاهلت هذه النصيحة كما يفعل الكثيرون من أمثالي، ويطمحون عبثا إلى العز والثروة، نصحني صديق تاجر بأن أوظف توفيراتي في أسهم شركة معينة، نفذت نصيحته فاشتركت معه في الصفقة. لم تمض بضعة أشهر حتى أعلنت الشركة إفلاسها وضاعت كل توفيراتي. امتعضت من صديقي على سوء فعله، ودخلت في مناقشة حادة معه انتهت بالزعل، فتكللت خسارتي المالية بخسارة صديق قديم وعزيز علي، ولكنني بعد بضعة أشهر قلت لنفسي حرام على أن أفقد صديقا قديما من أجل ما يسمونه وسخ الدنيا فتصالحت معه، وعدنا الآن إلى ما كنا عليه، وهذا فشل آخر، احتفظ بصداقة رجل لم أنل منه غير الخسارة وسوء المنقلب”.
فشل عام..
ويتابع عن الفشل العام: “المحطة السابعة من الفشل هي فشل المسيرة العربية عموما، هذا فشل عام، ولكن كانت له زاويته الشخصية بالنسبة لي، فبعد الصدمات العاطفية والنفسية التي واجهتها في لندن، وما لمسته عند الغريبين من كره واحتقار لنا رحت أكرس كل وقتي للقضايا العربية وبصورة خاصة قضية فلسطين، قضيت سنين أبحث فيها وأكتب عنها وأنشر الكتب فيها، كتابي تكوين الصهيونية اعتبره الكثيرون من أحسن ما كتب عن الحركة الصهيونية، كان قلبي يزخر بالأمل، ولكن النكسات توالت من كل جانب، أفظع ما فيها أنها كشفت لنا عن رخص معدننا وتفاهة زعامتنا وانتهازية مثقفينا وتخلف شعوبنا، هنا أيضا وجدت نفسي دون لغة مشتركة بيني وبين أبناء قومي.
أنا أميل إلى الواقعية والعلوم وما يهمني هو البشر ومصير التعساء منهم، الآخرون تجتاحهم العواطف والمشاعر وما يعنيهم هو الأرض والوطن وأمجاد الأمة، شعرت مثل كساندرا، أرى ما سيحل بنا من نكسات، وكنت مثلها لا أجد من يسمعني أو يصدقني، فشلت التواصل مع أبناء أمتي بعد سنين من العمل من أجل القضية الفلسطينية، تلقيت قبل أشهر تهديدا من رجالاتها بأن يكون مصيري مثل ناجي العلي إذا ما واصلت الكتابة وترديد ما أقول، هل من فشل أكبر من ذلك؟ ولكنه لم يكن التهديد الوحيد بالقتل، تلقيت تهديدين آخرين من جهات وميادين مختلفة”.
وفاته..
توفى “خالد القشطيني” 06 يونيو 2023 عن عمر يناهز 94 عاما في لندن بعد معاناة مع المرض.