خاص : كتبت – نشوى الحفني :
مع مواصلة “العراق” جهوده ومناشداته لدول العالم للمسّاعدة في تفكيك مخيم (الهول)، الواقع في شمال شرقي “سوريا” على مقربة من الحدود العراقية، والذي يضم عائلات مقاتلي تنظيم (داعش) من العراقيين والسوريين وعشرات الجنسيات الأخرى، ويأوي أكثر من: 51 ألف شخص غالبيتهم من النساء والأطفال، تم إدخالهم في مخيم (الهول)؛ في آذار/مارس 2019، عقب هزيمة تنظيم (داعش) في “سوريا”، حث “العراق” دول العالم، يوم الاثنين، على إعادة مواطنيها من مخيم (الهول)، قائلاً إنه أصبح: “مصدرًا للإرهاب”.
جاءت هذه التصريحات خلال مؤتمر في “بغداد”؛ حول مخيم (الهول)؛ شمال شرقي “سوريا”. حضر الاجتماع مسؤولون عراقيون وممثل “الأمم المتحدة” في “العراق”؛ وبعض أعضاء “التحالف الدولي” ضد (داعش) وسفراء دول عدة.
مصدر إلهام للإرهابيين..
من جهتها؛ حذرت “الأمم المتحدة” من أن بقاء مخيم (الهول) السوري لعائلات (داعش) سيبقى مصدر إلهام للإرهابيين ويقود حربًا جديدة.
وأشارت رئيسة بعثة الأمم المتحدة في العراق؛ “جينين بلاسخارت”، في كلمة لها إلى إن إرث معركة الأمس ضد (داعش)؛ هو بلا شك إرث معقد: “ولكنه أمر يجب أن نتصدى له معًا فلدينا واجب جماعي لمنعه من التحول إلى حرب الغد”.
خطر التجنيد..
وحذرت من أن أطفال مخيم (الهول) يجدون أنفسهم معرضين لخطر التجنيد القسّري وأن يُصبح التطرف العنيف وضعهم الطبيعي.. مشدّدة على أنها: “مسألة إنسانية كما إنها مسألة أمنية”.
وبينّت أن إبقاء الناس في المخيم إلى أجل غير مُسّمى في هذه الظروف المُقيّدة والسيئة للغاية يؤدي في نهاية المطاف إلى مخاطر أكبر على الحماية والأمن من إعادتهم بطريقة مدروسة.
وأوضحت أنه منذ نيسان/إبريل من العام الماضي؛ فقد عادت: 1382 عائلة من المخيم إلى مركز (الجدعة)؛ في محافظة “نينوى”، وفي الوقت نفسه، غادرت: 837 عائلة إلى مناطقهم الأصلية أو مناطق العودة.
واعتبرت إن عملية عودة المواطنين هي الأمر الصحيح الذي يجب القيام به – لـ”العراق” ولكل بلد يوجد مواطنوه في مخيم (الهول).. وحذرت من أن مخيمًا مثل (الهول) لا يزال يؤجج الاستياء ويُمثل مصدر إلهام للإرهابيين.
إدارة عمليات العودة بسرعة..
وشدّدت المبعوثة الأممية على أن الحل الأفضل والدائم الوحيد؛ هو السّيطرة على الوضع، وبالتالي إدارة عمليات العودة بسرعة وحسّم – بروح الشراكة.
وأضافت أن آلاف العراقيين وغيرهم من جنسيات أخرى لا يزالون هناك كما أنه لا يزال هناك الكثير من العمل الذي ينبغي القيام به ولذلك: “دعونا نواجه الأمر، إن التصريح بالعودة إلى العراق ليس سوى بداية رحلة: من الوصول إلى مركز (الجدعة) إلى المغادرة إلى مناطق العودة ينتظرهم طريق طويل آخر مليء بالتحديات أيضًا.
تطبيع أوضاع العائدين من المخيم..
وأكدت “بلاسخارت” على أنه يجب أن يكون لدى العائدين مسّارات يسّهل الوصول إليها للحصول على الهوية القانونية وغيرها من الوثائق المدنية؛ فبدون أوراق رسّمية، لن ينجح العائدون في بناء حياتهم وإعادة الاندماج.
وشّددت على ضرورة تطبيع وضعية العائدين في نظام الحماية الاجتماعية للحكومة؛ شأنهم شأن أي عراقيين ضعفاء آخرين؛ وإلا فإنهم سيكونون معرضين لخطر الوقوع في براثن الفقر المّدقع ويجدون أنفسهم معرضين لآفات اجتماعية أخرى.
وكشفت “بلاسخارت” عن أن بعثة الأمم المتحدة في “العراق” بصّدد وضع نهج أممي شامل لدعم قيادة الحكومة وجهودها في هذا المسّعى برغم أن العبء في “العراق” هائل: “وبينما نتوقع من السلطات العراقية أن تقود هذه الجهود؛ وتقوم بما هو صحيح، لدينا واجب جماعي – لمنع إرث قتال الأمس من التحول إلى حرب الغد”.
استعادة المواطنين من “الهول”..
وأكدت المبعوثة الأممية على: “ضرورة أن يظل المجتمع الدولي مُلتزمًا بدعم العراق عن طريق إعادة مواطنيه؛ ليس ذلك فحسّب بل أيضًا وفي المقام الأول دعم العراق في مهمة إعادة مواطنها في المخيمئلة التي تنتظره”.. منوهة بالقول: “إن الأمر في الواقع بسّيط للغاية: إذا نجح العراق، فسوف نسّتفيد جميعًا”.
خطر يُهدد العالم..
ومن جهته؛ حذر مستشار الأمن القومي العراق؛ “قاسم الأعرجي”، في كلمة له من أن مخيم (الهول) السوري يُشكل تهديدًا وخطرًا على “العراق” والعالم ويجب تفكيكه.
وشدّد على أهمية تماسّك المجتمع الدولي والعمل على حث الدول على سّحب رعاياها من المخيم.. كما اقترح أن يعقد مؤتمر دولي على مستوى وزراء الخارجية، لإيجاد حل لغلق هذا المخيم، مشيرًا إلى أن الحكومة العراقية نقلت: 1369 عائلة من هذا المخيم إلى “العراق”؛ وأخضعتها لعمليات تأهيل، تمهيدًا لدمجها بالمجتمع.. مبينًا أن: 800 عائلة قد عادت إلى مناطق سّكناها بعد عمليات التأهيل.
ولادة جيل إرهابي جديد..
وأكد “الأعرجي”؛ أن وجود الأطفال داخل مخيم ينتشر فيه الحقد والإجرام سيولد جيلاً إرهابيًا جديدًا، مشيرًا إلى أن هؤلاء الأطفال هم ضحايا، ويجب أن يحاسّب الإرهابيون وفق القوانين وأن لا يفلتوا من العقاب.
وبيّن أن قضية مخيم (الهول) السوري ليست محلية، و”العراق” نقلها إلى قضية مجتمع دولي، مجددًا التأكيد على مطلب “العراق” بإعادة الدول لرعاياها من المخيم.
واعتبر “الأعرجي”؛ مخيم (الهول) منبعًا بشريًا لدعم الإرهاب مشّددًا على “الأمم المتحدة” والمسؤولين والسفراء بسّحب رعاياهم منه.. وأشار إلى أن: “الحكومة وبقرار جريء قامت بنقل: 1298 عائلة من المخيم إلى داخل العراق”.. مشيرًا إلى أن: “عدد العوائل العراقية المتواجدة بالمخيم أكثر من: 08 آلاف عائلة.. لافتًا إلى أن: “العدد بتزايد لأن حالات الولادة مستمرة بهذا المخيم؛ ولا توجد دولة بمنأى عن الإرهاب”.
وأشار إلى أن: “الأطفال هم أبرياء وضحايا؛ لكن وجودهم بهذا المخيم سيحولهم لإرهابيين في المستقبل”.. مؤكدًا أن: “مخيم (الهول) ليس موضوعًا محليًا بل هو قضية مجتمع دولي”.
كما شهد الاجتماع مداخلات من قبل المشاركين تمحّورت حول أهمية تفكيك هذا المخيم الخطير مؤكدين أهمية الإسراع بغلقه وإزالة هذا الخطر الذي يُشّكل تهديدًا للمنطقة والعالم.
قنبلة موقوتة يجب احتوائها..
في تعليقه؛ يقول مدير المركز (العراقي) للدراسات الاستراتيجية؛ “غازي فيصل حسين”، في تصريح لموقع (سكاي نيوز عربية) الإماراتي، أن الجهود العراقية تتزايد لطي ملف مخيم (الهول) شرق “سوريا”، والذي يضم آلاف الدواعش، وهو ما يُمثل قنبلة موقوتة، خاصة وأنه يضم دواعش من مختلف البلدان حول العالم، ولهذا فبقاء هذا المخيم يُشكل خطرًا وتهديدًا مباشرًا لـ”العراق” و”سوريا” ومختلف دول المنطقة والعالم، ولا سيما في ظل وجود آلاف العوائل والأطفال، والذين قد يتحولون مستقبلاً لأجيال داعشية جديدة.
موضحًا المسُألة الأهم هي في ضرورة بدء استلام مختلف الدول لرعاياها في (الهول)، و”العراق” يدفع في هذا الاتجاه، ويُعيد على دفعات رعاياه هناك، وفق برامج لإعادة تأهيلهم؛ ولا سيما الأطفال منهم، لدمجهم بالمجتمع وتصحيح طرق تفكيرهم وإدراكهم المشّوهة والعنيفة، وغرس مباديء التسّامح والشراكة واحترام الآخر وعدم تكفيره.
وتضافر جهود “العراق” و”الأمم المتحدة”؛ مهم جدًا في سّياق تسّوية هذا الملف الشائك والحسّاس، والتي هي بحاجة لدعم دولي أكبر كون برامج إعادة عراقيي (الهول) بحاجة لميزانيات كبيرة وتمويل ضخم، لتهيئة الظروف المناسبة وفرص العمل والتعليم أمام أبناء هذه العوائل، بعد أن تتم تسّوية ملفاتهم الأمنية ووضعهم على السّكة الصحيحة كمواطنين لديهم حقوق وعليهم واجبات.
لا بوادر لاستجابات دولية..
وبدوره؛ قال الباحث والكاتب السياسي العراقي؛ “جمال أريز”، أن الدعوات العراقية للمجتمع الدولي لإغلاق مخيم (الهول) واستلام كل دولة لرعاياها الإرهابيين، محقة تمامًا وفي محلها، كون “العراق” هو البلد الأكثر مواجهة لخطر تنظيم (داعش)، ولما يُشكله بقاء هذا التجمع الضخم للدواعش في (الهول)، من تهديد مباشر على أمن “العراق” وسلامة مواطنيه.
مع الأسف لا تلوح في الأفق أية بوادر لاستجابة دولية، وفي هذا السّياق رأينا كيف أن “الإدارة الذاتية”؛ التابعة لـ”قوات سوريا الديمقراطية”، والتي تُسّيطر على مخيم (الهول) أعلنت مؤخرًا أنها ستقوم هي بإجراء محاكمات محلية في محاكم شمال شرق “سوريا” لدواعش؛ (الهول)، وذلك بعد رفض غالبية الدول استلام رعاياها.
هذا يعني بالطبع أن هؤلاء بعد محاكمتهم وصدور العقوبات بحقهم، سيتم نقلهم غالبًا من مخيم (الهول) لسجون ومراكز احتجاز، الأمر الذي يعني بقاء الخطر على حاله بل وارتفاع معدلاته، حيث يجب أن لا ننسّى ما حدث سابقًا من تمرد داعشي كبير في “سجن غويران”؛ بـ”الحسكة”، مطلع 2022، وتمكن وقتها مئات الدواعش من الفرار.
تاريخ نشأة مخيم “الهول”..
يضم المخيم ما يتراوح من: 55 إلى: 60 ألف شخص، معظمهم من النساء والأطفال، ونصفهم تقريبًا من العراقيين وربعهم من السوريين، فيما يتم إيواء نحو: 10 آلاف أجنبي في ملحق، ولا يزال الكثيرون في المخيم من أشد المؤيدين لـ (داعش).
حسّب بيانات “المفوضية السّامية لشؤون اللاجئين”؛ التابعة لمنظمة “الأمم المتحدة”، فإن: 90 في المئة من سّاكني مخيم (الهول) هم من النساء والأطفال.
يعود تاريخ إنشاء مخيم (الهول)؛ لتسعينيات القرن الماضي، عندما أنشأت “المفوضية السّامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين”، مخيمًا على مشارف بلدة “الهول”؛ شرق “سوريا”، على مقربة من الحدود مع “العراق”، وبالتنسّيق مع “دمشق”، لاستقبال آلاف النازحين واللاجئين العراقيين بعيد حرب الخليج الثانية.
بعد ظهور (داعش) وسّيطرته منذ العام 2014؛ على مسّاحات شاسعة من “العراق” و”سوريا”؛ بما فيها بلدة “الهول” نفسها، والتي حررتها “قوات سوريا الديمقراطية”؛ بمسّاعدة (التحالف الدولي) ضد (داعش)؛ في العام 2015، نشّطت حركة النزوح له مجددًا، وخاصة من محافظة “نينوى” ومركزها مدينة “الموصل”؛ بشمال “العراق”، ليكتظ بعشرات آلاف اللاجئين العراقيين والنازحين السوريين، وهو يُعد الآن أكبر مكان لاحتجاز الدواعش وعائلاتهم في العالم.